أحمد سواركة
(فلسطين)

كُلَّما سَمعتُ كلمةَ جَسدٍ
اهتزَّتْ روحي !!

- 1 -

جبر علوان- العراقفي الغرفةِ اللَّذيذةِ سريرٌ ومدفأةٌ
في الغرفةِ امرأةٌ على الحائـطِ
تشـاهدُني أتأمَّـلُ شـبيهي
أمنعَهُ من الماضي
أبعثُهُ في ليلٍ موحشٍ
كي يطاردَ فجراً بهيئاتٍ كثيرةٍ
ويعزفُ الجيتارَ في غرفٍ أُخرى
ثُمَّ يصنعُ أرواحاً في بناطيلَ جينز .

- 2 -

ليس صحيحاً أنَّ ما يخطو أنا
ليس صحيحاً أنَّني في قميصي
فمثلما غامتِ السماءُ
مثلما أمطرتْ : كنتُ ....
إلاَّ أنَّني غيرُ مُتأكدٍ من هيئتي الجديدةِ
وهىتقشِّرُ جلوداً
كانتْ لنسوةٍ يصبغْنَهَا بقشورِ التفاح .
لمْ أكُنْ أُحصي عددَ اللَّحظاتِ التي
ولَّدَتْني في منطقةٍ تطلُّ على
خلاءٍ ومديــنةٍ
أضغطُ في شوارعِها علي هاجسٍ
ليس واحداً
فتتقافزُ شموسٌ كي تزرعَ
حـولَ خطواتي أشجاراً وأبــد .
أتألَّمُ في خلوةِ الأفقِ
ثُمَّ أُباشرُ عملي الجديدَ :
التنقُّلُ بعيـــداً

- 3 -

في مَنطقةِ الصـيدِ البعيدةِ
كانَ يشاغلُ المدى
لتنطلقَ الرَّصاصةُ
وتجرحُ غزالتينِ وقلباً تشتَّتـتْ
الفصــولُ في خفقاتِهِ .
مجنوناً كانَ
يرسمُ على السماءِ شِفاهاً معضوضةً
ثُمَّ يزيِّنُها بقطرةِ دمٍ مِن نَحرِ الذَّبيحةِ
وفي نفسِ اللَّحظةِ التي لمْ يوافقْ فيها على شيءٍ
جاوزَ سنيناً تربو على الثمانينَ ، إلاّ أنَّه
بخطَّافٍ حادٍّ كانَ يُعَلِّقُ حسنَاواتِ الحظِّ
مــن ظهورِهِــنَّ
ويبدأُ في اتخاذِ وضعاً حقيقياً
لجلادٍ لديهِ مهاراتٌ كثيرةٌ .

- 4 -

فيما أنا خارجُ البيتِ
فيما أنا في جهةٍ تغادرُ
عبَرتْني دموعٌ ودهورٌ ممنوعةٌ
كانتْ قد خذلتْ ما طالتْهُ أيَّامُها
إلاَّ أنَّي قضيتُ ـ على بعد فرسخٍ من لياليْها ـ
شتاءاتٍ أفصِّلُها كما أُريدُ
جربتُ فيها رعي النجومِ مع حبيبةٍ
تُمدِّدُ النورَ على معصمِها كحليةٍ
وعزفتُ ـ ببهجةٍ ـ لها مقاطعاً
طويلةً من موسيقى تفعلُ الدوخةَ
حاصرتُ الموانئَ والحضاراتِ بجيوشٍ
تختبئُ ـ دائماً ـ في الفجر .
كانَ القادمُ نحوي عامٌ لمْ تأبَه به الهناءاتُ
فسّرتُ له كيفَ أكونُ وحيداً عندما
أُشــاهــدُ القمرَ
واعتديتُ على أسرارٍ غيرِ خطيرةٍ
لحبيبةٍ مجهولةٍ .
كان ذلك حولَ شمعةٍ تجهِّزُ
المكانَ لحفلةِ حبٍ عـابرٍ
ثُمَّ في باحةٍ مسنودةٍ على الخلاءِ
سكرتْ النجومُ معي في حذرٍ
وأعطتني اسماءً حقيقةً لأِحلامٍ تشغلُ
العذراواتِ
ثُمَّ فسَّدتْ الظلامَ جهةٌ تَخُبُّ
مع سربٍ لطيورٍ
تذكرتْني من نصفِ عام .

- 5 -

وأنا أُكعِّبُ الليلَ في حجرةٍ أُخرى
تدلَّتْ من نفسي أشباحٌ ميتةٌ
كنتُ قد استأصلتُهَا في العامِ الماضي
من نظراتِ امرأةِ تكلِّمُ الصمتَ
وحينما زحفتْ الفواجعُ على جزئِهَا الأعلى
صرختْ : رأيتُكَ خمسَ مراتٍ بلا شك .

- 6 -

الفراشةُ العمياءُ
شهقتِ النورَ والحكاياتِ المجزوزةِ
وفهمتُ من رقصتِهَا أنَّ غاراتٍ
سأجرِّبُ اتجاهاتِها في الموسمِ القادمِ
ليس عن قصدٍ يحدث هذا الآن
وليسَ عن قصدٍ أُشاغلُ سيمفونيةَ
الليالي التي اهتدتْ إلى قتلِ الحبيبات
بلْ ما زالَ هواءٌ يعبئُ صدري
وهواءٌ يقدِّدُ شيوعي في الهالوكةِ
حيثُ لمْ يكنِ الصباحُ طازجاً
ولا أليفاً
بلْ كانَ ظلامٌ بمشيةٍ عرجاءَ
يشغلُ جبهةَ التنقلاتِ المثيرةِ
ومصعدٌ ضيقٌ لخطواتي
كانَ يهمسُ بلا توقُّفٍ :
ستكونُ الفراشةُ العمياء .

- 7 -

في اللَّيلِ
أو حينَ يكونُ الطقسُ بارداً
أغلقُ النوافذَ والأبوابَ
ثُمَّ أبحثُ عن متاهةٍ تسلِّيني
وما إنْ أصلْ فوهتِها اللعينةِ
حتى أُغادرَ جسدي مع العصافيرِ
المتشردةِ من الفزاعة
أقضي قرابةَ عامٍ في التسوُّلِ
على حيطانِ العدمِ
ثُمَّ أعودُ متأبِّطاً ما لا يمكنُ تركَه
وقد بنيتُ بجهدٍ غيرِ شاقٍّ
مدينةً بطرقاتٍ غامضةٍ
أنتظرُ في عطفاتِها قدومَ
راقصٍ أزمعَ على الانتحارِ
أنتظرُ :
جســـدي .

- 8 -

مع شيءٍ من الخيْفةِ والحذرِ
تتبَّعتُ في متاهةِ الداخلِ منزلقاً خطيراً
يباشرُ في امتدادهِ عددَ الأيامِ
التي سأمضِّيها وحيداً
حولي ـ وقد كنتُ مأخوذاً بالخرابِ كلَّه ـ
أجهزةُ الجسدِ تمرُّ بدورةِ السكونِ
وبشكلٍ جِدِّي أخذتُ أُقلِّبُ
في أصابعي أحشائِي
ورقعةَ صديدٍ كوَّنتْها الفطرياتُ
قضمتُ بأسناني المستعملةَ
بضعَ بوصاتٍ لأِتأكَّدَ من
طعمِ الدماء .
كان يتفلَّقُ شيءٌ تحتَ خيالي
وأنا أتجوَّلُ
لمْ يأبَه بي
لذا واصلتُ انزلاقي الخطيرَ
في إحدى الظلماتِ
أُفتِّشُ عن جبهةِ الروُّحِ السعيدةِ
لكنَّ الرحلةَ الشاقَّةَ
أعادتْني الى جسدي
خاسراً جداً .

- 9 -

لمْ يحدثْ أنِّي فعلتُ...
لمْ يحدثْ أنِّي غادرتُ جسدي
إنما عبرتُ فيهِ مِن ثقوبٍ سوداءَ
كانتْ تُفاجىءُ رجلاً آخرَ في إحدى
المذنَّباتِ البعيدة .
هاقدْ عُدتُ
وكان الوقتُ غيرُ ربيعيٍّ وغيرُ مساء .
حقيقياً كنتُ في الجانبِ الأيسرِ مِن
رَجُلٍ ليسَ صديقي
وكانَ مِن المفترضِ أنْ أبتسمَ
وأنا أردُّ تحيةَ المرأةِ القادمةِ
مِن مايناهزُ الألفَ ميلٍ
إلاَّ أنَّني لمْ أشعرُ برغبةِ في ذلكَ
بل شعرتُ أنَّي أحبُّها وفقط
وتبادلنْا ـ نحنُ الاثنينِ ـ كلاماً منطقياً
وتحركتُ متعلّلاً أنّني أنتظرُ رجلاً
يأتي مِن النافذةِ
ثُمَّ تحركتُ مُتعلّلاً أنّني سأُقَبّلُها
لكنِّي لمْ أفعلْ
بل دَهستْ ذاكرتي عجوزٌ كان لابدَّ أنْ
تموتَ
وخَطَرَ على بالي أنَّ مارأيتُهم
في شارعِ السُّوقِ هُمْ كذلك
ينتظرونِ الذي حدث .
قررتُ أنْ أخمِّنَ الأشياءَ
وسميتُ أعضائي
لكنَّني لمْ أتخيلْ أنَّ كلَّ
عضوٍ سيَحدُثُ لهُ الكثيرُ
لذا خرجتُ مِن بابِ بيتي
أتأمَّلُ الغيومَ الداكنةَ قليلآً
تجوَّلتُ ببعضِ الشَّوقِ والحرارةِ
وعندما لمْ يحدثْ شيءٌ
قرَّرتُ أنْ أغادرَ جسدي .

- 10 -

حجرتي التي تموتُ وهي
تغزلُ الأشجارَ كخيطٍ طويلٍ
منحتْني ـ فيما أذكرُـ ليلاتٍ سعيدةً
فيها: راقَصَ الصمتُ جسدي
إذْ
نَّني هذه الليلةِ في حجرةٍ تموتُ
أُراقبُ ما حدثَ حولى منَ الماضي
فلا أجدُ شيئاً
لذا أخترتُ نقطةً في الفراغِ
وصرتُ أُراقبُها
متناسياً المناسباتِ الإجتماعيةِ تلكَ
التي من النَّوعِ المهمِّ
أنا لا أشعرُ براحةٍ حينَ أُفكِّرُ فيها
أنا أشعرُ براحةٍ
حين ينكشفُ في نقطةٍ الفراغِ ما ينكشفُ

alsawarka_a@hotmail.com