راسم المدهون

كأنني

كأنني أؤلف وطنا من اللاشيء والغبار
هكذا أريده من اللاشيء والغبار
لكي لا يكون قابلا للقسمة
ولا يكون قابلا للنزف على قارعة مذبحة
أو في زقاق حرب بين طائشين، يقتتلان على لون السماء
كأنني أؤلف منزلا دون سقف
دون جدران
هكذا أريده كي يظل ساحة للسهر والنقاشات الفارغة
تلك التي لا تدر على مشعليها احتقان العيون
وحرق المزيد من السجائر
والشجارات الصغيرة
والنوم في ساعة متأخرة بلا عشاء
كأنني أؤلف وطنا لم يفكر بعد في ألوان علمه
ولا كلمات نشيده الوطني
هكذا أريده عاريا من أسباب الحروب المقبلة
الواضحة كالمذابح
أو المضمرة في اختلافات المذاهب
ونحيب الأيديولوجيات الذابلة
إذ تتشبث بتلابيب الفقراء
كي يرفعوها بحزنهم
وعثراتهم إلى سدّة الحكم
لعلّها تقدر من هناك
أن توزع صكوك الغفران على الجياع الذابلين
وتمنحهم بركة الإغتسال من آثام لم يرتكبوها
كأنني أؤلف وطنا من الغجر واللامنتمين
من السكارى وفاقدي الأهلية الوطنية
كي يذهبوا قبل طلوع الشمس
إلى الحانات التي لفظتهم ليلة البارحة
ويعلنوا في جذل المنتصرين
جمهورية البكاء على كل شيء

جمهورية إفلاطون العرب

ليتهم يرفعون أحلامهم إلى سدة النظر
كي يراها العمي
ويسمعها الصم
ويخشخش لها المفلسون دنانير خيالاتهم
ولا بأس إن دعوا أفلاطون ذاته
إلى خيمة طعامهم المالح
وفاكهتهم اليابسة
ليتهم يكتبون في راحات أكفهم أمنيات حياتهم
ويمسدون بتلك الراحات المتشققة من البرد
لحية فيلسون الحلم
كي يستيقظ من خيالاته
ويتعلم من جديد
لغة العالم المثقلة بالمفردات الصعبة
والمعاني المراوغة

بلاغة البكاء

يشبه البكاء في اشتعاله الضحك
يشبهه في الدمع
كما في ارتعاشة الشفاه
يشبه الضحك في انفجاره البكاء
لأنه البكاء حين ينقلب على ظهره
ويبدأ الطريق من الجهة المعاكسة

وردة الرماد

أي شرارة تلك التي سوف تسلم نفسها للريح
كي تقذفها بقوة الى بيادر الحصادين؟
أي وردة ينبغي أن تجلس القرفصاء
في جنازة الذهول؟
أي أرق يفتتح الليلة الحالمة
كي تكون ليلة الحيرة؟
ثمة من يطلق سيل الأسئلة
وينسل منسحبا من سرير الكلام
وعلى كفيه دماء النية الطيبة

واو زائدة

كلما يمم وجهه في اتجاه الخطيئة
ثمة واو من فائض الليالي المذروفة
تطل برأسها من كثبان الخيبة
منتشية بالفراغ والعدم
واو تشبه موعظة يطلقها حكيم الخسارات
في وجه ناسك الخديعة
فيضحكان معا
مثل لص
وزبونه الذي يساوم كل مرة
كي يشتري المسروقات بأبخس الأثمان
وبسرية تامة

جليل حيدر

هو الذي تظل صورته هناك
مرسومة على خيوط شمسه الساطعة
ونخيله المثقل بالقطوف
كيف يزرع نخلة روحه اليوم
في كثبان الجليد،
ولا تقطر قطوفها بحبات البكاء؟

موسيقى سرية
إلى سليم بركات

مثل جمرة الذاكرة
لا تضيء وهجها في عيون العابرين
مثل حصان المخيلة
لا تلمحه عين في جموحه نحو الامنيات البعيدة
مثل خارطة لكوكب لم يأخذ مكانه بعد
في مجرة الهباء
هكذا تحتفل روحه بزنبق الكلام
إذ يشد العالم من ياقته المنشّاة
كي يرى مشهد العاثرين
قبل أن تسقط شفرة الجلاد
على رقابهم

23 آب 27