حاورته: فاطمة محسن

أمين صالحبالرغم من محاولاته للحفاظ على عزلته إلا أن إبداعه أخذ صيتاً في المحافل والمهرجانات الفنية والثقافية. أمين صالح يسرد بشاعرية ويرصع كلماته على جيد الشعر فيتألق، ندخل معه الربيع نقطف زهور العمق والجزالة نغتسل بكلماته فتخطو أرواحنا نحو فضاء التأويل فيعترينا فرح يشبه النسيم . ولم يكتف أمين صالح بذلك لكنه شاغبنا بتحد آخر على زورق مختلف يعبر بنا ثقافة تتسم بالحركة والتشويق، ثقافة تمشي على الشوك افتتن بها فأبدع نقداً.. ماذا يقول أمين صالح الشاعر، الروائي، والناقد السينمائي في هذا الحوار..

*بعد سلسلة رائعة من الكتابة الأدبية تحولت إلى الكتابة السينمائية لماذا هذا التحول؟

أنا لم (أتحول) من الكتابة الأدبية إلى الكتابة السينمائية، فالتحول يعني الانتقال من حالة إلى أخرى، أي هجر الحالة الأولى (الكتابة الأدبية) والاستقرار في الحالة التالية (الكتابة السينمائية).. و مثل هذا الأمر لم يحدث معي، فأنا أمارس الكتابة في كلا المجالين معا، على نحو متزامن، و منذ سنوات طويلة، دون أن أهجر أحدهما أو أفضّـل أحدهما على الآخر.
لكل مجال (الأدب و السينما) خاصياته و جمالياته و أساليبه و شروطه. إن اهتمامي بهذين الحقلين قد أدى إلى توسيع مداركي في الشأن الثقافي و في التجربة الحياتية. كما أن التفاعل الجدلي بين الحقلين، في ما يتعلق بي، قد عمّق تجربتي الأدبية و أثرى أسلوبي و لغتي في الكتابة السينمائية و الترجمة

*أيهما يخدم الآخر الرواية والسرد أم الفيلم السينمائي؟

هناك علاقة جدلية، مؤثرة و فعالة، بين الرواية والسينما. إن التفاعل بين هذين الوسطين قد أثمر نتاجات هامة و ملفته. ربما استفادت السينما من الأدب بدرجة أكبر إذ ارتبطت به منذ بدايات السينما حيث كانت تحتاج إلى قصص ترويها بصريا وبالتالي فقد وجدت في الروايات والمسرحيات كنزا لا ينضب و مادة وفيرة تعالجها بصريا و بأشكال متنوعة. لكن السينما أيضا خدمت الأدب ماديا و فنيا، فقد ساهمت السينما في رواج عدد كبير من الروايات بعد تحويلها إلى الشاشة، كما تأثرت الرواية بتقنيات سينمائية معينة كالمونتاج و جمالية اللقطة و الصورة.
التفاعل بين الأشكال الفنية والأدبية أمر هام و ضروري، و محتوم أيضا، إذ يفضي إلى إثراء التجربة الثقافية وتوسيع آفاق الرؤية و تجدد الأشكال ذاتها.

*العالم الآن في ذروة الاهتمام بثقافة الصورة ترى إلى أي مدى ستحقق ثقافة الصورة من مكاسب في العالم المعاصر وماذا بإمكانها أن تقدم إلى جانب بقية الفنون ؟

الصورة الفنية رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ، منذ أن رسم الأشكال الحيوانية على جدران كهوفه كي يسلبها قوتها و يسيطر عليها روحيا وماديا. بسبب قوة الصورة و سطوتها الهائلة و هيمنتها على العين و الذهن، فقد شكلت تهديدا صريحا و مباشرا من وجهة نظر الأديان و الأساطير و المفاهيم الاجتماعية. لهذا السبب كان الرسم شيئا محظورا أو بغيضا، و الصورة الفوتوغرافية واجهت معارضة شديدة حتى في أوروبا، إذ كان الإنسان وقتذاك يعتقد بأن الصورة سوف تسلب منه روحه، لذا كان يتجنب التصوير بشدة، وقد ظل هذا الاعتقاد سائدا لسنوات طويلة.
في يومنا، نجد أنفسنا أمام وابل من الصور تقذفها نحونا الفضائيات والإعلانات التلفزيونية و الفيديو كليب، دون أن نقدر على صدها أو الاحتماء منها..فمثل هذا القصف موجه للتلاعب بحواسنا، لتحريف الوعي و تعطيل طاقة التفكير لصالح التلقي السلبي.. إنها لا تدعونا إلى التأمل و التفكير. لا نعرف إلى أين ستقودنا التقنيات الحديثة، ما يعنينا هو علاقة الفرد بالصورة، وما إذا سوف تخدم الإنسان أم تعوقه وتشوش سمعه وبصره.

*حدثنا عن تجربتك القصصية بين هنا الوردة هنا نرقص إلى موت طفيف؟

بالطبع يصعب الحديث عن تجربة أدبية تمتد من العام 1973 إلى الوقت الحاضر، أي ما يقارب 33 سنة، في أسطر محدودة. فالتجربة، أي تجربة، تتضمن عادة تنامي الأدوات الفنية التي يوظفها الكاتب، تطور اللغة الفنية، تعدد الأساليب والطرائق، تنوع العناصر، تداخل الأشكال أو الأنواع الأدبية..إلخ. و يستحيل على كاتب أن يخوض، حتى بإيجاز، في كل هذه المسائل ضمن حيز ضيق. من جهة أخرى، ليس في إمكان الكاتب أن يتحدث عن تجربته بموضوعية وبتجرد، وأن يقيّم أعماله. الناقد هو المؤهل و القادر على فعل ذلك..لكنني لا أعرف أين يوجد هذا الناقد.

*يواكب فن السرد تطورات كثيرة على ساحة الثقافة العربية، كيف تنظرون لتجارب الشباب البحريني من خلال هذا التطور؟

أعتقد أن غالبية الأدباء الشبان يميلون إلى الشعر أكثر من ميلهم إلى السرد النثري، و ليس لدي أي تحفظ على مثل هذه الهيمنة، شريطة عدم الوقوع في شرك الخفة والاستسهال والتهافت من أجل البروز الإعلامي.
بالنسبة للمحاولات القصصية الشابة هي قليلة وضمن دائرة ضيقة، ومثلها مثل أي محاولات شبابية أخرى تحتاج إلى وقت كي تتبلور وتفرض نفسها على الساحة الأدبية. لكن ما أفتقده حقا، في الكتابات الشابة، سواء في مجال الشعر أو القصة، تلك الأسئلة الجديدة التي لابد أن يطرحها كل جيل أدبي جديد على الواقع و على الحركة الأدبية القائمة. صحيح أن حركة كل جيل هي امتداد لما سبقتها، تتفاعل معها و ربما تتأثر بها، لكنها لا تكون تابعة لها وخاضعة لتصوراتها، بل عليها أن تبتكر مفاهيمها و شروطها و قيمها و جمالياتها.. عليها أن تطرح أسئلتها الخاصة بها والتي من خلالها ترسم طريقها الخاص دون وصاية من أحد لكن أيضا دون أن تنقطع بحدة عن سابقتها.

*مار أيكم في ثقافة الشارع البحريني سينمائياً وهل نأمل يوماً في تجارب سينمائية كبيرة بعد تجارب الشباب في مهرجان الأيام السينمائي أي هل نحن موعودون بسينمائيين قادمين؟

رغم الحضور المكثف الذي تشهده الصالات السينمائية من جمهور يحب السينما و يحرص على ارتياد السينما، إلا أننا لا نستطيع الجزم بان هذا الجمهور مثقف سينمائيا، نظرا إلى الإقبال الشديد على أفلام عادية تتسم بالحركة والتشويق، أو الكوميديا السطحية، مقابل تجاهل تام أو رفض مطلق للأفلام "الفنية"الجادة والهامة التي تعرض لأيام معدودة. و ليس هذا ذنب الجمهور وحده، فقد اعتاد على مشاهدة نوعيات محدودة جدا من الإنتاج الأمريكي ، الذي هو ليس سيئا لحسن الحظ،دون أن تتاح له فرصة التعرف على نتاجات أخرى من السينما العالمية.
وفي ما يتعلق بالشق الآخر من السؤال، أظن من الصعب المراهنة على إمكانية توفر حركة سينمائية دون أن تتوفر الشروط اللازمة لبروزها و نموها، ففي غياب المنتج، و عدم اهتمام المؤسسات الرسمية بدعم و تمويل المشاريع السينمائية، فإن أي محاولة سينمائية مقدر لها أن تواجه شبكة لانهائية من المشكلات والعوائق و الاحباطات. و يؤسفني أن أكون متشائما في هذا الصدد.

*كيف ترون الأعمال الدرامية الخليجية وهل هناك منافذ جديدة لتطويرها

ليس بالإمكان تطوير الأعمال الدرامية طالما أن القائمين على إنتاجها غير مهتمين أصلا بتطويرها و لا تعني الدراما شيئا ضمن برامجهم المستقرة عند (ليس بالإمكان أفضل مما كان) و(لا توجد ميزانية كافية) و(رمضان لا يزال بعيدا) و(هل بالإمكان تقليص الميزانية إلى النصف؟)
أمر مخجل ما يحدث عندنا، فبعد أن اعتقدنا أن الدراما البحرينية تعيش نهضة فنية وجدناها تتعرض للإجهاض و الإخراس لتترهل سريعا و تفقد ذلك الحضور الذي شهد له الجميع في الأوساط التلفزيونية العربية.. الآن صرنا نكتفي بجوائز بسيطة و شهادات تقدير عن البرامج الإذاعية فقط أما الدراما ف "خبر خير".

**يصنف أمين صالح بوصفه شاعر السراد وسارد الشعراء. فماذا يعني لك هذا التكريم في اليوم العالمي للشعر ؟

التكريم ظاهرة إيجابية تعني الكثير، خاصة إذا جاءت من جهة نحترمها و نقدر لها حضورها الهام في الساحة الثقافية، و مثل هذا التقليد، الذي صارت أسرة الأدباء والكتاب تحرص عليه كل عام في اليوم العالمي للشعر، يعبّر عن رغبة هذه الجهة في كسر العادة العربية العريقة التي لا تحتفي بأحد من كتابها وفنانيها إلا عند حضور الموت.


إقرأ أيضاً: