فتح الرحمن يوسف

سعدية مفرحولمفرح عدد من الدواوين الشعرية، والإصدارات بينها كتابها الأخير «سين.. نحو سيرة ذاتية ناقصة» من إصدارات الدار العربية للعلوم ناشرون، ومجموعات شعرية، منها «آخر الحالمين كان» عام 1990، وديوانها «تغيب فأسرج خيل ظنوني» 1994، وديوان «كتاب الآثام»، وديوان «مجرد مرآة مستلقية»، وديوان آخر بعنوان: «تواضعت أحلامي كثيرا»، بالإضافة لديوان: «ليل مشغول بالفتنة»، كما صدرت لها المجموعة الشعرية «مشية الإوزة».
«الشرق الأوسط» التقت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح في العاصمة السعودية الرياض، وكان معها هذا الحوار عن القضايا الاجتماعية والشعرية التي تشغل جيلها، والمشهد الشعري والنقدي في الكويت والخليج، إضافة إلى تجربتها الشعرية.

* كنت قد وصفت نفسك بأنك من الجيل الذي جاء بعد القضايا الكبرى.. ماذا تعنين بذلك؟

- لكل جيل من الأجيال السابقة واللاحقة قضايا كبرى، وأنا لست من أولئك الذين يعتقدون أن القضايا الكبرى تنتج أدبا كبيرا، حيث إن كثيرا من شعراء الجيل السابق كانوا يعتقدون أنهم بمجرد قيامهم بتبني (عبر الشعر والرواية) قضية كبرى كقضية فلسطين مثلا، أو أي قضية من القضايا التي تمس الأمة، فإنهم بذلك ينتجون أشعارا كبيرة أو رواية أو قصة كبيرة، لكنه برأيي غير صحيح.. والصحيح أنه بالإمكان من خلال قصائد بسيطة جدا إنتاج أدب كبير، والعكس بالعكس صحيح أنه في بعض الأحيان قد يكون هناك من يتناول قضية كبيرة ولكن بأدوات محدودة وبموهبة غير حقيقية، تنتهي بتشويه تلك القضية.

* وماذا عن جيلك أنت؟

- جيلي أنا ألتفت إلى داخله أكثر من غيره وأصبح يرى تلك القضايا الكبرى من منظوره الذاتي، وبالتالي هذا قلل من حجم الافتعال المزيف في الشعر.

* بمناسبة الحديث عن الذات.. هل يمكن القول إن ديوانك الذي حمل عنوان «مجرد مرآة مستلقية».. هل كان حوارا مع ذاتك؟

- أنا أعتبر هذا الديوان بمثابة بداياتي الحقيقية، التي خلقت نقلة في مسيرتي الشعرية، إذ كان ما أكتبه من أشعار قبل هذا الديوان يحمل الكثير من الافتعال والتصنع؛ ففي هذا الديوان تحديدا، بدأت ألتفت إلى ذاتي، وليس مصادفة أنني بدأت مرحلة كتابة قصيدة النثر من خلال هذا الديوان، لأنني وجدت هذا الصنف من الإنتاج الشعري أكثر صدقا في التعبير عن ذاتي، وأكثر رهافة في التعبير عما أريد إيصاله بلا افتعال وبلا انشغال بقضايا أخرى، وبلا صور بلاغية وإيقاعات موسيقية وغيرها، قد يحتاجه النص ليكون جميلا ولكنه لا يكون صادقا في كثير من الأحيان، ففي هذا الديوان تحديدا نظرت إلى ذاتي وأعماقي، واستطعت أن أنبش من هذه الأعمال ما أمكنني تقديمه للعالم شعريا.

* هل يمكننا القول إن هذا الديوان كان بداية الجفاء بينك وبين قصيدة التفعيلة؟

- هو ليس جفاء مطلقا، ولعلك لاحظت أن آخر قصيدة كتبتها كانت قصيدة تفعيلة، مع أنني لا أصنف القصائد، فالآن لأسباب فنية بحتة، أقول لك إن هناك قصيدة تفعيلة وقصيدة عمودية وقصيدة نثرية، فأنا أحب أن أسمي القصيدة قصيدة فقط، لا أحب أن أطلق تلك التصنيفات والمسميات عليها، وفي اعتقادي أن متلقي وقارئ الأدب والإبداع الحقيقي لا يهمه تصنيف القصيدة أو البطاقة والهوية التي تحملها هذه القصيدة، فالشعر شعر والقصيدة قصيدة، بغض النظر عن الصورة التي كتبت عليها، أنا فقط أفضل استخدام صفة أخرى تفرق كأن تقول هذا شعر جيد أو ممتاز أو رديء أو سيئ.

* أنت لا تعترفين بالتصنيف ولكنه قائم.. فلماذا الاعتراض عليه؟

- نعم، أنا أحب التصنيف، ولكنه قد يفيد الطلاب في أقسام الأدب والنقاد وهذا حقهم، ولكن الشاعر والمتلقي ما الذي يستفيده من هذا التصنيف؟ حيث تهمهما الحالة الشعرية ومن ثم الاستمتاع بقراءة القصيدة والتعمق في معانيها وما تحمل من رسالة وعوالم.

* ما الحداثة الشعرية بالنسبة إليك؟

- أتمنى أن أنتمي إلى ما بعد الحداثة على مرحلة الحقب المختلفة المتلاحقة، لأنني أنحاز إلى الغد دائما! فأنا أحب أن أمارس التجريب والابتكار واكتشاف الأشياء غير الموجودة، والحداثة أكثر كلمة استخدمت خلال الخمسين عاما الماضية في تاريخ الأدب العربي، حتى قتلت الإحساس بمضمونها. مع أن الحداثة في أوروبا تركت منذ عشرات الأعوام والعقود ونحن في المنطقة العربية ما زلنا نعيد إنتاجها.

* قلتِ ذات مرة: عشتُ طوال عمري وأنا أفتقد المكان.. هل تعنين الوطن؟

- الوطن هو أنا.. وفي الآونة الأخيرة توصلت إلى حل مريح بالنسبة لي، وذلك بأن يكون الوطن هو أنا، وأن أكون أنا الوطن.. وطني أحمله في داخلي أينما يممت وجهي؛ إن مت أو إن بقيت، ويحملني وطني في داخله، بغض النظر عن الأوراق الثبوتية والوثائق الرسمية، وبغض النظر عن رؤية الآخر لي، حيث إنني أعلم أنني أنتمي لهذا الوطن ويكفي أن هذا الوطن يعيش في داخلي ويكفي أنني لن أكون إلا من خلال هذا الوطن، وبالتالي لا يهمني نظرات الآخرين ولا أوراقهم وأفكارهم.

* لكن مفردة الغياب حاضرة دائما في قاموسك الشعري.

- الغياب مفردة تعبر عن حالة وهذه الحالة لاحقتني منذ بداياتي الشعرية، وكانت ترد في قصائدي من حيث لا أدري بكل صراحة، فأحيانا أقول إنني حاضرة من خلال الغياب، ولكن عندما لاحظ النقاد، وكذلك الأصدقاء والقراء، غلبة هذه المفردة في أنفاسي الشعرية، كان ذلك بمثابة تنبيه لي فحاولت التقليل من استخدامها، وبدأت تقل بالفعل في أشعاري، وبالنسبة لي، فأنا أشعر أنني امرأة مؤجلة، فلذلك أقول دائما: أنا المرأة مؤجلة، وأحلامي مؤجلة، وطموحاتي مؤجلة، وكتاباتي وأشعاري وقصائدي كلها مؤجلة، وأنا نفسي أيضا مؤجلة، وصورتي تغيب أحيانا حتى عن المرآة، ولذلك من هنا أتت حالة الغياب لتكون هويتي الشعرية في مرحلة من المراحل.
ديوان شعري الثاني، الذي صدر في عام 1994 اسمه «تغيب فأسرج خيل ظنوني»، وكان هذا الديوان أكثر ديوان مقدس في مفردة الغياب وحالة الغياب نفسها، ثم في دواويني الأخرى، أيضا تناثرت هذه القيمة والمفردة وتكرست وتكثفت، ولكنني لا أدري إن كنت سأعود إليها يوما ما بشكل أكثر تكثيفا وعمقا. فهي تأتي من اللاوعي وبشكل عفوي.. ولكن لا أجد لها تفسيرا.

* كيف ترين المشهد الشعري في الكويت الآن؟

- واقع الشعر في الكويت يقدم صورة متماثلة مع واقع الشعر العربي في كل البلاد العربية، لا يقل ولا ينقص، خصوصا وقد أصبح الشعراء الشباب يتواصلون مع الحالة الشعرية العربية بشكل عام، حيث أصبحت تلك الحواجز والخصوصيات غير موجودة، في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. فوسائل الاتصالات الحديثة كسرت كل الحواجز، ولكن عموما الإنتاج الشعري في الكويت يعاني قلة الإنتاج وهو نفس الواقع الذي يتكرر في كل البلاد العربية، قياسا بالرواية والشعر، ويعود السبب لتشجيع دور النشر على كتابة الرواية بسبب إقبال القراء بشكل كبير على الرواية على حساب الشعر.

* إذن هو عصر الرواية؟

- أنا أعتقد أن الرواية أكثر انتشارا من الشعر وليس أكثر شعبية منه. وأتصور أن الشعر ليس فقط حالة فنية ولكنه حالة فلسفية، الأمر الذي يصعب التعاطي معه، بعكس الرواية التي تبدو أسهل في التناول من الشعر، وبالنسبة لي فالرواية فن سهل والقارئ العادي يحتاج إلى فن لا يرهقه كثيرا بينما تقدم له متعة الحكي والإنسان بطبيعة الحال يحب الحكي والحكايات والتفاصيل التي ترد بين ثنايا الرواية في الوقت الذي يمثل فيه الشعر فنا نخبويا لا يهتم به كثير من العوام، والأقوى تأثيرا على المدى البعيد. نعم، الرواية صالحة للبوح، ولكن الشاعر أصدق من الراوي، بينما في الرواية يضطر الكاتب لأن يؤلف حكايات من نسيج الخيال والأحلام لا تمت للواقع بصلة لا من بعيد ولا قريب، والشاعر هو بطل قصيدته الوحيد، وهو يحكي عن ذاته ولا يستطيع أن يبوح أحد بالإنابة عنه، بينما في الرواية يحدث العكس فالأفكار الموجودة فيها تتوزع بين أشخاصها، ولا يمكن لأحدهم أن ينسبها لنفسه دون الآخرين، وهي في الغالب أفكار متناقضة يحاول الروائي الاختباء تحتها، بينما القصيدة تحتاج إلى قدر كبير من الصدق والجرأة قد لا تتوفر في الرواية.

* والنقد في الكويت.. كيف تنظرين إليه؟

- النقد متأخر جدا بالنسبة للإبداع المنتج، فللأسف النقاد منكفؤون على النقد النظري أو الأكاديمي الذي يتم بين أروقة الجامعات، بينما قلة قليلة جدا تلاحق النص الإبداعي الجديد المنتشر، وألاحظ أننا في الكويت متأخرون مقارنة بالدول العربية والخليجية وخاصة السعودية والمغرب، التي بدأ فيهما نشاط النقد لافتا وكبيرا. وهنا يبرز السؤال: لماذا النقاد السعوديون والمغاربة أكثر النقاد العرب نشاطا عن غيرهم من النقاد العرب.

الشرق الأوسط
17-6-2012