عبدالرحمن عفيف
(العراق)

القسم الأوّل

الشهب

قصائد ديازيباميّة إنني أتألم بما فيه الكفاية
كي أضع نجمة على جرحي
وأنام...
أن أحطم هذه المرآة
وأجرح كامل جسدي.
إنني أتألم
والسماءُ كبيرة واسعة فسيحة
جميلة
ونسمات قليلة تهب على شعري
الشهب إذن صحيحة
إذن قادرة.

سأمرُّ اليومَ

سأمرُّ اليومَ أمام بيتكم
وأرى النوافذَ التي رأيتُها مراراً
وأرى الباب الذي دققتُهُ مراراً
وأرى الدكاكين التي رأيُتها مراراً
وأرى جيرانكم الذين يحبونني
ومن المؤكد لن أراكِ
لن أدقًّ البابَ
وبالتأكيد لن يُدقّ من تلقاء نفسه
لن أنظر من الشباك
وهل أنا طفل؟ نعم ولا
سأفعلُ شيئاً
سأرفعُ ذراعي اليمنى
سألوحُ ببساطة وأمضي
مَن يراني أفعلُ ذلك
سيختلقُ تفسيرات عديدة
ألستُ بارعاً؟
سأملأ ربما ساعات
من تفكيره.

قصائدي القديمة

قصائدي القديمة
قصائدي القديمة جداً
أضاعها أصدقاء استشهدوا الآن
في أي جبل ـ ماتواـ؟!
الموت ــ ماذا يعني الموت؟
لا وجود لشيء ـ لا يحسَ ـ فقط الأحياءُ يحسون
ويتألمون
وقصائدي أيضاً القديمة
تتألمُ لأنها أضاعت أصدقاءها القدماء
أولئك الذين استشهدوا في الجبال
آه ـ دموعي تلك ـ في ذلك اليوم
قالوا: بالغتَ. أضحكُ الآن
لقد بالغتُ حقّاً وأصدقائي أيضاً
بالغتُ في فقدانهم إلى هذا الحد
تصدّقون بالتأكيد، ومن أنتم هؤلاء الذين أخاطبهم
أحبّ النساء الجميلات، وهذا لا يخفى أبداً
أو هذا من حقّي.

المشطُ الأخضر

المشطُ الأخضرُ
مثل السهل الفسيح في الربيع الماضي
لقد كنتُ أمشي بدون وعي مني
والآن أيضا أمشي بدون وعي مني
هناك بيارات وأحجار ضخمة
هناك أفاعٍ..
كلا ـ ليس هناك أفاع
أقولُ... ربّما هناك أصدقاء ينادونني من هنا وهناك
يحبّونني بحق
آه.. لقد مللتُ التكّلم عن نفسي
دعوني قليلاً
سوف أستمعُ للريح
الكثيرُ الكثيرُ يلزمني.

إلهي

إلهي ـ ربّي ـ الذي في السماء
الذي في قلبي ـ الذي أنا في قلبه
خلقتني ـ نعم ـ وأبواي
والناس أيضاً خلقتهم
وأنا لستُ مثلهم
لا يعني هذا أن أكرههم
رغبتي أن أجد ربّاً أرأف منك
ربّاً يستطيعُ أن يتحمل بعضاً من أعبائي
إنني أتأكدُ أنك تحملُ الكثير منها
وإلا لكنتُ هلكتُ الآن
ولكن ـ ربّي ـ كلّمني أرجوك
كلّما أردتُ ذلك
أنا بحاجة.

مرّي خفيفة

مرّي خفيفة
أتركي مرآتك على الطاولة
أتركي كأسي الشراب
دعيني أحدّقُ في النّجوم التي سالت من الكراسي
ثمّ بعد ذلك
يلومني كثيرون
ينتقدني كثيرون
عيناك صامتتان في هذا المطر
أين أنا مخبأ فيهما
خبئيني أكثر في هذا
لقد أردتُ ذلك
أردتُ أن تنغرز أشواك عميقاً في قدميّ
أحبّك بهذه البداهة
أن أراكِ
فيك أحاولُ أن أخرج منك
وأضمّك
سوف تتساقطُ الكراسي، ونجومها
لن يلومني أحد بالتأكيد بعد ذلك.

أيّ صيف

أي صيف
وأنت فيّ
مرح قاتل، منار على الدرج
تختلفين عني
تشبهينني بالأوراق وهذا التردّد
لماذا تتكسّرُ ما يتكسّرُ كالماء
لماذا تهتزّ هذه الإقحوانةُ
تبدين أكثر شاعرية
أكثر خدراً
ليّنة مطواعة
ويداي ماذا أفعلُ بهما؟
في أيّ جانب، في أي وضعية أصفُهما لك؟

ينبغي أن

ينبغي أن أتحدّث عن الريح
والزهور، وأيضاً الماء
فهي يدي التي أكتبُ بها
ويدي التي تركتُها بيضاء في الحديقة
وعيني اللتين تحلمان
وقلبي الذي يدّعي هذا كلّهُ
الأزهارُ تحدثه عن الأشياء الجميلة
وهو لا يتحمّلُ كثيراً
يتساقطُ ويقومُ، ثمّ
إنّهُ قويّ حقاً
لقد احتمل جمالاً كثيراً
شكراً يا قلبي.

*****

القسمُ الثاني

يكفي

يكفي
يكفي
لن أستمع لهذه الثرثرات بعدُ
لقد مللتُ، جلوسكم في الزّوايا
مللتُ من نفسي، لماذا كلُّ هذا الكلام
أبي ينتظرُ أن أجلب لهُ ما طلبهُ منّي
وعيوني منذ أسبوعين لم ترَ فتاة جميلة
وفي الغرفة
المشط الذي أكرههُ جدّاً
و المرآةُ الأكرهُ منهُ
ولكن الفنانين الذين أوجدوا الموسيقى
اللّه ـ حقّاً ـ
أيُّ كلمة استحسان وإعجاب أقولُ فيكم
سأستمعُ إذن للموسيقى
وليغضب أبي.

أحبّكِ أم لا أحبّكِ

أحبّكِ أم لا أحبّكِ؟
لا أعرفُ، وبالتأكيد أعرفُ أني أحبّكِ
تحبينني أم لا تحبينني؟
بالتأكيد لا أعرفُ، وأعرفُ أيضاً
لا تريدين ترك المكان الذي أكونُ موجوداً فيه
ولا تحدّثين أحداً عنّي
وتجلسين في أغلب الأحيان صامتة
آه.. إنني أختنقُ ـ لا أفرحُ أبداً
الصّمتُ الشجرةُ الكثيفةُ
اللذّةُ الجنسيةُ التي لن تمنحيها لي
وهذا العلوُّ من البلادة
الذي يوميا أرتكبّهُ.

المراكبُ المصوّرة

المراكبُ المصوّرةُ على الحائط
إنّها جميلة، فوق إحداها قبعة صفراء
ليتها كانت لي
والبحر أيضاً، وهناك حانة في الأعلى
سنجلبُ نبيذاً خفيفا
ونتكلّمُ عن الفتيات العذراوات اللواتي ضاجعناهن
الليلة الفائتة،
ثمّ نمضي.

القنينتان الفارغتان والكرسون الذي سينقلهما
إلى موضع محدّد
هل من المهم التفكيرُ في ذلك؟
من المؤكّد كلا.
سنغني طويلاً
هل نعرفُ أن نغني؟
سنرقصُ طويلاً
هل نعرفُ أن نرقص؟
مع ذلك سنرقصُ
كي ننام بالقرب من البحر
والقوارب وخاصّة القبعة الصفراء تلك.

ينبغي أن يكون

ينبغي أن يكون هناك شيء آكلهُ
لقد تعبتُ من الكلام
وتكلّمتُ عن قصائد لم أكتبها بعدُ
عن أسفار لم أقم بأقلّ اجراء كي أقوم بها
مع ذلك أنا عازم أن أسافر
لوحدي طبعاً
لا أستطيعُ في هذه الفترة أن أصاحب أحداً
من المهم أن يكون معي ما لن أقوله لكم
ثلاثة أشياء هامة جدّاً
وإلا لن أستطيع السفر
هل هي أحجية
الأجملُ منها هو أن أُعدّ حقيبتي
ولأقُل أنها رصاصية
هكذا خطر ببالي...

ستفهونني بالتدريج

ستفهمونني بالتدريج
ولكن اقرأوا هذا الكتاب أوّلاً
اخرجوا في الساعة الثالثة ليلاً واصرخوا في الشوارع
اكسّروا أيّ زجاج أو أيّ شيء تصادفونه
كونوا أقوياء كما نصحكم نيتشه
وفي أية زاوية تختارونها
سيراكم حارس كهل
سيصفّرُ بقوّة بحيثُ
تسقطُ السماءُ على معدتكم الفارغة
بالتأكيد...

المساءُ يضحكُ

المساءُ يضحكُ كثيراً
مثلي ـ مثل المساء أضحكُ جّداً
تتساقطُ من فمنا النجومُ
فيركضُ الناسُ خوفاً
آهٍ.. إنّهم يخافون النّجوم
إذن لن نترك الضّحك
حتى الهستيريا
لعلّهُ من المستحسن أن يحمل الناسُ مظلاّت حديدية
كي تقيهم نجومنا الجميلة بحق.

لماذا لا يفهمُ الشعرُ

لماذا لا يفهمُ الشّعرُ هذا الشيء؟
لماذا الشّعر غبيّ إلى هذه الدرجة؟
الفتاةُ الجميلةُ ليس بمقدورها أن تأتي
بمفردها إلى غرفة الشاعر
الذي يحتاجُها جدّاً جدّاً
ناس، جيران، أهلها، الجميع

أوّاهٍ..
المشوار الطّويل في الأحياء البعيدة
الشجاعةُ أجملُ شيء على الإطلاق
خنجر مسموم قوي في البطن
وها الفراشاتُ والأزهارُ التي
كنّا نبحثُ عنها
دفعة واحدة.

كان لي صديق

كان لي صديق جميل
له شعر طويل
وسنه صغيرة، وكتب في كوخه أنني حقير
قلتُ لهُ بعد صمت:
ـ الحقراءُ هم الآخرون
لم يردّ علي، وكنتُ أريدُ ذلك
ذهبنا إلى الينابيع.
أصدقاؤنا الآخرون خلعوا ملابسهم وغطسوا في
المياه وتمدّدوا فيها
أنا وهو جلسنا بعيدين عنهم
كنتُ أحبّهُ جدّاً
وكلانا كا لا يتقنُ السباحة
غبر أنّهُ كان أصغر منّي
وكان شعرهُ أطول من شعري
فعلاً
كانت هناك نباتاتٌ وسنابلُ مذهلة بحق.

أشياءُ عديدة

أشياءُ عديدة أريدُ أن أقولها
فمنذُ مليون سنة لم أتكلّم
وذلك كما ترون صعب
وما سأقولُهُ سيكون من الصّعب عليكم أن تفهموه

لذلك
النّجومُ بعيدة وجميلة
وأمي حنونة
وهذا القلم جيّد
والصباح سيأتي بعد هذا الليل،
وأنتم ستتغيّرون نحو الأفضل
ـ هذا ما أشكُّ فيه ـ
شكوكي دائماً في مكانها
وأنتم أيضاً في مكانكم
كلوا مع آلامي التفّاحات،
اضحكوا مع هذه الأشعار
ودمي اسكبوه
لطّخوا كلّ شيء
يا لكم من فاسدين
تعساً.

مثلما في كلّ وداع

مثلما في كلّ وداع يا أمينة
سأبكي وأريدُ أن أموت على سريري.
مثلما في كل وداع
ولماذا أسمّيه وداعاً
مثلما في كلّ موت
هكذا يا صديقتي ــ يا صديقة طفولتي تتركينني
يُهزأُ بي ــ أنزفُ من أحشائي الدم
أفقدُ وجهي أمام الناس الذين أحتقرهم
هكذا وهذا أهمُّ شيء
منذ سنوات وكلّ يوم حين أعودُ إلى البيت
في أواخر الليل
أعلمُ أكيداً أنّك جميلةٌ جدّاً
جميلةٌ جدّاً.. ولست لي.

أُمّي

الّلهبُ المتصاعدُ من جناحي الطّائر
النّعاسُ والمللُ وأنتِ التي هذا الحوشُ كلّهُ
والنباتُ الأخرسُ والطّاولات الخشبيةُ المهترئةُ قليلاً
شتلتُك في النّافذة

لا تنامُ
الأقمارُ تحت مخداتك الملوّنة
القططُ التي تعبثُ بالّليل إلى هذا الحدّ
لو بكيتُ أمام عيونك الجميلة
لو صممّتُ أن أكون أبعد عنك
وفاقداً شخصيّتي بدونكِ.

أمّي
لعلّي سأنامُ الليلة أيضاً
تحت شراشف النّجوم
هكذا معزولاً
تحت هذا السّطح الإسمنتي المغبّر

كُتبت هذا القصائد في فترة قصيرة جداً تحت تأثير حبوب الديازيبام المخدّرة، في فصل جنون، صيف 1995 في عامودا.