نصيف الناصري
(العراق/السويد)

(عدسة آدم البياتي)1-أصْواتُ عُطورِكِ المُحَمّلةِ بالهَذَيان

لكِ السَّلامُ يا شفيعةُ .
يا صيفَ اللهِ المتوسّدَ شفاعتَهُ مابينَ النارنجاتِ الأثيرةِ لعصياناتِ جروحِنا .
لكِ الثمراتُ المنخفضةُ التي تفصلُ النجومَ عن النجوم .
تنامينَ تحتَ شجرةِ التنهّداتِ وتتدلّى فوقَكِ شعائرُ الدفنِ المتواطئةِ مع خياناتكِ المنزلقةِ صوبَ فجرِ الشّواهدِ العتيقةِ لأسلافِنا العشّاق . لماذا تترنّحُ بكِ الهاويةُ في السّنواتِ المزدحمةِ بالصّرخاتِ ؟ هل استراحتْ ، اطمأنت معصيّتُكِ ؟ الآنَ خمدتْ ظهيرةُ تنفساتكِ واستراحت الأرياف . في نومكِ تحت الشّجرة التي لا تثمرُ إلا أكماتٍ وهدايا . تتسلقينَ البراكينَ المنتصبة تحتَ أهدابِ أشواقنا وتقودكِ الظّلالُ البنفسجيةُ لأسرار العرّافات . يا شمسَ موتِنا المتلعثمة فوق وديانِ الليالي ، ويا ميراثَ القرونِ المنحنيةِ والمتعاقبةِ في ليلِ مرايا الساعاتِ العشقيّة .وميضُ وجهكِ الإلهيُّ يخترقُ هاويةَ عطشِنا ، وأصواتُ عطوركِ المحمّلة بالهذيانِ ، تتخطّى وتتجاوزُ بانفتاحاتِها وتعرجاتِها بين الأيّام المصيرَ الإنساني . يا أملُ ، شفيعتَنا الأخيرةَ في صحراءِ العالم .هل يمحو الموتُ الحبَّ ويصهرُهُ في التماثلات العموميةِ المنسجمةِ والمتحالفةِ مع عوسج الأيام ؟ لماذا مصابيحُ عشقِنا معلقة دائماً بين غيابِكِ وغيمةِ الزمان ؟

17 / 5 / 2005 مالمو

2-إجاباتُ الزّيزانِ العاشِقَةِ معلقةٌ ومُتَهَدْهِدةٌ في المَتاهات

في شمسِ النذور المعذبةِ وتحتَ قوانين اللبلابِ ، في حنانِ الرملِ للإعصار ، عبرَ ضفائر الهاوية الشاطئيةِ لجذور تثاؤباتِنا المقوِّضةِ العتيقةِ..مشيتُ مع ملائكةٍ سودٍ . تتعثَّر بي المنحدرات ، ورأيتكِ مستيقظة تحتَ رابيةِ جروحِ لآلئِكِ التي تسندُها الرياحُ ونحلُ الساعات . في التّحفظاتِ الشَّفيفة لإيمانكِ المتنزّهِ والمتموّجِ مثل أسرار الصّلصال ، في ثباتِ الإوّزاتِ الملاّحاتِ وحركتِها ، تحتَ شجرةِ كَسْتناء قبركِ المنعطفةِ والسهرانةِ ، في عجزي عن الإمساكِ بنسمة برهان.. بكيتُ طويلاً لكي أطردَ مذنَّبات موتِكِ من شَدوِ حياتي وملحِها . لماذا رحلتِ الآن وتركتِ إجاباتِ الزّيزان العاشقةِ معلقةً ومتهدهِدةً في المتاهات ؟
أرضُ نعاسِنا العليلةُ متناهيةُ العلاماتِ وإيماضةُ عينِ مالك الحزينِ تحتَ الهلال ، ونبتةُ العسَلِ السّامةُ فوق مرتفعاتِ الأصائلِ تقولُ لنا : لا تطردوا حريرَ الموتِ من سنبلةِ جروحِكم المضاعَةِ في الهذياناتِ . هل ينبغي دائماً تثبيتُ مشاعلِ النظراتِ الهاديةِ على وردةِ الهاوية ؟

18 / 5 / 2005 مالمو

3-الأضْواءُ الكَبيرةُ لقَناديلِ السُّنْبُلَة

نحنُ الذينَ نودّ السَّهر تحتَ مصابيح شواطئ ما وراء الطبيعة. تكسرت الآن صفائحُ ذهبِ أيامِنا في ريح السَّموم ، وانطفأتْ نسائمُ أنهارنا على العظام . لم يُبقِ لنا ميراثُ الحياةِ أيَّ شيء . لا صورة ولا مادة، وحليبُ الهاويةِ أغرقَ كلَّ ذخائرنا. لماذا تُبحِرُ مراكبُ رغباتِنا مسرعَةً ومتلهفةً صوبَ ظلال الشعائر الجنائزية ؟ أينَ اختفت الكينونةُ والبراكين والنغماتُ الإلهيةُ لممالكِ الصيف..خادماتُنا الجليلاتُ ؟ لم يَبقَ الآن من شمسِ ميراثنا أيُّ شعاع. لا بذرةَ الموتِ الراقدة تحت نور الحبِّ في كهفِ الرّاهنِ ، ولا وجهَ الرغبةِ المنوَّر باللطافاتِ المتمهّلة ، ولا نجومَ موانئِ تعبِنا على هذه الأرضِ الفقيرة ، ولا حمّى الثديِ الوحيدِ لثمرة الإرادة . هل تخلقُ شعلةُ الوعيِ الأشياءَ ؟ هل تسرّحُ الرغبةُ في التقاء العقلِ والتجربةِ شعْرَها تحتَ الهالةِ الكبيرةِ لقناديلِ السنبلة ؟ أيتها الرغبةُ ، يا موجةً بنفسجيةً متألقة . وردةُ شفتيكِ المنجِّمةُ والمتنزِّهةُ ما بين الموتِ وبين الحياةِ ، ونظرتكِ الممدودةِ على آفاقِ الأزل : هما أعشاشُنا في شجرةِ دَرْدارِ العويلِ المتريّثِ وسطَ الملحِ والمياه . ملائكةُ الهاويةِ يهدّمونَ قبورَنا العاليةَ ويبنونَ أبراجَ الصمتِ في ليلِ الغِياب .

23 / 5 / 2005 مالمو

4- ثَمَرةُ عِشْقِكِ النّاضِجةُ تحتَ تنفّساتِ دموعِنا

توغِلُ قيثاراتِ العقيقِ بعيداً في عتباتِ الهاويةِ ، وضوءُ صمتِكِ الفردوسيُّ يُنوِّرُ الزَّمان .
أنتِ امتدادُ الديمومةِ ونارُ فصولِ فضّتِنا المتململةِ في الأنهار .لصَلاتِكِ المتضوّعةِ بين عرصاتِنا مذاقُ العِصْمةِ وجلالُ الشجرةِ المنفرجةِ والمطمئنّة . تكسَّرَتْ قناديلنا في غيابِكِ وأضاعَ مقاليدَ نجمةِ صبحِنا الأدلاّءُ . تعثَّرَتْ خطانا وغَمَرتْ تعرّجاتُ نَومِنا الداكنةُ رياحُ النفيِ والعويل .
لا تحالفاتٌ الآنَ بينَ الصَّلاةِ وبينَ عَطاءِ الملائكةِ للموتى. زحَفتْ على الياقوتِ الظلماتُ . زحفَ الحمادُ على وردةِ الشَّمسِ الحائرةِ في الظَّهيرة .ثَمَرةُ عشقِكِ النّاضجةِ تحتَ تنفساتِ دموعِنا ،سقطتْ في تثاؤب ليلِنا الوسْنان . الذهبُ المتحفّزُ واللمَعاناتُ هما إرثُكِ الباقي في تفجعاتِنا العظيمة .

28 / 5 / 2005 مالمو

5- صِمتُ وصَلَّيَّتُ أنهاراً طَويلة

تنغلقُ علينا المتاهاتُ
والرغبةُ ملحٌ يتمرَّدُ في جفني النَّهر.
في انتظارنا لعطيةٍ تتعفنُ في خَدَرِ السنواتِ . يتقدمُ إِلينا الموتُ ويقتلعُ برفقٍ صلواتِنا الشفيفةَ ، وكما يُلقي الوقتُ جمرتَه المرتعشة بين ذراعي الليل ، تتفتحُ وتسودُّ بينَ أهدابنا القيثاراتُ والمرايا .
هل لي أن أمنحَ الفكرةَ حريتَها لترفرفَ فوق الروح الكليِّ للطبيعةِ ؟ هل لي أن أمنحَ الطمأنينةَ إلى الإنسان الفردِ، تحتَ الشجرةِ المظلمةِ للوجود ؟ صِمْتُ وصلَّيتُ أنهاراً طويلةً كيالضِّفافِ،ً بين الفكرةِ والواقعِ ومثلَ حلمٍ يُغمضُ عينيهِ سيفُ الكلمةِ خلفَ الضِّفافِ ، ناحتْ عليَّ المياه نُواحَ الحِجارةِ الكريمةِ . أينَ ولّى ملاكُ العهدِ الذي أيقظني تحتَ النجومِ المصطفةِ مابينَ الجحيمِ والفردوس ؟
في الثباتِ والاهتزاز
في تعالي الوجودِ على الفكر
في الصدفةِ والاحتمال
يصالحُ القلقُ بشِدقيهِ المفتوحينِ ، مخالبَ الرغبةِ والخوف .
ما أجملَ صراخَ الإنسانِ فوقَ قمم العالمِ. انحلّي من قيودكِ أيتها الصَّيرورةُ المسبيّةُ . المُصابةُ غيرُ المتعزِّيةِ ، يا مَن كلُّ أبوابِها من النورِ والياقوتِ . سأعطيكِ هذه السنبلةَ لميراثكِ .
استيقظي ، استيقظي والبَسي مجدَكِ . لولا الخوفُ لكانَ موتُ الجنسِ البشريِّ بلا قيمة .

27 / 4 / 2005 مالمو

6- نشيدُ محنتِنا الشبيهُ بالصَّلواتِ المزدوجةِ لنساءِ الإغريق

تَقولُ اليمامةُ
وسِّعي يا آلهةُ عِصْمةَ أسلحتكِ بين العلاماتِ اللامرئيةِ ، واشتعلي متدليةً فوق نهديَّ الحائرين .
ظليلةٌ عطاياكِ يا آلهةُ وفقيرةٌ أشجارُ صيفكِ المعلَّقةُ بين القنديلِ والقنديل. افتحي بنفسجةَ أهدابِكِ وامنحينا كلمةً تنعشُ صلواتِنا وتعمّقُها في الظلمةِ الوردية . امنحي الإنسانَ العاري في هاويتكِ الهيفاءِ، إحسان الفَراشاتِ وغُفرانَها الأزرقَ الوديع. بين أروالحريّة.سِ والمعقول يرفع الإنسانُ ليلَ النَّهر ويمحوهُ عبر شعلةِ وعيهِ الحريّة.ِ إلى الحريّة . فجرُ السَّنةِ الذي يجرحُ نفسَه في تنفّسِهِ يمدُّ أشعتَّهُ ويأسرُ العناصرَ الكليَّةَ لنومنا الذي تثقبُه أسماكُ الأوفياء . في تلمّسِ التصوّر والاستبطان ، في التضاداتِ والمفارقات . نَضْغَطُ على مِعْصَمِ الجوهر ونُزيحُ عُلّيقَ التّصوراتِ الزائفة.
الإرادةُ وحركتُها
والرمزُ المجرّدُ من الزمنِ والبيت
يَدلاّن الإنسانَ على الثلجِ المنتصبِ مثلَ الجهنميّات فوقَ القبور النجميّةِ لتضرعاتِنا الممحوَّة
لا بساتينَ ولا وميض
وردةُ الأفولِ وتجلياتُ الأنهار المنغلقة
نشيدُ محنتِنا الشبيهُ بالصلواتِ الويقول: لنساءِ الإغريق .يَعِدُنا الثعلبُ بين أشجار السرخس ويقول: إنْ جئتموني بآيةٍ، فسوفَ أتبعُ أنهارَكم وأمشي وسطَ مصابيحِ الهلاكِ. وقال الحَجرُ : إذا لم تُحضِروا تقدماتٍ لآلهتِكم المقوضةِ الظِّلال ، فسوف يَعصِمُكم الطوفانُ من رحيقِ الكلمةِ المجدولة . رُحْماكِ يا آلهةُ..يا خصائصَ نبيذ موتِنا ويا انعكاساتِ قناديلِهِ المترددةِ تردّدَ النَّغَماتِ بينَ النفيِ والإثبات. ظلمةُ مغاراتِ الألم الإنساني ، تتفجرُ وتتوهجُ دائماً في شقائق نعمانِ أيامِنا .

28 / 4 / 2005 مالمو

7- ينبغي الإنصاتُ لِما يقولُهُ العُصْفورُ لشجرةِ الزَّعْفَران

في نِهاياتِ أعمالِكم المشيِّدةِ بحجارةِ القرابين، يحرِّضُ الشاعرُ الطبيعةَ على تخطّي ذاتِها ويُغريها بالتحرّكِ، صوبَ قناديل المطلقِ. ينبغي لكم الآنَ أنْ تَعقِدوا هدناتٍ مع الفَراشاتِ وناياتِ الراعي المستسلمةِ للرَّمادِ والرِّياح . ينبغي الإنصاتُ لِما يقولُهُ العُصفورُ لشجرةِ الزَّعْفَران حتّى تتمدَّدَ وتتوحَّدَ الأفكارُ الجنسيّةُ للشُّهب ، مرشداتُ الملائكةِ إلى كينوناتِ أفعالِكم . الظلُّ السميكُ لشواطئ شِفاهِكم المعفرَّةِ بالرُّقاد ، يرفرفُ في أعماقِ العِطْرِ الداكنةِ والمتنفّسةِ بينَ أهرامات المادَّةِ وتحوّلاتِها الشفيفةِ . في الاندفاعاتِ العظيمةِ لإراداتِكم المخترقةِ أبوابَ العالم . لا قناديلَ ولا سكينة .
تلميحاتُ نجومٍ من اللَّبْلابِ العتيقِ تتوزَّعُ ما بينَها مصائرُكم التي قوّسَتْها مشاعلُ الهاويةِ الذهبيَّةُ والوردية.

30-4-2005 مالمو

8- ايماضة العقيق المطمورة تحت رموشنا النجمية

في جلوسنا الهش على صخور الوقت المعفّرة بتراب الحيرة
نمّدُ أبصارنا الذليلة إلى أنهار بطيئة الجريان وننزلُ إلى الهاوية
حاملين نذورنا ذات العطور الفقيرة. نتلمسُ كسرة من حياة متعفنة .
أنتَ الفاني ولا تدرك فناءك
ومثل ريح تسترخي في فراش الحريق
تبحثُ الكلمة المتقنعة فيكَ عن صيف
تطلق فيه ملح صرختها .
هل الزمن إيماءة بلا حراك ؟
هل تصقل الطبيعة حجر تحولاتنا وتسلط الأفكار المتضوعة على عظامنا ؟
هل يوسع الزمن معرفتنا أم يكشف دائماً عن جهلنا بالطبيعة وبأنفسنا ؟
ظهيرة السنبلة التي نتجول عبر دهاليزها المفتوحة على العدم
هي الطبيعة التي لا زمن لها.
أين وميض البراهين الذي نحتته القرون واجتثته الأجناس في إيابها وذهابها
إلى ما وراء السور المظلم للخليقة ؟
في صعودنا إلى أعالي الميراث والجذور، نعايش النجوم الزرقاء لوجودنا
الأبدي والمتحقق ، وما بين تهشم المادة وحراشف العدم
تزيل الأوفياء اليافعة عن طرقاتنا عوسج الأحلام والفيروز ؟
افتح يا ربُّ ممرات فجرك إلينا نحنُ العطاش إلى اللازمان
أبوابنا موصدة تئنُ فيها رياح الليل والمخالب .
افتح أنهار النوم وسنواته الشبيهة بغنائم فقيرة.
مفتاح وملح غيابنا يطيّران الشجرة وبروقها
يطيّران لحظة الموت التي تفصل الثمرة عن شمسها .
يعكسُ الينبوع مرآته، شقيقتنا
وتنفجر البذرة في ايماضة العقيق المطمورة تحت رموشنا النجمية .

9- في الإفصاح عن شفافية نهديها

أبحثُ في ليل البرية
عن أصداء خلّفتها صرخة الإنسان
عن جذوة شعلة وشيكة العودة إلى الأنهار
عن حجارة وتنهدات نملة فوق الثمرة المحتضرة
عن أبواب الزمن المثقلة بالرماد، وكلمة ناسك تطوي انعكاساتها
تعرجات الشؤم القديمة لأنصابنا المتعاقبة .
يتقدمُ الزمن فينا
ويشدَنا إلى براثنه
كل لحظة ، نأمة ، فكرة ، اندفاعه ، برثنٌ وعظام العالم ترتمي مستريحة
في ليل الماسة المنعطفة .
هل ننتظر الآلهة في غبطتها وهي تترقبُ قرابيننا المشدودة إلى السراب ؟
هل ننتظر تضرعاتها الحائرة في لبلاب العبادات وصلواتنا الفانية والمتهجدة
فوق سهاد العالم ؟ الزمن سيفٌ يشحذ نفسه في الشجرة الممعنة في تهشمها
نقاسمه هواء الشواهد المتغلغلة في شفاهنا ويقضمنا مثل إيماءة موجة تسهر
في الإفصاح عن شفافية نهديها .
ليل البرية
العالم
سطوح غيوم تنفلت عبر ضربات طيور تقّوس الأحلام والإحساسات
التي يوقظها تثاؤب المرجان في قبورنا التي تستعطف الريح.

10- سلّم الأبدية

نار الله تتلظى عبر أدغال وخرائب حيواتنا المبعثرة في الهاوية .
أجراس الحرير ومرايا فراديسه في الأعالي
وعصارات الفضة خضراء الجفون في أرض الفجر المتلألئة .
ينبغي أن نموت ميتة عظيمة بلا خوف
لا أمل
لا أوهام
لا حلم بوعد .
موسيقى وصرخات مصائرنا اللامرئية تفرغ حمولتها فوق جسور التاريخ
والقبضة القوية للنور متنهدة فوق رأس الشجرة الإلهية.
مجد موتنا معصم للكوكب الذي ينفلتُ وينسابُ هادئاً عبر ليل الأزل.
ينبغي للإنسان الواقف كريشة في سعيه المحموم للوصول إلى سلّم الأبدية
أن ينظف العالم من قذارات تماثيل موته الشاخصة في أروقة الزمن .

والطبيعة تستردُ دائماً هباتها التي تمنحها للإنسان
ينبغي أن نحيي أولئك الذين رحلوا وظلوا ماكثين
في قناديل الأزل .

11- لأن في الذهب علاءها

قنديل وجهها النعناع ونهدها المسترخي فوق رموشنا العليلة، هما سرير شجرة إيزيس المحَّملة بأعشاش اليمام. وعدها الذي من زئبق ، وأغنيتها التي من ملح وتنهدات . ما أجملهما وهما يجففان ويرّويان فراديس وبراكين العالم . قلت لها منذ سنوات: {سأنسى حبك هنا في أوروبا}، لكني نسيت أنها كل النساء. الآن اعتصمتُ بنارها واعتصمت معي الكلمة ومياهها المتدثرة بالأسرار الكبيرة . نسيم قبلتها المليئة بالصلوات المنحرفة مع الغفران المتجبّر لشواطئ أنفاسنا. يغطي عري السنوات المرتجفة في قيلولة القرون . في فجر ألمي الوثاب إلى مراكب جرحها ، وفي قيثارات دمعتي المتنهدة في يدها المسيجة بالأقمار . تحيا الطبيعة وتشرق في كل حين عبر حرارات عشقها المحروسة حراسة السنبلة في ليل الديمومة . البريق الفضي لأصوات عضوها الجنسي الذي تنيمه وتنعشه أشجار الغابات . ينادينا ليل نهار ، وتنادينا أوزة سرتها النحيلة ، وكوكب الشفة ورعشتها . شذرات عشقها الإلهية وقناديلها المهفهفة في سواقي حياتي ، وأنهار صمتها الذي من جحيم ، سيقربان حلم الإمساك بظلالها المزدوجة الأوفياء . لأن في الذهب علاءها .

22 / 6 / 2005 مالمو

12- أطال الربّ مرجان أيامكِ وقناديلها

يَسقطُ على وَجهي سيف غيابكِ ، ويفقدني صلاتي . يا ربِّ ابعد ملائكتكَ عنَّي لَعَّلي أصالح بذور شمسها والعلامات. آية موتي. التصادمات والتعارضات المتعددة لتمزقات ليلنا المرفرفة دائماً عبر الشواطئ اللانهائية لنيران عشقها المحركة للتاريخ . الآن أقفلتُ الأبواب وتنهدت رغبة الينابيع الأخيرة . تنهدت الاهتزازات وارتعادات الغسيل المشروطة بالتوبة ، للصخور التي تدحرجها البروق في الوديان . إحسان القرابين والتقدمات اللامتساوية يتحلل ويتحول إلى قرنفل مسّود بين الأنقاض . أطال الرب مرجان أيامكِ وقناديلها . أطال ظلال أيائلكِ التي تعاقب ظهيرة الجرح الوسنان بين المعسكرات العميقة لحجارة ليلي الكريمة . نامت الآن أنهارنا في غيابكِ ، نوم النحل في الهضاب كثيرة الكحل . لماضي عشقكِ ومستقبله فجر يتفيأ تحت نذور الحاضر .

23 / 6 / 2005 مالمو

13- أرض الشمس التي تفيض غبطة ومغفرة

بلاد وجهكِ العوسجي أنقى من خمر القيثارات ، وليل دمعتكِ المتخفية ما بين التناغمات اللامرئية لفيروز الآلهة المتعثرة بتضاداتها . شعاع السروة وخميرة البركان . أعيش في كهوف لا يقينكِ وتقودني ظلال عشقكِ في وتيرات وتعرجات صوب أحلامكِ التعاقدية المبعثرة في حدائق السنوات وتنسيقاتها المبهرة . في انعطافات أنهار ضوءكِ الوحشية من الوجود إلى الصيرورة ، يمتلئ الزمان ويحنو على الأبدية . فراشات صوتك المتنهدة طوال النهار ومعابد غيابكِ المسترخية في لألائها العذب عذوبة النمور البيض ، وشفة نهدكِ وشفافية إنشادها بين الحجارة وبين البساتين ، والنداءات الغريبة لصفائح أرض الشمس التي تفيض غبطة ومغفرة . أدراج موتكِ المتعرجة وباب قبركِ المنحدر صوب أنهار الفجر العريان . يدلان قبائل المرجان في اندحاراتها على طرقات الليل المصطفة والمتمايلة ما بين المدّ وما بين والجزر ، على الحريق والمرايا .

24 / 6 / 2005 مالمو

14- لا سلطان لكِ على صخرة تعفنات الإنسان

آدم الإغراءات ونسله الهائم تحت الاعصارات المتعددة للوجود . أكثر الكائنات شقاء في جحيم الأرض . شقاء في فجر السنبلة المجّرحة الظلال ، شقاء في ندى الأنهار وتغنجاتها ، شقاء في أخوة النار ونارجيلها المتمايل في صلاته على قبور الأيام . أين ديونيسيوس إلهنا الرحيم والمعذب الذي ناحت روحه ورفالوثبات، ؟ أعياد الإنسان في كل العصور متعرية من أشجارها ومن ضوء الوثبات ، ومطفأة كل قناديله المنحنية على الجبال السوداء . هل كانت تضرعاتنا لافروديت القبيحة وعطورها الصيّاحة وسط مجامر السنديان ، وهماً وهروباً من الثمرة المتعفنة للهاوية التي تنتظرنا دائماً ؟ في انكساراتنا وهدناتنا الشكوكية مع قرابيننا التي اخترعناها في متاهاتنا المضيِّعة والمتماثلة ، في التخمينات ، في الحركة والكثرة وفي عسل التحريمات . تغتسل أوراق مصائرنا عبر تعرجات الفصول ، وتبعثر نسائم حيواتنا شرارات الصيف في الغيمة الفقيرة ويماماتها التي تطير عميقاً في ليل الهاوية . يا مياه . لا سلطان لكِ على صخرة تعفنات الإنسان . الفراشة التي انجرح حلمها وهو حلم فكرتنا الوحيدة عن القطاف . محنتنا شديدة الوطأة . نحن ورثة آدم الإغراءات .

مالمو
29/6/2005

nasif_nasiry@hotmail.com


إقرأ إيضاً