فاطمة الناهض
(الإمارات)

فى ما لا يرى النائم.أصعب اليقظة ،فى هدأة الكون،وغياب الكائنات،وهدنة الحياة.
قبل ان تستعرض الشمس ذهبها على الملأ، او تضن بطلتها البهية.
وقتها، لا تستيقظ أعضاءك كلها فى ذات اللحظة،ولا مشاعرك
تسير بقدمك اليمنى الى مصدر اليقظة، وتجر اليسرى خلفك وهى لا تدرى الى أين تأخذها فى هذه العتمة،
لكنها تتبعك مضطرة، اليسرى دائما، تستيقظ متأخرة لأنك تنام على جهة القلب.
تمسك بيدك اليمنى مقبض الباب،وتكون اليسرى مسدلة الى جانبك،كجناح مطوي ،
تنعم بلحظات إضافية من غيبوبة الفجر،
تحاول ان تستعيد سبب يقظتك من جديد بنفس التدبير المتفق عليه مع باقي الجسد،
وحين ترش الماء على وجهك وأنت تتوضأ، جزء يسير من عقلك يستيقظ فقط،لتعرف ماذا قلت لخالقك بالضبط، قبل ان ترجوه ان يمنحك خير اليوم ويكفيك شره.وتقرر ان ما قلت لم يكن كافيا، ضنينا وقصيرا،ومثل كل يوم.

1

أجمل اليقظة أول الاشياء،
أول صديق، أول سر،أول شطر مما حسبته شعرا، او حبيب،وآخر.
أول طفل، أول أشياء ذلك الملاك العجيب، ودفق معجزاته الذي لا يتوقف،
ان تحتضن امرأة تحيلك الى ريشة فى مهب الريح لا تعرف من اى جناح سقطت ولا على اى تراب تحط،
تتلاشى ملامح النساء فلا ترى غير انسيابها على صفحة وجودك مثل قطرة ندى، او نار خرافية
ان تنظر الى رجل يلملم تقاطيع روحك بين راحتيه حتى لتحسبهما من أثير،
ويودع هذياناتك المجهدة خزائن قلبه ويتركها حتى تهدأ
فلا تعرف ملاذا للحياة او الموت سوى دفء ضلوعه.

2

أصعب اليقظة طفل ابنوسى أشقر لم تستطع يدك الممدودة بالرغيف ان تصل الى يده الضامرة،
عيناك تظلان معلقتين بنظرته الخادرة،مثل خيط حياه يتأرجح بينكما،ولا تستطيع لمسه
لأن الزمن قد قرر انك استنفذت أكثر من حصتك مما يرى النائم، فى بعثرة الخبز والرياحين وكسوة الأعياد على استدارة الكون وامتداد الأفق.
تستيقظ ويدك مضمومة الى قلبك بانتظار كوة صغيره تنفتح على حين غرة.
تنفذ منها يدك او تنفذ كلك،متجاوزا كل طقوس الممكن،باحثا عن وجهه المتوسل،ودائما، تنتظر.

3

أجمل اليقظة ان تفتح عينيك على وجه مألوف يبتسم على الوسادة الأخرى
بحب فائض عن حاجة الصباح ،
يتأملك فى غيابك الفوضوي المؤقت،لايهمه كيف تبدو،
ولاكيف ربطه القدر بك وأنت على هذا النحو المدمر،
يعرف انك هو لفرط اشتعال المغفرة وانه انت من لوعة الحب
ويطلب إليك ان تواصل النوم فرغم كل ما حدث ليلة البارحة، تبدو الأمور على أكثر مما يرام،
تستسلم له فى طاعة اقرب الى العبودية بمحض الاختيار،تتمدد فى حنانه المضني بلا اسأله
وتغمض عينيك وأنت لا تدرى حقا ما الذي حدث البارحة ولا لماذا لا يجب ان تكون الأمور كذلك.

4

أصعب اليقظة حين ينجلي عماء القلب المقيم، فتتحطم نوافذه المغلقة وتندفع كائناته المبهجة نحو مسارب الفرح
ان تبرأ من حمى الكلام فى مقام الصمت وإثم التفاسير،فتغرف من ذهب الحكمة وأنت تنظر الى الكون معجبا ومتعجبا، تعيد ترتيبه لمرة أخيرة بما يكفى لإكمال حياة ناقصة.
تستدعى لهاثك فى طول الحياة وعرضها،وتقترب من شبه الحقيقة
تسال طفلك الذي عددت أصابعه للتو: فى اى صف انت الآن؟
يجيبك بصوت أجش اختفت منه لثغة الراء انه فى الثانوية العامة،
تظل محدقا فيه لبرهة، فى فورة الشباب الطافح من عوده الأخضر
فى نحوله الجميل قبل ان يتحول الى كتلة من الطيش و التمرد المبرح
تقول لنفسك، تستطيع الثورة ان تنتظر،او فلتبدأ دوني،
وتدرك ان مافاتك من هذا الطفل الذي كبر فجاه، حتى الآن، لا تستطيع اعتي الثورات ان تعوضك عنه.

5

تحشد اعترافاتك فى تلك اللحظة الصافية، مثل كذبة بيضاء
ذنوبك،آمالك،ما ظهر من النوايا وما بطن،
تعيد سيفك الى غمده بعد ان بضع فى شبه الحياة صاعدا ونازلا فى كل الجهات
تقرر ان تحيا بدل ان تعيش تاركا ما لله لله وما لقيصر ..لقيصر
تعقد العزم ان تترك رئيسك فى العمل لحاله الذي لن ينصلح، والذي فقد أهميته على نحو مفاجئ وصريح
وجارك المزعج لموسيقاه،تثقب ما تشاء،وعواءه يتدحرج مثل ضلال سافر
ترأف بالكمال، والمثال،والثريا، والسمو والعلا والليالي والنجوم التي لاتطال
وترى ان تفتح صفحة جديدة مما تبقى من كتاب العمر تصالح بها الحياة،والأحياء، والموتى،
اذ رأيت فى ما لا يرى النائم انك أسرفت فى السؤال والمساءلة
فى العتاب والبحث عن دوافع الأسباب
تتصافى،تشف وتخف، وترتفع
وتداخلك الرعشة من بهاء الوقت وأنت تتقدم نحو اليقظة بخطى من نور
تقلب الصفحة فى الدفتر الابيض،
تقلب الصفحة والدفتر ابيض ،
وترى فى ما لا يرى النائم، بياضا غامرا،وضياء ،
حديقة تتجرد من ألوانها وبحر يغادر شاطئه وأنوار تتخافت فى فضاء رحيب ،
تسبح فى سكينه من تمام العقل،فترى غابة بلا شجر ونهرا بلا ماء،
بياض يتناثر مثل ثلج لا يتورع ، رقائق ورد ابيض يتساقط مثل زغب الحمام،
يصغر الكون ويتحول الى فسحة بحجمك تماما،
تشعر مثل تفاحة الجنة ، أترتمي على الأرض قبل ان يستأثم احد بقطفها،
أم تبقى على الغصن تنفيذا لمشيئة الخالق،
تمتد يدك الى الوسادة الأخرى فى محبة خالصة بلا شوائب
ترفع رأسك تأهبا ليقظة مختلفة، يقظة الصفاء والرضا،
لكنك لا تستيقظ أبدا..مهما حاولت.
تلك أصعب اليقظة ، لا ينازعها شئ.
اليقظة التي فات أوانها.

ابريل
2006