عناية جابر
(لبنان)

للشاعر البحريني قاسم حداد، حصته لإصدار هذا العدد من "كتاب في جريدة"، في الصحف العربية، غداً الأربعاء، تحت عنوان مختاراته الشعرية "إيقاظ الفراشة التي هناك"، والرسوم لنديم الكوفي.
قاسم حداد الذي ترجمت قصائده إلى عدد من اللغات الأجنبية، والحاصل على جائزة سلطان العويس لحقل الشعر (2001) وجائزة "المنتدى الثقافي اللبناني في باريس
(2000) وجائزة التفوَّق للعمل الأدبي من وزارة الإعلام البحرينية (1997) كان تولى رئاسة تحرير مجلة "كلمات" عام 1987 وشارك في تأسيس (أسرة الأدباء والكتاب في البحرين) عام 1969. إلى ذلك يكتب حداد منذ بداية الستينيات مقالاً أسبوعياً بعنوان "وقت للكتابة" ينشر في عدد من الصحف العربية. حداد مواليد البحرين عام 1948،تلقى تعليمه في مدارسها وعمل في مكتبتها العامة منذ عام 1968 ثم في وزارة إعلامها.
في قاسم حداد الإنسان والشاعر، تفيض طفولة باذخة تكاد تمكر بك، وتدفعك لأن تحضن هذا الرجل الضخم تطيب خاطره وتأخذ بيده. وإذا كانت هذه سمته وإيحاؤه، فإن تبصراً قليلاً في الرسم البياني لحياته وشعره أيضاً، يُفصح عن جدية مفرطة حيال تعامله معهما، فهو لم يُهادن البتة في أحدهما، ولم يتكاسل في علاقته الإنسانية والتعبيرية، ما تكشَّف عن خوض ملتزم بكليهما.

أغنية الروح

قاسم حداد إذ يكتب في الحرية والوطن والكفاح، فإنما من صلابة هيَّأ لها جسده وروحه، وإذ يرنو إلى الشعر في حدَّيه الماضي والحداثي، فإنما ليغترف ما تتطلبه ذائقته المتفتحة إلى الكمال والمواكبة والنضج، في ما تثمره أصابعه من تعبير.
قاسم حداد إذ يجعل ثقلاً معرفياً وإبداعياً وإنسانياً للبحرين، في وجوده الفاعل والمتفاعل على أوجه الاجتهاد بكل تعابيره، وفي مشاركته الشعر جسامة تركته ورهافة تحرره من ثقل التركة تلك، ويمد جسوراً أبوية حميمية بينه وبين الشعراء كافة من شساعة روحه ونظافتها، يُهدينا الأمثولة الفضلى في تعاطي الشعر، أغنية الروح، بلا حدود.
في حياة قاسم حداد، تتوفر مواد الشعر كلها. وهي لا تقتصر على انسحاقات الإنسان وتكسِّر أحلامه، ولا على عتمة المكان وظلامية صانعيه، بل في روحه الحلوة، بهجة الكشف ونشوة الريادة ما يمنح قصائده سمة حدِّ الشيئين: منتهى العذوبة ومنتهى الشموخ. وهو يقول في أحد الحدود:

(لا انحني)

أقف عارياً في ثلج الريح
وحيداً
كحرف الألف
ولا أنحني
أتمرد على كل الآلهة
ولا أنحني
أخرج من نار وادخل في نار
ولا أنحني
اعتقد بالتقاء النقيض بالنقيض
ولا أنحني
امتزج بالرماد
ولا أنحني لسواك.
(من ديوان "قلب الحب")

العبارة البيضاء

هذا ملمح من قاسم حداد. وهو أسكت كل عناده في عبارته الأخيرة الواضحة والبيضاء، وقدَّم قامة شامخة لا تنحني إلا للحب وللمرأة دون سواهما. هذا الكسر الإنساني والتعبيري، هو امتياز حداد في تنكبه الحياة والشعر. وهو إذ يوغل في هذا الكسر الذي يُعلي ولا يتقصَّف
يقول حداد في (الحب أبواب) من ديوان (أخبار مجنون ليلى) (1996)
(الحب أبواب. عبرها قيس كلها. ونحن في العتبة. باب المودة: قميصك الأثير كلما تهيأت للعيد. فرو الهواء يلثمك فتألف. كأنها الطفولة عن كثب. تشخص إليه كلما لمحت ظله. وتأنس.
باب الشوق: يلج بك موج الليل مثل قارب غريب. تُحسن العوم فتغرق. شغل عن السوى. وحده لك. وردة الجمر تزدهر كلما هبَّت الريح.
باب الولع: زفير الجنة. وقت من السحر في الروح. ليس إلا هو. نوم مهلهل وحلمٌ نصف موجود. تطير في الريش والجناح ولا تهجع.
باب الهيام: يمضَّك فتصفو مثل نيلج وتشَّف. عقل رقيق وجنون شاهق. وحدك له. تتذكَّر وتنسى ولا تعود. تترفُ في بهجة الحواس.
باب الشهوة: عرس أخلاط. هلع في العناصر. جحيم وجنة وما بينهما. وحدكما. تختلج في الغياب والحضرة. داء بلا دواء. كله ولا يكفي.

مجرد تحية

مع قاسم حداد، قصائده، انت حيال طفولة عن كثب وعقل رقيق وجنون شاهق، وجسد لم يخلع درعه الأخير مثل حصن ساهر يتبادل أنخاب الجليد في هدأة الوحشة. حداد الذي له صلابة الحجر ورهافة اللهفة قدَّمنا له وقاربناه لمجرد الحدث الإصدار، ومجرد التحية.
رافقت قصائد حداد رسومات نديم الكوفي المولود في بغداد سنة 1962 والمتخرج من قسم فن الطباعة في معهد الفنون الجميلة عام 1985، ثم من قسم النحت في أكاديمية الفنون الجميلة عام 1990، والدارس لفن الخزف والتصميم الطباعي في هولنده بين عامي 1996 و2001، وعرضت أعماله في سبعة معارض فردية في المغرب والأردن وهولندا وفي معارض جماعية عديدة.

(عن جريدة (السفير) - الثلاثاء 05 مارس 2002 14:10


إقرأ أيضاُ