مشكلة الكتابة العربية في ضمور

حاوره: حسن عبدالموجود
(القاهرة)

قاسم حداد

'لا أحاول أن أكون سياسيا'!
يؤمن قاسم حداد بأهمية أن يكون للمبدع دور اجتماعي ولكنه ينفي أنه يحاول بهذا الدور اقتراح خطاب على الواقع السياسي. تعرض لتجربة اعتقال مريرة. ولكنه مع ذلك أيضا لا يرى مشكلة في التعامل مع المؤسسات الرسمية، 'بشرط أن تكون هناك مساحة تبعدني عن آلتها الحادة فهي لا ترى في أي شخص إلا مجرد تابع أو موظف بها'.. باختصار: 'أتعامل مع المؤسسة بشروطي'!

وينفي أيضا أن يكون هذا الدور الاجتماعي هو الذي دفعه إلى العمل بالصحافة بل عمله بالصحافة أساسا: 'أحاول أن أفصل بين كتاباتي الشعرية بكتابة المقال.. وحينما أشعر بأن إيقاع كتابة المقال سيأسرني أتوقف فورا..!

هكذا وضع حداد لنفسه أطرا صارمة، جعلته من أكثر الشعراء إنتاجا، أصدر ما يزيد على الخمسة عشر ديوانا أبرزها 'عزلة الملكات'، 'أخبار مجنون ليلي'، 'نقد لأمل'، 'النهروان'، 'شظايا'، 'قلب الحب'، 'خروج رأس الحسين'، 'من المدن الخائنة'، و'الدم الثاني' بالإضافة الى كتاب نثر 'ليس بهذا الشكل ولا بشكل آخر' وتجارب مشتركة مع آخرين أبرزها 'الجواشن' مع أمين صالح و'المستحيل الأزرق' مع صالح العزاز.. الحوار مع حداد الشاعر كان محاولة لفهم منطلقاته في الكتابة من خلال فهم حداد الإنسان!

* سألته: بعد مرور كل هذه الأعوام على صدور أعمالك المشتركة مع آخرين.. كيف ترصد هذه التجربة؟

فتح لي العمل المشترك آفاقا هامة وكبيرة للتجربة، آفاقا نوعية لأنه حقق جانبا من الحوار الإبداعي بين التجارب المختلفة، جعل فكرة تقاطع الفنون مدخلا لتحقيق أو لحضور العمل البصري على وجه الخصوص، وعلى هذا جاءت أعمالي مع فنانين تشكيليين أو مصورين.

أريد أن أشير إلى أن عشقي المبكر للفنون هو الذي جعل ثمة سهولة في تقبلي لفكرة العمل المشترك على النحو السابق، لأنني أردت أن أوجد مساحة للحاسة البصرية، وهي الحاسة التي تكاد تكون مغيبة أو مسكوتا عنها أو مهملة أو ضامرة في الثقافة العربية..
وعلى كثرة تجارب الأعمال المشتركة حاولت التنويع بحيث لا تتكرر تجربة منها مع التجربة التي سبقتها، كل عمل تميز بشروط مختلفة وآليات مختلفة ربما أيضا بسبب اختلاف الفنان.. نص 'الجواشن' كان من كاتب روائي هو أمين صالح، ونص 'الأزرق المستحيل' كان مع المصور الفوتغرافي صالح العزاز، أما ديوان 'أخبار مجنون ليلي' فقد كان مع فنان تشكيلي كبير هو ضياء العزاوي..
أريد أن أقول بناء على ما سبق أن تجارب من هذا النوع قد فتحت لي آفاقا جديدة وما تزال، ولدي تجارب شبيهة قيد الحلم والإنجاز..
ولحسن الحظ استهوت هذه التجارب كثيرين، وقد بدأوا يحققون تجارب جميلة جدا في هذا المجال، والمؤكد في النهاية أن أي كاتب سيقدم على الكتابة المشتركة فلابد أنه يشعر بأن هذه الفكرة ستضيف اليه والى جماليات تعبيره ومعرفته الفنية!

* هناك كتابات تتهم بالذهنية.. فما بالك بكتابة مشتركة يتم التخطيط لها.. ورسم أبعادها.. ومن يبدأ ومن يكمل.. ألم يدر هذا ببالك وأنت تقدم على هذه التجربة؟

! هناك اختلاف واضح بين التجربة والأخرى، على الأقل لاختلاف الآخرين، مشاركتك مع روائي تختلف عن مشاركتك لفنان تشكيلي.
وعلى هذا سأقصر الإجابة على تجربتي مع أمين صالح في نص 'الجواشن' وأعتقد أنه المقصود من السؤال (!).
أمين صالح صديق عمر نحن متصلان ومنسجمان في الرؤى والتجارب والحساسية الفنية، وتجربة الكتابة المشتركة بيننا لم تولد عبر نقاشات ذهنية، لكنها ولدت بشكل عفوي جدا.. فكرة الكتابة أيضا لم تكن متتابعة أو متسلسلة أو منطقية، كنا نكتب بشكل غير منظم، أنا أكتب جزءا فيأخذه ويبدأ، ربما من حيث أنتهي، وأحيانا يكتب هو ثم يعطيني فأقرا وقد أبدأ من منتصف ما كتب، المهم انه أثار مخيلتي.. الأمر الآخر أننا كنا كثيرا ما نستبدل الأدوار، أكتب سردا ويكتب هو شعرا مع المعرفة بأن أمين روائي وأنا شاعر..
لم نتشبث بأسلوبنا الخاص، لم يكن يعنيني ان أكتب بلغتي الشخصية ولا هو أيضا، كنا نبحث ونتحقق في أسلوب ثالث، النص هو الذي كشف لنا ذلك بعد انتهائه.. والغريب أن هناك أجزاء كثيرة لم نستطع بعد صدور العمل أن نحدد من كتبها فينا؟! وهذا يعني أننا لم نكن أنانيين حيث لم يحاول أحدنا تغليب أسلوبه على الآخر.. كنا نستسلم لاندفاعات العاطفة والصور والمخيلة، ولم نخطط أبدا للفصول والجمل والمقاطع، إذن كان الكتاب في النهاية يمثل محاولة لخلق صور فنية وشعرية في تجربة فريدة!

* من الواضح أنك تؤكدإيمانك الدائم بأهمية تغليب العاطفة على سلطة العقل؟

! أشعر أن الأدب وليد العواطف وليس العقل، وليد الصور التي تتفجر في الأعماق حيث يكون الشخص هناك أكثر صدقا، بهذا المعني أؤكد دائما على أنه كلما استطاع الكاتب أن يتفادى حضور الذهن المتحكم وقت الكتابة استطاع أن يحقق نفسه أكثر، لأن الذهن هو شكل من أشكال السلطة التي تراقب العاطفة وتراقب المشاعر واندفاعات المخيلة، لكن متي يأتي دور الذهن؟! يأتي عندما ننتهي من عملية الكتابة، حينما نقوم 'بالتبييض' أو بتشذيب النص، حينما نحاول تصحيح الأخطاء الطباعية الإملائية أو النحوية.. هنا يكون حضور الذهن طبيعيا ولا يكون دوره حاكما.. ولهذا فإن التجارب المشتركة ليست سهلة على الإطلاق ويمكن اتهامها بأنها مفتعلة إذا تم التخطيط لها بشكل منطقي.. فالقاريء سيشعر على الفور بأنه يفتقد للمتعة وأقول هنا إن أي نص أدبي وفني إذا لم يحقق لك أنت شخصيا متعة شخصية أثناء كتابتك له فثق تماما انه لن يفعل ذلك مع القراء!

* لكن العاطفة تعطي إحساسا بعد الانتهاء من قراءة أعمالك بسيطرة 'النفس' الواحد عليها، حيث هناك نوع من التدوير الدائم الذي يعطي بدوره إحساسا بالاتصال، والتقنيات الواحدة، والموتيفات المتكررة!

وجود العاطفة في النص لايجبرها ولايقيدها أو يمنعها من أن تبحث عن أشكال تعبيرية مختلفة بحيث تتفادي أن تكرر نفسها شكليا.. وأظن أنك ستصادف في كتبي ­غالبا­ عشرات الأشكال التعبيرية، كل كتاب يكاد يكون مختلفا عن السابق واللاحق.. ولذلك لست قلقا علي هذه الناحية لأنني لا أطيق تكرار الأسلوب في نصين متتاليين.. يعني من المستحيل أن تري ديوان 'قلب الحب' متكررا في ديوان 'عزلة الملكات' وأيضا 'أخبار مجنون ليلي' لاعلاقة له ب'قبر قاسم' لكن من المحتمل أن تصادف اندفاعات العاطفة، إلي أي حد استطاع هذا أن يحقق قدرا من النجاح أو الفشل.. فهذا أمر آخر.
أريد أن أؤكد ­ارتباطا بما نتحدث عنه­ علي أن مشكلة الكتابة العربية أنها تعاني من ضمور وغياب العاطفة، هذه العاطفة هي المسئولة عن شعور كثيرين قالوا لي إن كل كتاب يوحي بأنه مكتوب من شخص آخر لفرط الاختلاف النوعي في الأسلوب بين كل هذه الكتب!

* لكن العاطفة تعطي إحساسا بعد الانتهاء من قراءة أعمالك بسيطرة 'النفس' الواحد عليها، حيث هناك نوع من التدوير الدائم الذي يعطي بدوره احساسا بالاتصال، والتقنيات الواحدة، والموتيفات المتكررة!

­ وجود العاطفة في النص لايجبرها ولايقيدها أو يمنعها من أن تبحث عن أشكال تعبيرية مختلفة بحيث تتفادي أن تكرر نفسها شكليا.. وأظن أنك ستصادف في كتبي ­غالبا­ عشرات الأشكال التعبيرية، كل كتاب يكاد يكون مختلفا عن السابق واللاحق.. ولذلك لست قلقا علي هذه الناحية لأنني لا أطيق تكرار الأسلوب في نصين متتاليين.. يعني من المستحيل أن تري ديوان 'قلب الحب' متكررا في ديوان 'عزلة الملكات' وأيضا 'أخبار مجنون ليلي' لاعلاقة له ب'قبر قاسم' لكن من المحتمل أن تصادف اندفاعات العاطفة، إلي أي حد استطاع هذا أن يحقق قدرا من النجاح أو الفشل.. فهذا أمر آخر.
أريد أن أؤكد ­ارتباطا بما نتحدث عنه­ علي أن مشكلة الكتابة العربية أنها تعاني من ضمور وغياب العاطفة، هذه العاطفة هي المسئولة عن شعور كثيرين قالوا لي إن كل كتاب يوحي بأنه مكتوب من شخص آخر لفرط الاختلاف النوعي في الأسلوب بين كل هذه الكتب!

* هناك تكرار دائم لكلمة المجنون داخل دواوينك.. هل يمكن اعتبار هذه الكلمة أيقونتك الشعرية؟!

­ هذه قراءة خاصة علي ما أظن، أحترمها ولكنني لا أميل إليها، ولكن يمكن القول أن الشعر هو نوع من الجنون عموما!

بعد انتهائي من قراءة ديوانك 'أخبار مجنون ليلي' ربطت بينه وبين أشعار العذريين حيث هناك اشتراك في قاموس واحد، علو العاطفة والرومانتيكية، وأيضا علو الغنائية! ­ تجربة المجنون كانت مختلفة علي أكثر من صعيد، أولا علي صعيد التراث حيث لم يكن يعنيني علي الإطلاق نص الرواة الأصليين كمصدر للحكاية، كنت معنيا بابتكار رواة معاصرين هم الأسماء التي اقترحتها داخل الديوان، أسماء أغلبها من الأشخاص الذين تربطني بهم صلات حميمة، لقد أنطقتهم بأخبار جديدة عن الحب، لم تكن تعنيني قصة ليلي والمجنون، إنما قصة الشاعر المعاصر، تجربته في العشق والحب، كنت أعيد صياغة مفهوم العشق والحب من وجهة نظري، وأساسا لم أكن خاضعا لمفهوم العذرية رغم أن الرابط بين رؤيتي وقصة المجنون عذري، فقد حاولت أن أوضح أن العشق هو نوع من الاتصال الكامل، العاطفي والجسدي، لابد أن يكون الشاعر الذي يكتب عن الحب قد اتصل بالفعل وجرٌب الحب بالمفهوم الجسدي..
علي هذا النحو أعتبر أن جنون العشق هو جنون فسيولوجي وفيزيائي..
التجربة أيضا مختلفة علي صعيد الأسلوب فقد كنت معنيا باكتشاف خبرة وجماليات اللغة العربية، ولهذا استخدمت أسلوبا لغويا وجماليا كلاسيكيا، ولكن حرصت علي أن يكون هذا الأسلوب مسكونا برؤية وحساسية جديدة ومعاصرة الأمر الذي جعل هناك تزاوجا بين البلاغيات التقليدية والخبرة اللغوية الحديثة!

* هل تتفق مع من يقول أن شعرك وثيق الصلة بالتراث الأدونيسي؟!

­التراث الأدونيسي عام وليس خاصا، التجربة حاضرة في الثقافة العربية، إذا استطاع الشاعر أن يحاورها ويستفيد منها فهذا شيء مهم!

* الذين يؤكدون ما سبق يشيرون أيضا إلي أنكم أغرقتم في المجاز وابتعدتم بالشعر عن الجمهور؟!

­ هذا الانطباع مجرد فرقعة صحفية أكثر منه حقيقة شعرية وأدبية في الحياة الثقافية، وهو انطباع تكرٌس بشكل غير منطقي، والمؤكد أن هناك أسبابا غير شعرية أو أدبية ساهمت في تكريس هذا الحكم، ونحن معنيون بمراجعة ما تم تكريسه من أحكام طوال السبعينات والثمانينات لأنها أحكام لم تصدر بناء علي قراءة تجارب محددة، لكنها كانت أحكاما عامة لاسند لها!

* ألا تري أن المجاز استنفد أغراضه؟!

­كيف يمكن الكلام عن أحد أهم أشكال التعبير الشعري والأدبي علي أساس أنه استنفد أغراضه.. أو لم يعد صالحا؟!
المجاز أداة فنية تعبيرية صالحة في كل العصور وقابلة للاجتهاد المتكرر والدائم، المجاز مثله مثل الأشكال التعبيرية الأخري صعب الكلام عنه باعتباره لايصلح لأن المهم هو قدرة الشاعر علي استخدام هذه الأشكال!

* ألم تشعر أن معظم أعمالك وثيقة الصلة بالتراث؟!

­ لايحدث هذا بشكل واعي، لكن الكاتب العربي ابن تراثه بالدرجة الأولي ولابد أن يحدث هذا الارتباط بينه وبين تراثه بشكل عفوي أو غير مقصود، وأظن أن هذا ينطبق علي، فستلاحظ ان التراث يحضر بدرجات متفاوتة في دواويني، ومن المؤكد أن طبيعة التجربة هي التي تقترح مكوناتها وعناصرها، أي أنها هي التي تستدعي هذا التراث وليس الذهنية الحاضرة، ومن الصعب أن تصبح الموتيفات أو التفاصيل التاريخية أو درجة حضور التراث حكم قيمة علي نجاح أوفشل التجربة!

* وما السبب في التباين الشديد في أعمالك؟! بمعني أن كل ديوان يختلف تماما عن سابقه أو لاحقه؟!

­هذا ليس ناتجا لقرار، إنما لطبيعة الشخصية التي تسأم أن تعيد نفسها في كل مرة، وثانيا أنا من النوع الذي لا يتذكر شعره أو شعر غيره، لا أحفظ ولا أتذكر، النسيان يشكل واحدا من أهم عوامل الكتابة عندي (!!) وأعتبره ميزة كبيرة تحميني مما أكتب وأنجز، بحيث أكون بمنجاة من الذاكرة، بمعني أن لغتي التي أنجزتها ­أو قل تجاربي عموما­ لا تكون حاضرة وقت العمل علي إنجاز شيء جديد.. أبدأ الكتابة كأنني أفعل ذلك للمرة الأولي، لكن هناك قطعا خبرات تختص بعالم اللغة تكون مستقرة في اللاوعي وجزءا دفيئا في ثقافتي الخاصة تعمل عملها أيضا أثناء عملية الكتابة..
لابد أن أشعر بشيء جديد، لابد أن أكتب شيئا جديدا، ما المبرر أن أكتب نصا يستعيد النصوص السابقة؟! إنني لا أجد حتي مجرد متعة ذاتية إذا كنت سأكتب النص نفسه ومن يفعلون ذلك يثيرون دهشتي في الحقيقة!

* أما زلت تري أن الشاعر لابد أن يكون له همٌ سياسي واجتماعي؟!

­هذه هي طبيعة الحياة، المبدع جزء من المجتمع والهم العام والكون وبالتالي عليه أن يجابه ما يطرأ في مجتمعه، يتحاور معه، ومع همومه، كل لحظة إنسانية تمر عبارة عن شبكة من الهواجس والعلاقات الصغيرة والهموم الجماعية ولهذا فإن أي نص لايمكن أن يخلو علي الإطلاق من هذه الهواجس، وأي كلام آخر في هذا الشأن سيكون غريبا!

* لكن البعض يؤكدون أنهم يكتبون من أجل الكتابة.. وحتي بعيدا عن هذا يرون أنه ليس مفروضا عليهم أن يكون لهم هذا الدور؟!

­لا أفهم معني أن تقول كتابة من أجل الكتابة، لايستطيع الإنسان أن يحقق بالفعل قطيعة مع الحياة مهما بالغ في الذاتية، حتي أن حالة العزلة هي واحدة من المشاكل الاجتماعية، أي أنها مرتبطة بالمجتمع، لابد أن هناك أسبابا دفعته ­ المبدع ­ للتعبير عن القطيعة، ولكنني أقول للتعبير، أي أنه سيتناول مشكلة اجتماعية وهنا أيضا لا مجال للحديث عن فكرة الفن للفن. لماذا يحاول البعض أن يتوهم عزلة بينه وبين المجتمع؟! هذا نوع من المغالاة لا أكثر. باختصار: لايوجد شيء اسمه كتابة من أجل الكتابة أو فن للفن!

* إحساسك أو إيمانك بهذا الدور هو الذي دفعك إلي العمل بالصحافة؟

­ الكتابة بأشكال مختلفة صادرة من طبيعة الدور الكوني الذي يجب أن يشعر الفرد بأنه جزء منه، الأشياء لا تأتي عبر تخطيط مسبق، كوني رأست تحرير مجلة 'كلمات' ­ مثلا ­ هو كوني جزءا من زخم الحركة الأدبية في المنطقة، أن أكتب مقالا أسبوعيا هذا أيضا ممارسة لنوع من الحوار مع تجارب الآخرين، نوع من محاولة الكشف عن آفاق تسهم في إغناء التجربة الذاتية علي الأقل، وهذه الأشياء لاتصدر بدوافع سياسية وليست محاولة لاقتراح خطاب علي الواقع السياسي ولكنها ممارسة حرة طوال الوقت، حتي أنني لا أكتب المقال تحت الشرط الصحافي، وإنما تحت الشرط الأدبي، وهو الشرط الذي لايكون خاضعا بالضرورة لشرط الجريدة التي أكتب بها!

* ألم تشعر أن الصحافة عطلتك عن العمل الإبداعي؟!

­ لم أعمل في الصحافة بشكل وظيفي، فقط أكتب المقال بمعزل عن النشاط الصحفي، لم أشعر بقلق من هذا النوع، أنا حر كثيرا فيما أكتب وآخذ فترة توقف كل حين حتي أبتعد تماما عن فكرة كتابة المقال بنوع من الإيقاع المستمر!

* لماذا اتجهت إلي كتابة النثر؟!

لم أتجه إلي الكتابة بالأشكال الحرة أو إلي كتابة النثر بوصفه الشكل الأفضل أو الأهم أو كما يسميه البعض الشكل الوحيد لمستقبل الشعر العربي، أكتب بحرية وبالشكل الذي يناسبني، أشعر بأن جماليات الكتابة هي التي تفرض عليٌ الشكل، العاطفة هي التي تمليه عليٌ ولاشيء آخر!

* تعرضت لتجربة اعتقال وتعتبر واحدا من المثقفين المستقلين ورغم هذا يبدو تعاملك مع المؤسسات الثقافية العربية الرسمية عاديا وطبيعيا؟!

­ في الحياة تتفاوت تجربة الشخص عن آخر، وأقصد تحديدا في العلاقة بالمؤسسات الرسمية أن أحتفظ بمسافة خاصة تبعدني عنها،مسافة أتحصن بها وتحميني من سلطة هذه المؤسسات حتي ولو كانت مؤسسات أحزاب سياسية، بدونها أكون عرضة لعطب ومعارك في غني عنها، المؤسسات تريد أن تحد من حرية المبدع في عمله الإبداعي، هذا ما أكدته لي التجربة الشخصية، أصبح من الطبيعي أن أومن بفكرة الابتعاد عنها قدر الممكن، وفي حالة التعامل معها ينبغي أن أضع شروطي أنا لا شروطها، لأنها لاتكترث في الأغلب الأعم بالشخص المبدع خصوصا لأنها تتبني مبدأ وهميا أو بالأدق تقوم علي وهم أن الشخص عموما ينبغي أن يكون تابعا أو موظفا أو جزءا من آلة وخاضعا لبرنامجها ومعجبا ومباهيا بها وهذه مسألة نقيضة لدور المبدع.. لأن هذا الدور­ وليس هناك ما يدعو للعجب­ هو نقد الواقع والمؤسسة!

* وكيف تري أحوال المؤسسات الثقافية العربية الآن؟!

­لا أميل إلي إطلاق الأحكام.. لكنها في أسوأ مراحلها علي الإطلاق، وعلاقتها بالمثقف أيضا في أسوأ حالاتها وأعتقد أن هذا أمر طبيعي في التاريخ الإنساني بالمنطقة، حيث لاتري منذ نشأتها ضرورة في الإبداع لأن يكون به سؤال نقدي.
الموقف المؤسسي يتضاعف صلافة ضد المبدع والمثقف العربي عموما خاصة كلما أكد تشبثه بالدور النقدي والنقضي­ أيضا­ لسلطة المؤسسة!

* حصلت علي جائزتين الأولي جائزة المنتدي الثقافي اللبناني بباريس عام 2000 والثانية جائزة العويس بعدها بعام.. كيف تنظر إلي فكرة الجوائز العربية؟! وما مدي اتساقها مع القيمة؟!

الجوائز متفاوتة المعني والدلالة لكنها علي الصعيد الرمزي تمثل تقدير جهة من الجهات أو رؤية من الرؤي الثقافية وأحيانا الاجتماعية لتجربة معينة، والجوائز أيضا مكون من مكونات العمل الثقافي العام، ومن المؤكد أنها تشكل تقديرا يحتاجه المبدع ليس علي المستوي الشخصي ولكن علي مستوي المنجز العام.. بمعني أن يحصل شاعر مثلي علي جائزة العويس فهذا يمثل تكريما لكل التجربة الشعرية الجديدة ووضعا لها في سياقها الطبيعي، في مركز الفهم الموضوعي لظاهرة تجديد الشعر بالمشهد العربي!

* لمن تحب أن تقرأ شعرا الآن؟!

­أشعر أنني سأكون ظالما لنفسي ومحبتي للشعراء الذين أحبهم وأحب قصائدهم بذكر أي اسم منهم أعتقد أنه نوع من المبالغة غير المستحبة أن أفضل شاعراّ علي آخر، هناك تجارب حميمة ومن أجيال مختلفة تشكل مصدر متعة حقيقية لي وصعب أن أحدد أسماء كما ذكرت!

* هل تشعر أن هناك أزمة يواجهها الشعر العربي الآن كما يؤكد كثيرون؟!

­هذه أيضا من الفرقعات الصحفية، ولايمكن أن تكون حقيقة واقعة ومطلقة، كأننا رهن موجات عابرة، ولا أظن أن هناك أزمة إلا إذا آمنا بأن ما يطلق في مختلف الصحف هو الحكم النقدي المتبقي والوحيد!

* وما رأيك في التجارب الشعرية الجديدة؟!

­أزعم أنني أتابع جيدا المشهد الشعري الجديد، يجب أن نتميز بأمرين هامين ونحن نري هذا المشهد الشاسع من التجارب، أن نحسن الإصغاء للأعمال الجديدة وألا نخضع للأحكام العامة التي تكرس سلبيا لها وتصفها بأنها تجارب فاشلة وقاصرة، وأن نتحلي برحابة الصدر بحيث نتقبل فكرة تنوع الاجتهادات التعبيرية لكي لا نقف عند ذائقة تعبيرية واحدة غالبا موروثة، مستقرة، مكرس لها، ينبغي أن نجعلها شرفة لقراءة التجارب الجديدة، هذا أمر علي الأقل متصل ب'مزاعمنا' عن الديمقراطية ، مثلما كنا نطالب الأجيال التي سبقتنا بتقبل التجديد الذي نجريه في القصيدة العربية!

* أخيرا.. لماذا أنشأت موقع 'جهة الشعر' علي الإنترنت؟!

­ الموقع الذي أسسته في عام 1996 علي شبكة الإنترنت يعني بوضع الشعر العربي باللغة العربية وبالترجمات المختلفة، أصبح هذا الموقع مفتوحا للشعر الأجنبي أيضا، الموقع يضم أيضا ملفات كاملة تحوي دراسات ونصوصا وحوارات وشهادات مع وعن الأدباء العرب، أصبح الموقع مرجعا رئيسياّ لمراكز الدراسات المختلفة في الجامعات الأجنبية خصوصا فيما يتعلق بالنصوص المترجمة، وأرجو ذكر عنوانه لمن يريد موافاتنا وهو www.jehat.com.


إقرأ أيضاً:-