عبدالرحمن عفيف

عبدالرحمن عفيفرأيتُ في اليقظة ملاكاً في الثلجِ جريحا ونائما
بستة عشرة سنة
نائماً
وأيضا رأيتُ لوحة فخاريّة
ويدان جميلتان تديرانها
في المنحدرِ

رأيتُ في السّفينة الشراعيّة
عينيكِ غامضتين
وفاتحتين في القريب والبعيد
والحشودُ كالريحِ على وزن الشّمعة
في يدك على الشّاطئ والجسر
ورأيتُ النّوم
على الأشرعة

يوتوبوري
يفرّ طائر بحري
بلكنة السويدية وحرف الفاء من شفتك البيضاء
على الرّيح
كأن لا مسكن لهما ولي
ولا أريدُ أبعد

كارين بوي قصيرة القامة في الاستقبال في المتحف
ضحكها انكليزي وسويدي
وشعرها مقصوص كالشِّعر
بمقص الحب المثلي.
تغني العواطف غامت
ونضحك
الرّيح..

في الصّيف البجعُ الأخضرُ
على البحر وأنا معهُ
ومعهُ على البحر
البحرُ ذاتُه والسفينةُ الشّراعية
والمقهى الأثري
بفتيات صغيرات وأمّهاتهنّ
أقولُ وأصمتُ
أصمتُ وأقول...

يوتوبوري
مظلة بيضاء مفروشة على نفسها
وطاقيّة للثلج
وشقراء الشتاء
عليها الرداءُ من اللامعروف
وربّما حنتورٌ ينقل العشّاق منتصفهم
في منتصفهم واقعين...
أشقر وأسود الشّعر واقعا من الخمرةِ في الشّارع
إلى جانبِ البحرِ
مصباح أبيض

أين المتحف المركزي
أين المحطّة للقطارات
أين الليلُ
يمضي ويأتي
أين النّهار أين النّهار الفضي والثلج
ونايُ الصّيفِ
وقبلةُ يوتوبوري ويوتوبوري
صيفيّة بشوارع

صحتُ
صحتُ وسكتّتُ
رأيتُ النرجسة معلّقة فوقي
ونمتُ
في رموشها طيلة الليلة من الشتاءِ والصيف
وعرفتُ

ثمّ نسيتُ وأتيتُ إليه
متكسّرا
كالشعراء وكارين بوي في
انتحارِ عينيّ
وقلتُ-
أفتحُ هذا الرمش الأبيض
متلعثما بأقوى نظرةٍ منها
على كارين بوي
ويوتوبوري

قالت - صمتُك أيضا أبيض
بجانبِ قدمي
بالسويديّة
أيّها الجبليُّ أيّها الجبلي احتفظ بشيطانك
لأحبّكَ
وأبقى على الصّورِ غير منتحرة
لك غير منتحرة
وقصيدة بدل الفخّار الحزين
في زجاج الدكاكين بغير دموع
...

قلتُ -
تعرفُها
إذنْ الابتسامةُ الشجريّة
في شفتها تودّك
بمقدارك وتعرفك في قميصك
وانظر
سوف قيثارةٌ تنضمّ في آخر النّهار
وقدماكما
على ضفةِ التلِّ
تعرفان جنسا من سابق
ومتعبان على التلّ الصخري
شفقان ونرجس أسود الحب
الحب الأبيض

مضت وانتصبت
في الانتظار
والطرق ولعبت بشعرها النظراتُ من التلال
وعيونها برقت و الأطفال المتزحلقين
على نصبها كأنّما أمّ المدينة قطراتُ دموعها على الأطفال شقراء
وشجرة تعرّت حبّا
وطار خرافيّ بينها وحرّك
جناحيه رمز الموت فانفرجت
وانزلقت في بعيد وقريب...

آه
يداك ناقوسان في فصح
هذا الصّباح أيّتها الشّاعرة
وتقولين بصمتكِ
- أطفالي، أطفالي،
وسفينة صغيرة تعبرُ القناة
فتضمين شفتيك
على غصن على تنّورتك
القصيرة في الفصحِ
والسنة..

آه
أغمضُ يديّ
وأحبُّ سويديّة
وأرمي سؤالاً بالانكليزية عابرا
والعابرُ يقولُ
إلى اليسارِ
من التمثالِ على الجسر
في الصّيف ثمّ المنحدر وانتبه - إنّه منحدر
عيناكَ عينا كارين بوي -
في الثلج ترى الفخّار الدائر
ترفع لها رأسكَ تبتسمُ من النافذة تحيّيها
فخّار يدورُ ويدانِ
يوتوبوري...

آه
مضاءٌ مضاءٌ حزنكِ
وكآبتُك تملأُ بأزهارِ الوديان الشارع
وينهمرُ ثلجُ السويد
يغمرُ رقبتك ببياضه
حيثُ لا قرية
ولا يطيرُ طائر قطّ
وتقولين- موتي!

في المقهى وأتمعّن
في الكاتدرائيّة على شعركِ
والجسرِ على تنّورتكِ
والشراع في نظرتك وأقول
- آه
أيّتها الكنيسة الصّغيرة الممزّقة
بآلام الأزهارِ
أيّها الشّراع الأزرقُ بالموت
وتأتين
كلُّ طائر بارد في عتمة أغصان الطريق
ينشدُ
كلُّ دودٍ من جسدِك المثيرِ سالفا
يعبرُ الشّوارع ويشربُ التراب
أنت شاعرة وتعرف
أنت شاعرة وتعرف
في أعمقِ صورة الشّعرِ
اضربي على دمك قلبك
أوّل طائر
أوّل طائرِ الانتحار

حبّي تركني
ومضى و دفاترُ اليوميّات
وما الذي ستقدّمه-
يوتوبوري المسكينة
كسرة الخبز في الفصح...
حبّي مضى
كالصّيف أخذتهُ الصّورُ
وبقيتُ
بالغصنِ
النحيلِ على سفينة على جناح نورس
ونورس
على شراع سفينة...

أمضي
المدينةُ على معطفي
ويداي في جيوبِي
العشّاقُ على الطّرقات
وكؤوس البيرةِ وشعورهم تنحدرُ على الأجراسِ
الشعراء
يتوقّفون على ممزّق من الذكريات والتماثيل
عن منفى يوتوبوري وعارفا
الثلجُ يغطّي المنحدر والبيوت
أيضا
وقلبك الشاعر يضيء في الدفترِ

ترامات يوتوبوري تميلُ سككهُا إلى الذي
لايُرى
ألمحُ آخرَ الصّباحِ
عارفا:
نرجسة على البحر يوتوبوري
أصفرٌ وأبيضٌ وأبيضٌ وأبيضٌ...

يوتوبوري: أجمل مدينة في العالم - مدينة سويديّة في الجنوب يقال لها أيضا غوتبورغ أو غوتنبورغ

‏01‏/01‏/06