هاشم شفيق

هاشم شفيقلتغدو القصيدة شعراً عليها المرورُ بمقهىً على البحرِ ، تجلسُ فيها وتشربُ قهوتها في الصباح ِ ، محدّقة ً من بعيد ٍ بباخرة ٍ تقطع الموج في مهلٍ ومحدّقة ً في الدلافين لاعبة ً في المياه.
عليها المرورُ
بحانات بعض المدائن ِ
كي تحتسي قدحاً
تلو ثانٍ
وتكرع ما ترتئي من حدوسٍ
الى أنْ يُطلّ الضحى
من نوافذَ نائمةٍ في الظلالِ ،
لتغدو القصيدة ُ شعراً
عليها التأكدُ من سيرها
حين تمشي وراء التلاميذِ ،
لابسة ً في الصباحاتِ
تنّورة ً من عسلْ ،
عليها المرورُ
على مطعمٍ في الضواحي
لتغسلَ أطباقه
وتقدّمَ للوافدينَ
مهاراتها في تقصي الروائحِ ،
أسرارَها في تفشّي البخارِ المملحِ
في وجبة من نجومٍ متبّلةٍ بالبهارِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها المرورُ
بقبّرةٍ في البراري
وتزويجُ شوكِ الفلاةِ
لنايٍ يغني
وبعثرةُ الأغنياتِ على الريشِ ،
بعثرةَ الريحِ بين الصلالِ
وتقسيمُ ليلَ الصحارى سواسيةً
لخيام البداةِ
لذئبٍ وحيدٍ
يُردّدُ أغنية للمجاهلِ
يطري أناهُ
ووحدتَهُ في القفارِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراُ
عليها القعودُ على صخرةٍ
قرب نهرٍ سجا
لقراءةِ أسرارِ تلك القرى
وتصفّحِ بعضِ الحقولِ
وتقليبِ أوراقِها
والسطورِ التي اندثرتْ وسط هذا الترابِ ،
وتلك الجذورِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التسمّرُ في حدوةٍ لحصانٍ
لتصغي لوقع الصدى
طقة ً
طقة ً
نحو قافيةٍ ألّفتْ من حنان الخيولِ
وسطوتها في امتلاك المدى والتخومِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
وتأخذَ لونَ الجواهرِ
طعمَ الضياءِ
عليها المرورُ على مصنعٍ للنسيجِ
لتعملَ وسط ضجيج المكائنِ
قرب رنين الأسى
قرب خيط طويل من الحزنِ
يمتدَّ في الروحِ
يربط ُ بين الطوى واليدين ِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التشرّدُ في الطرقاتِ
وحضنُ الرصيفَ ،
التسكعُ تحت المطرْ ،
عليها الذهابُ الى مهبط الثلجِ
والنومُ بإرجوحةٍ جُدلتْ من جليدٍ ،
عليها تلقّي النديفِ
كزائرةٍ ترتدي الأبيضَ المتطاولَ
أو تحتفي بالصقيعِ
كحبٍّ يطاردها
كحبيب له قبلة الزمهرير الذي سوف يجمعها بالجبال
ويُدرجها في عداد القممْ
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها بكلّ صغيرٍ
وتأليفِ إلياذةٍ عن رهافة قشٍّ يطيرُ ،
يحلقُ مثل اليمامِ ويزقو
إذا دهَمَتْه الرياحُ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التحلي بصبرٍ طويلٍ
لكي تتخمّرَ بين المعاني
وتصبحَ طازجة ً
مثل كمثرى
بها ألقٌ ناطقٌ بالشغفْ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التودّدُ للإستعارةِ حين تراها
وإغراءُ كلّ الكناياتِ
كي تصطفيها
وتخرجَ ليلاً بها للمقاصف ،
تُلبسها القبّعاتِ
وترمي عليها المعاطفَ
ذات الفراءِ
وتُعطيَ قرطاً لها من نسيمٍ
أساورَ مائيةٍ
وقلائدَ من زَبَدٍ ورذاذٍ ،
تعلمها المشيَ تحت الينابيعِ
كي تتهجّسَ نوعَ الزلازلِ
والكوثرَ الأرتوازيَّ
كي تتصبّبَ مُغُراً وكهوفاً وعيرةْ
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التغنّي
بشهوة نمله
بطائرة من ورقْ
بفوانيسَ من دلعٍ
وزجاجٍ ملوّنْ
عليها التغني بزرِّ قميصٍ
بقشرةِ بندقة ٍ
وبقطرات النبيذ التي لطختْ شرشفَ الطاولاتِ ،
التغني بهذي الفتاتِ من الخبزِ
بالقَهَر الملتوي في شتاء الدماغ
بفوطة أمي التي بلل المسكُ أطرافها
بالقرنفل مستمتعاً بلسان الطعام ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التماهي مع الإرجوان ِ
منافسة ُ اللمعانِ
على قطعة من حريرٍ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التروّي إذا ذهبتْ عالياً
في النشيدِ
محاسبة ُ القافياتِ
إذا صَدحتْ واستطابَ لها النومُ
فوق سرير العروض طويلاً ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التشبّهُ بالملكاتِ
بمشيتهنّ بخفِّ نضارٍ
بأزيائهنَّ التي نُسجتْ من رحيقٍ
عليها التشبُّهُ بالآلهاتِ
وأطوارهنَّ
بخلق الأساطيرِ
صُنعِ تواريخَ داخلَ معجزةٍ
واحتلال الدهورِ ،
لتغدو القصيدةُ شعراً
عليها التشبُّث ُ بالمرتقى
وحصدُ الذرى
والصعودُ الى المطلق المحتذي أنجماً
والجلوسُ الى جانب المستحيلِ .

شاعر من العراق يقيم في لندن

2011-10-27