الثالوث المقدس (القومية/ الدين/ الخراء)

ريبر يوسف

 ريبر يوسف عبر فيلم وثائقيّ يفصفصُهُ الوقت، مساءً، بيدين منهكتين، إثر شردقة الشمس الراكدة، يسرد الراوي ما يسلبُ ملايينَ البشر الطمأنينةَ، والمتشرّبين بالنار في ميزان التنّور على القارة الأفريقية، "حيث الشقاء الملازم للمرء، هناك، نتيجةً لغياب المراحيض".
الأرنبةُ، في ذهني، تقّافزُ حيث بعوضٌ يتزاحمُ على الخراء الذي يشغل مساحاتٍ شاسعةً من أرض مسكونة بالضوء. بعوضٌ مثل نَمَشٍ يتسبب على كتف آدميّ. لم يكن للمخرج - مفترسِ الفكرة الجديدة، وبغضّ النظر عن الحاجة الرئيس للكائن هناك، من رغبةٍ في مصافحة يد منظمات عالمية تسير حاجة المجتمعات المستيقظة في نداءات بطونها الحافية. يسير الفقير على بطنه.

الخراءُ المتزاحمُ والمتناثرُ على هيئة كرات البيسبول، مَدٌّ لكثافة سكانية للمجتمع الراقد خلف الكاميرا ـ في ذهنك ـ تكاد تجزم أنّ علوم الإحصاء الحديث كامنة خارج السجلات الشخصية والبصمات والأسماء. الخراءُ الممتطي صهوةَ العلوم برمّتها. دراسة شاملة لمجتمع خارج سياق الدين والقومية؛ لوهلة تستدرك الطاعةَ في عقلك، إذ تسير خارج الطريق المتعارف عليه، للبحث في مجتمع ما - عبر وحدة الشكل واللون في الخراء. الحكمةُ مركونةٌ في مكان ما داخل الكائن. مجتمعٌ، خراؤه مدفونٌ مثل مرض معلوم. مجتمعٌ، خراؤه بارزٌ مثل مرض مجهول. المجتمعُ - صانعُ الكاميرا - ذو الخراء المدفون يوثقُ، عبر علمه، مجتمعاً ذا خراء لم يدفن بعد. العلمُ ناقلٌ؛ مثله مثل البعوض، العلمُ غير معالج.

هناك، خلف كاميرا ما، عصبةٌ أخرى، يتسنى لها التغوُّطُ داخل مراحيض منظمة، في سلسلة شبكات متطورة للصرف الصحي. مجتمعٌ في قيد مستندات، إذ يدرس كمنظومة داخل علوم الإحصاء، معلومٌ ظاهرياً مجهولٌ باطنياً، كأنّ الخراء في المواسير تلك (نفس المجتمع) المتحدة داخل الأرض.
لنعُدْ إلى السياق ذاته المتوارث في العرف البشريّ، حول ماهية الوجود ومعنى الكوكب، كحالة جغرافية واحدة. ما من رغبة مواربة تهادنُ بين فكرتين نقيضتين في رأسك.
خلف كاميرا أخرى، في مكان آخر على الأرض، يسير مجتمع داخل سرداب على هيئة أسراب من بعوض؛ سعياً إلى سِدْرةٍ أخرى تشغل مخرجاً آخر. مجتمع مشغول بمحاصصة الدم، في مكاتب العلم والقوانين التي نسجها للاختلاف عليها فيما بعد. مجتمعٌ ينثرُ الدمَ، في صورة الخراء، عبر مشهد داخل الفيلم المركون في رأسك (صانعك). مجتمع يقتات على الدم، ظاهرياً، فيما يصبُّ خراءه في الماسورة ذاتها للصرف الصحي الذي صنعه العلمُ ذاته - صانعُ تزاحمِهِ كسرب بعوض على دماء بعضهم البعض. الملايين من البشر المشغولين بإحصاء البعوض على خرائه تراقب، عبر شاشة التلفاز، ملايينَ أخرى مشغولةً بإحصاء البعوض على قتلى مكاتب القومية والدين. الدم يُزاحمُ ذهنَ الكائن على الخراء. الخراءُ يُزاحمُ ذهنَ الكائن على الدم.

ما من حكمة يجترُّها ماعزُ الذهن، ليلاً، حيث يوضِّبُ النورُ في ركبة القمر بريقَهُ في خراء جنديّ تغوّطَ لتوّه، على عجل، قرب سياجٍ حدوديّ يفصل ما بين رُقَع الخراء المتشتّلةِ على الأرض الوسيعة مثل صمت الفراشة.
الجنديُّ، بِزيّه الوافد من تدريجات الخراء لوناً، الجنديُّ المتغوّطُ لتوّه، سيصوّبُ بندقيته إلى كائن تغوّطَ، على عجل، دونما أن يتسنى له مراجعةُ علومٍ شبقةٍ تستدرجه صوب الديمقراطية، دونما فوز بحصة من الوقت فينبشَ خلالها خراءه ـ يستكشف الدودة شريكة جوعه ـ بعودٍ من القطن ممتلئٍ معرفةً بعلم الأرض. هرمَ القطنُ من شدة بحثه في البياض.

الطفلُ الأفريقيُّ - واشي الضغينةِ في كتب ماركس، الطفلُ موفدُ بني طفولته من سوريا وكردستان وكوريا الشمالية وبلوشستان في مؤتمرات الخراء، بمؤخرة مدهونةٍ خراءً، الطفلُ الأفريقيّ يسيرُ صوب كسرةِ خبز يابس مثل عينه، كسرةِ خبزٍ في يد الصراع ما بين القومية والدين. الخبزُ زمن الخراء الوافد، الخراءُ ذاكرةُ الخبز، فيما الرجلُ الأبيضُ، حاملاً خراءهُ، ماضٍ في شغف إلى حيث مختبرٌ للتحاليل الطبية، لاستبيان الزمن في طاعة الجسد للدين والقومية. الرجلُ سينظم فيما بعد برنامج غذائه، على هيئة حِمْيةٍ أو ما شابه، حِمْيةٌ تفرغ بدورها إلى الخراء ذاته.
خراءٌ صحّيّ، خراءٌ يوجزُ حقيقةَ ذاته، في السير أرتالاً بشريةً، يفرزهُ التحزُّبُ - على عجل - كمن تغوّطَ في حقل الخشية، ليلاً. التحزُّبُ المفضي إلى مختبرات عالمية، يُبحَثُ فيها، في الموت، عبر خراء الدول وسدرة الأبدية.
الخراءُ المواكبُ للوجود؛ حيث الكينونةُ.. حيث الخراءُ، هامساً، يهذي بالله، مرتّلاً سرَّ أديانه بذقن (الأنبياء) خَلَلَ المساجد والكنائس والمعابد، فيما الخراءُ، ماكثاً في خشية المراحيض، يصغي.

برلين