فراس سليمان محمد
(سوريا/ أمريكا)

حياة مستعملة

فراس سليمان محمدأنا الذي أعمل في كازينو يشرف على محيط لم أره أبداً ' أنظف الممرات من أشلاء العبور الدبقة ومن قيئ وبصاق الخاسرين أنا الذي على نحولي أشيل حمولة ثقيلة لحيواتهم المستعملة .
تصرعني طرطقة الفكوك في أفواه عجزة يعرجون في دخنة أعمارهم ' أساعدهم واحداً وحداً ليدخلوا في فقاعاتهم ثم أغلق عليهم بلمسة شر. أما هؤلاء الفتية الذين يقفزون فلايبرحون الأرض سأطلق الرصاص عليهم في عالم آخر .
ولأن هيئتي لاتتطابق معي وأنا أغلق أبواب الغرف ' وأنا أجرّ المسقبل الخفيف الملطّع بالعصير ودم شرائح اللحم وحشرات الكلوسترل الكسولة لمتقاعدين ربما سيسقطون موتى في آخر الممر .
أطلق صفيراً لكائن لم يعد لينتظر شيئا
و مايجب أن أصرفه في الداخل أصرفه على العتبة حتى يطردني الملمس الهش لمتع سريعة ' ثم ليعود فيجذبني الهواء المربوط بأرجل الأسرّة .
لم يعد في الداخل أسرار .. ورطوبة الأجساد تنتهي إلى رائحة لاتطاق .

مشغوووول بترتيب المقاعد في قاعة لن يدخلها أحد .
وبأظافر متسخة أكشط الغبار عن نهار اللغة. ... الغبار الذي أثارته التماثيل التي للتو حطمتها .
اليأس
حركات الجسد البطيئة
اللغة وماتنزفهُ .. صديدُ المسامير في الهواء
صمتي المطرقةُ المخلّعةُ
و ... كل اكسسوارات المشهد القابل للنسيان .

الدخيلة فاضت دون طائل '
والجغرافيا لم تعد حجّة

الندم الذي ربيّته لم يكن يحتاج لرعاية مبالغ بها
ينمو محجوباً بطبقة خفيفة من المروانا ورائحة خمور رديئة . كلما تحرك ينتفض الأثاث من أسمائه ويسيل السقف على الجدار لينفتح مقص ميتافيزيق هائل بين دخان يتمايل وبؤرة سماء تصرف فائض رغوتها على حافات فراغ شديد .
الندم وقد جعل المستقبل أرضاً محروقة ' والحياةَ متحفاً مغلقاً
الندم فرحي بالخسارة
زاويتي
الحميمة
الممزقة
في المهبّ

بعد خمسة وثلاثين عاماً كنت قد ظننت أن لاضرورة لهذه (الأنا) لكن كلما خرجتُ مني أتكرر مساطاً بالحاجة إليّ ' كأن الماضي أبداً لم يكن ' كأنّ (الآن) مرةً لم يتحقق.

مصاب بالآخرين من شدّة ما نفضتُ أيديهم عني .
المسافة بيني وبينهم ورقة خسّ يقرضها أرنب الكلام .
أقتلهم فيثقلني دمهم .
أنساهم فيغلبني الخوف .

هكذا ' دون ادعاء حكمة ' ربيّت فراغاً وعندما أطلقته التهمني .
ما أفعله أحبه وأكرهه فلايمدّني بجدواهُ ولايقذفني إلى جهة ....

يا إلهي لستَ إلهي لأرجوك ولكني تعبتُ وأتعبتني صورتكَ في الأخطاء ' لست صوفياً ليُفهم عصياني محبةً ولامحترف حياة لأترك جسدي يجادل وينجدل في الازدحام . فقط .. كتلة يقشرها حنين إلى جوفها .. زفرة ليُساء فهمها إلى الأبد .

يا إلهي لأنهم لن ينقذوني ولأني عاجز أمام أصفرِ لاهوتِهمْ أنت خسارتي الناتئة تتلوّن.

زئير كلمة ينطلق من مذياع لا يُرى
الصدى أشجار تقلّمها كائنات الخمر .

لا أعرف كيف عرّاف مصري بزي طيار مدني أمطرني بالدعاءات والوعود ' وسرقنيييييييي ' أعطيته آخر ما أملك كنت أكثر تعباً من أن أركن إلى شكوكي قال سأعيد لك ماضيك فلا تذهب إلى آتيك إلاّ وقد تنظفّت من كل ميتاتك .
على باب الجحيم انتظرته ' قال عشر دقائق لأحضر حقيبتي وأغيّر كأس الماء لإلهي وأسدل الستارة كي لا توقظه الشمس .
ساعات انتظرته ' ولم يعد ' أفهمتني موظفة الاستقبال أنْ لا جدوى وأنه عليّ أن أعود إلى جحيمي الخاص
كان يجب أن أمشي وأمشي وكنت أحتاج أن أبكي أو أنام . لم أقتل نفسي كما يفعل الأبطال التراجيديون الحقيقيون

مكتظاً بما لا أعرف له اسماً مضيتُ
لم تكن النهاية تماماً ' لكن كل شيئ كان ينقصه الحياة .

الدخيلة فاضت دون طائل '
والجغرافيا لم تعد حجّة

في تلك المصانع الغامضة
حيث تضج الآلات
وتتكرر سلعة الوقت نفسها
في تلك المدن المضارب المحمولة على هواء المكيفات
حيث العالم كله في نقطة العبور عاصفة مكسورة
يقف الجميع في واحد يؤلف بداوة العدم

التشرد ليست كلمة تماماً إنها سقف كلمة مهترئ لايني يسقط ويسقط.
مفلس ووحيد . لماذا حزين إلى هذا الحد
ألم أكن أرغب دائماً بالموت في شارع مهجور في مدينة باردة ؟
الرغبات
الرغبات
هي أرجوحة الكذب ' لأطفال لعبهم أشغال شاقة .

لأني أعرف طعم الموت جيداً لأني بقبضتي المتعبة أضرب درابزينات السلالم
وحيطاناً بُنيت على عجل على حافات الفجر
لا يعني وصولي شيئاً
أدير المفتاح بثقب اللجة '
لا أ خبط حذائي على العتبة ليهرّ الثلج ولا أحضن وجهي ....لأبكي
ولأن رقادي أغصان مكسرة في حفرة لن تحميني من قذائف الذاكرة السريعة
ولأني بأجساد خاوية أخبّ على أسفنج أسود
لأني كلما احتجت إلى جهة أنتصب في قاع اللحظة .
طفل كريم
حكمتي فراديس أحرقها مؤمنون ضجرون
موائدي دائما على منحدرات وعرة
وإلهي مثلي جائع وغامض
في حياة لايملكها أحد

فرّغت الأساطير من الأمل لأنساها '
واقعيّ '
و... أخسر .....
و .... أرتجف على باب المنام .

أصدّق معجزاتي
فجديّ الله يمشي خفيفاً على سطح أيامي كلص .
لم تعد الجغرافيا حجة .. ولم يعد ثمة دخيلة لتفيض .

2004 - 2005 نيويورك

***

كلب سكران أنا

أنا وكلبي في قارب الصيد دائخان ، أنا من كثرة ما شربت وهو من شدّة ما نبح
أنا تقريباً هنا .. أرقب أضواء المدينة التي تبتعد .....وجسوراً من عشب ألفّتها في رأسي .
إنها الواحدة ليلاً .. إنها مسرات العمل لصالح الهذيان
لننس الكلب ..
وتلك الاهتزازات ... وما يسبّبه الخمر والأمواج .
لست سكراناً ' أنا الصياد الكاتب الرديء .. لم أعد قادراً على قول جملة تدهشني
غالباً ما أكرر نفسي ' نفس الكآبات نفس الحواس الممزقة . أعمى .. قد أحدس التجربة لكن ليس لي أن أحملها، أحدبُ أقبية وحرمانات مذهولة .
كأنني مازلت في العشرين أخبط على نفس الأرض أغطس في نفس المياه وأتسلق نفس الهواء .
هنا في قلب البحر حيث أتذكر موبي ديك بطريقة مغشوشة وأرمي عجوز همنغوي من ذاكرتي إلى (قلب الظلام)
أدعي أشياء لايمكن لأحد أن يعرفها وبحجة العمق والدهشة خربت لحظات حلوة مع آخرين وخنت جسدي. أحتمي بما لا أريده وأبكي لأنني لا أريد شيئاً .
لا أحد ينتظرني سوى ذاكرة ممددة في كلام سريع ... سوى أنا في صورة ممحوة .

جنّتي لحظة مفقودة لأنها خليطُ ماض وآت ، شواشٌ لا يفيد من تجربة الحجز ، معنى وعرٌ دون مصير .
كم من الغباء أني اشتغلتُ مجانا ًخادماً ذليلاً في بيت الكتابة ، لأنني ادعيت أنني لا أحب السكن في قصورهم دون أن أدخلها . لم أكذب بالقسط الذي كذبوا به ، لكنني كذاب مغفل ، ضحية للمنفى فارغاً من المكان، تخليت عن عدّتي لهم . ومضيت أكدح بيدين واهنتين من أجل قطعة شمس ستسقط في أرض لن يطأها أحد ، من أجل ترميم تمثال خسارة لن تجرّه عينٌ إلى قلب ولايدٌ إلى متحف.
حان الوقت لملل حقيقي ولضحكة واحدة تعادل عمراً كاملاً لم ينجز . كلبُ قصائد تحتاج إعادة تأليف .... كلبٌ لايصلح للمهمات التي خُلق من أجلها . كما لاتصلح الكراهية للاستمرار ، والهامش للاتساع . أعضّ ما أقع عليه ، وتنزف الأرواح المسروقة من الكتب تحت جلدي .

كلب يغريه الفراغ فينبح وينبح .. دون أن يقفز.
كاتب رديء يتدلى دماغه بين فكيْ كلب متردد عجوز .

قلم باركر على الغطاء الخشبي للمحرك ... وأكياس ورق ملوثة بالمازوت والكلمات .
القارب تعويذة تكدح في شقوق الأمواج التي تؤلفها البصيرة .
مطر يتلألأ في الخطوط التي حرثها الغموض بين عينيّ وجزيرة قريبة .
في ذلك القارب حيث حوريات البحر والليل ينصتن لهسيس الزبد في رأسي واللاتي سيقفزن بعد قليل تاركات لي حياتي الضيقة طافيةً في المسافة بين مدينة بعيدة وجزيرة لن أصلها .

الميت الكلب
أنا
يعبدُ المشهد

تباً لهذا الخمر الرخيص وصيادي الكتابة جميعاً.
تباً لك رامبو لقد خربّت حياتي
تباً لك أيتها المرأة الخرافة لقد حبستني في نجمتك الكاذبة

تخيلتها .....
( ... ) تقول أمي البوذية علمتني كيف أحرق المشهد في رأسي .والأحلام التي لاتشبه سفن القراصنة
تخيلتني أعض جسدها الأبيض حتى الامحاء ممعناً في الثرثرة عن الروح
خائفاً من فضائحي .
قلتُ ...... كتلة السرطان في صدر جدي الشيخ رائحتها مازالت تفسد مناماتي .

بعدما حرقت أعصابي لأشوي لها السمكة الحمراء التي تحب ... بعدما حاولت تأكيد حقدي على الكتابة وندمي المربوط إلى جذور التجريد
اكتشفتُ كم كاتب ردي أنا ، وكم من العبث توسيع هذا الدهليز في عتمة طائشة .. وكم ............
صياد أحمق أنا .
كم أكره مهنتي .
وكم أرغب أن أدخل المقهى فينهض صوتها ، أحتاج أن أدّعي الإصغاء بطريقة أخرى ،
أحتاج أن أكذب بطريقة أخرى .

أيها الكلب عد إلى أصلك ذئباً يحرس اسمه
أيها الكلب على الأقل احرسني مني .

2005/2