المرأة، غموض يثير الرغبة.
وضوح يستفز الصمت.
المرأة، حياة وموت.
سر الخليقة الأبدي،
ولغة الآلهة المتناسلة.
.................................
.................................
مرآة معلقة على جدار الرؤية، في غرفة كبيرة بحجم القلب.
امرأة صامتة تقف أمام المرآة، وتنظر طويلا فيها بحثا عن الآتي.
الصوت كان أخرسا، ولاصوت في المكان إلا لأغنية صاخبة ترقص بين أضلاع المرأة.
كان الليل أزرقا ويدخل إلى الغرفة عبر نافذة صغيرة بحجم العالم.
وكانت هناك مجموعة من العناكب المعششة في زوايا الغرفة.
ثمة غيوم تسبح في فضاء المرآة، دفعت كف المرأة إلى النيل منها،
والى ضمها في حقائبها المليئة بأوراق الانفصال.
تتذكر، بأنها وقفت ذات يوم على موجة بحر كبيرة،
ورحلت بها إلى مدينة ملآى بالتحولات. وعند ذاك أمسكت به وعصرته بشدة،
ثم شربت مياهه إلى ان انفصلت عن ذاتها.
سافر،
سافر أيها الانفصال،
إلى عتبة أخرى،
وانحني على المعاني المبللة بزلال الفراق.
العمر،
ومضة في سماء الله.
ومضة تنطفئ وتشتعل إلى الأبد.
ولكن لن تنطفئي يا رغبتي الدائمة،
مادمت واقفة على رأس المقدس.
آه، كانت تشعر بالخطيئة كلما تذكرت حياتها المقضية،
مع زميلاتها في أقفاص الزهور المروية بمياه الفضيلة.
مشت على جمر الانحراف،
ودخلت غابات ملآى بالتنانين والترقب المرعب،
ألا ان الحنين لم يشدها يوما للعودة إلى تلك الزهور.
فالزهور، خدعة الأسلاف، وأفيون النحل.
كانت تعشق الانحراف عن حياة الأسرة،
اعتقادا منها بأن الانحراف، منفى حتمي، وغربة ضرورية.
الغربة، تشكل ومسيرة.
الغربة، ألم ولذة تمارس في أحضان المنفى.
ألم الفراق عن الحياة الميتة،
ولذة ولادة الغموض.
تذكرت مرة أخرى، بأنها حملت ذات يوم أغنيتها على جناح فراشة،
وراحت تحلق في محاريب الرفض.
لم يكن في عالمها سوى الموسيقى والغناء.
أرسلت أغنيتها زلزالها إلى العائلة،
فامتلأ فم العائلة بذكرى الموتى نكاية بها.
حلقت أغنيتها بعيدا عن المنزل وترددت أصداؤها في صحراء الإنسان،
فتهشمت مرايا الطاعة العمياء.
ضجرت المدينة منها، خوفا من صدى الأغنية،
فحملت أغنيتها واتجهت إلى البستان.
جلست هناك على حشائش الغربة، وتحت شجرة تين كبيرة.
كان النمل يمضي نحو زواله بمرح بالقرب منها.
آه يا لجمالك أيها الزوال.
حينذاك قفزت أغنيتها وأسقطت كل ثمار الأشجار وأوراقها،
ودفعت الطيور والعصافير إلى الهرب من أحضان البستان إلى البعيد،
فأنتفض العالم بوجهها.
هربت إلى حيث النهر، وتسمرت فوق ضفافه.
قناديل الأشجار كانت منطفئة، بينما نباتات النهر المزروعة على كتفيه
كانت متحفزة للحياة..
يا أسراب الإوزات،
النهر ينتفض،
ويود الهرب من هويته.
الأسماك تفلت من البحر،
وتذهب إلى أكف الصيادين، رغبة منها باكتشاف الموت،
أو لمشاهدة حياتها في أعماق الإنسان.
يا أسراب الإوزات،
الشجر يحدثني عن الولادة،
والزهور تقص لي حكايات طويلة،
عن الأمهات القابعات تحت أمطار البكاء.
يا أسراب الإوزات،
أنا حزينة،
لم امسح دموع الحياة الهاطلة على رحيل الخلود عنها،
لم أودع الانفصال وهو على فراش الرحيل الأخير.
الانفصال، ولادة.
الانفصال، قطيعة عن الموروث المحاط بالصحراء.
يا أسراب الإوزات..
يا أسراب الإوزات..
دونت أغنيتها في ورقة صغيرة،ثم وضعتها في قارورة زجاجية،
وبعد ذاك رمتها في أحضان النهر.
فراحت القارورة تبعث ضوءا، أكثر قوة من ضوء النهار.
أصيبت المدينة بالهلع، فأتجه الجحيم نحو الزجاجة وهشمها،
ثم قام بتمزيق الأغنية وأشعل النار في قصاصاتها.
تحولت القصاصات إلى دخان، والدخان تحول إلى ملحمة.
امسك الجحيم بالمرأة، ووضعها تحت الإقامة الجبرية.
التفتت إلى العناكب المعششة في أركان غرفتها.
صعدت إليها، ثم مزقت خيوطها التي تحولت إلى حرير.
عادت تحدق في المرآة مجددا. رأت الشمس تحترق في عينيها حد الانطفاء.
ابتعدت عن المرآة، واتجهت صوب نافذة غرفتها المطلة على أشجار الصفصاف،
وحشائش الجحيم.
تأملتها طويلا،
إلى ان حلقت عاليا في الفضاء كبلبل ينطق بالاحجيات.
كوبنهاغن ـ
2003 - 2005
basimalansar@hotmail.com