عناية جابر
(لبنان)

ع ب

جميع أسبابنا <جميع أسبابنا> هي المجموعة السابعة للشاعرة عناية جابر. والمجموعات السبع تؤكد حضوراً شعرياً شديد الخصوصية، فقد اهتدت الشاعرة باكراً إلى عبارة تقف بين الجلد واللغة، قصيدة عناية في <جميع أسبابنا> تبدو من هذا الحوار بين الجسد والحواس والمخيلة والإيقاع. العبارة الشعرية هي اندماج من هذه جميعها، الجسد يتكلم لكن باللغة التي تكاد تكون تحسساً او حساسية. إنه يتكلم لكن بالقدر الذي يتحول فيه هو نفسه إلى عالم، أي إلى مركز ذكريات وتجارب وصور ومشاهد. لكن يمكن القول إنه يتكلم غافياً او يتكلم بقدر من اللمسة العمياء التي تصحو شيئاً فشيئاً. او بقدر من المعرفة المبهمة ومن هذا المزيج من المتعة والحسرة، من الحضور والغياب، من الامتلاء الذي سرعان ما يترك مكانه للشغور. عبارة عناية جابر وهي عبارة تبدو وكأنها توتر فكرة وتوتر صورة او عبارة هي عبارة تكاد تبدو قطعا لمشهد. قطعا لعبارة، او قطعا لإحساس. فألمهم تماما هو ما الإلماح الكثيف الذي في هذه العبارة، بل الشعور انها أمام حكاية تركت ذكراها البعيدة او عنوانها فحسب، عبارة هي بما يكمن وراءها من صمت ومن مشهد ومن تجربة. الواقع ان قصيدة عناية القصيرة في الغالب هي تقريبا إكسير عالم أوسع منها، انها عصارة وروح وإيقاع فحسب.

تتراءى القصيدة وكأنها لمسات عفوية وفوضوية لكنها دائما تنتهي بالاكتمال وتنتهي بأن ترسم لوحة حقيقية، ان هذا المزيج المندمج من البصري والحسي والوجداني في العبارة الواحدة لا تشتتنا، انه غالبا يعيد لنا التجربة في جماعها. ثم ان التناثر الذي تبدو عليه القصيدة ليس سيولة مفلتة ولا بعثرة حرة بالكامل. قصيدة عناية تبتكر العفوية والفورية والوهلة الاولى لكن ذلك لا يتم إلا بلعبة إيقاع صعبة. فقصيدة عناية جابر تبني من هذا التناثر لعبة مسافات متسقة. هنا يلعب الصمت ويلعب الفراغ، وينبني الكلام كنظام من إشارات مضيئة وكفضاء من المساحات وبياض وصمت.

الشعري والحسي والوقائعي تتابع هنا في دينامية حاضرة دائما. ينفتح الكلام بسرعة على الشعري. يولده من أي إشارة، انه حاضر باستمرار كمعنى ممكن للأشياء، حاضر ليس فقط كصورة ولكن أحيانا كصمت وأحيانا يبقى في البياض الموحي والحي لما بعد الكلام.