إلى جدي مقرن بن زامل
أمير شرق جزيرة العرب
بما فيها الحسا والقطيف والبحرين
إلى أول أمير عربي قاوم الغزاة البرتغاليين في الخليج العربي
أرمي جسدي في الماء.
فأراهُ سفينةَ ترابٍ، تسعى بين منازل اللؤلؤ والبترول والهامور
وقصائد السراب الأبيض من خلايا الموج.
جسدي يحملني .
وما زلتُ أغوص فيه،
لأكون أنا والماء من كهرباء الظنون.
هو العمودُ
يتمددُ في الطول وفي الارتفاع.
وأنا لمبّةُ الذرّوة.
أعرف كيف يُغردُ الطوفانُ لحظة انقلاب الماء
على أقدامهِ.
وكيف تكون النفسُ موجةً
يملؤها الله بالليل وبالكؤوس على مائدة التخوم
في فراديس النطف،
حيث يتشكلُ البحرُ في قصبتي الهوائية
متاحف للغرقى،
لأتجردُ من عظامي وأذوب فيه ،
قطرةً تسكنها شعوبٌ الهجرة في عصر تبادل الرحلات
داخل اللغات وخارج السيوف..
أنا في جسدي ماءٌ يَضيقُ بالحوت الأزرق
وبالمناسك التي يتركها صيادو الأحلام وبائعو البخور والتوابل والعبيد على طريق الحرير أو عبر رأس الرجاء الصالح.
أو لأقل أنا من نسل الطين.
أو لأقل إنني مصابٌ بأعاصير تشبهني في هوريكان.
أقف في مرآة الخليج
لأقرأ بحر الظلمات كتاباً في داخلي.
وأرى عذاباً قديماً لم تستطع الزلازلُ محو نقاطه
من العيون والدفاتر وجدران البحر.
لمَ كلما لمستُ مياهاً ،
أصبحتُ باخرةً تغوص بين أرجل الموج.
وكأني منقذٌ لاستخراج تواريخ غرقى أعرفهم
أو بعضهم أو أحمل عطر واحد منهم يذكرني
بغزاةٍ مروا بنا سحب موت وهلاك
ليس عندي غير شبكة الريح.
وسأرحلُ للصيد في أعالي الكلمات.
خلفي شجرٌ وأسلاكٌ وألغامٌ وآلهةٌ يتصدرون موائد
الأساطير.
ومعي مطرقتي لكسر الحدود في الموج
وفي التاريخ وفي البصريات ..
أنا حفيدُ مملكة الجبور في البحرين.
أشقُ الآن غرفَ الماء بصوتي مستذكراً غرقى
يزرعون في المحار أرواحهم وينزلون سلالم الموت
دون خون ولاهم يحزنون .
تلك صورهم في جوف المياه .
خيوط سيراميك مُعشق بالأحلام.
عظامهم مراكبهم تغوصُ وتطفو.
والملحُ آخرُ ما في كؤوسهم من ثمالة الوجود.
أوراق على امتدادي في الجذور. والأسماء والجيوش والشباك .أنا الشعرُ السفائني لإصلاح الخريف من شعوذة الزمكنة.ليس في يدي ممحاةٌ كبرى لذنوب الأمم القديمة .وأعرف كيف أمضي بشطب الشحوب عن مرآة الأرض.جسدي ساعةٌ تعلمني الميكانيك.وليس الخراب نظرتي الأخيرة.هل من تابعِ للعقل هنا؟سألتُ ظلي قبيل استراحتي في الظمأ .هكذا قلتُ في سبورة التاريخ البعيد،وأنا أقطعُ الطريق البحري في الخليج،مستنهضاً ممالك جدي الأمير مقرن بن زامل حاكم شرق جزيرة العرب في الإحساء والقطيف والبحرين. كنت في نقطة الألم المظلم، حيث القرصان البرتغالي أنطونيو كورّيا يقطعُ رأس الأمير الجريح راسماً صورته على الدرع بالدم..
هامش:
أيها البحرُ
يا جسداً أعمى.
يا مجرى الرحيل والغزو والبلاجات.
أيها الماءُ
يا حافلةَ سكارى الطوفان
ها نحن طاقمُ الشيطلائكة ننظف القصيدة من شوائب القتل
ونقتبس الحبّ من البحر رغيفَ
ذكريات لمشردين في أعالي الغرام.
أيدينا كؤوسٌ
ولنا في كل أسطورةٍ حانةُ لا تشيخ.
الآن لا بحر .
أرى أطلالاً ومنازلَ باطون مسلحٍ ترتفعُ ما بين النفس و الكتب
الآن أرى وراقين يؤلفون الخيبةَ بأحمر الشفاه ،وعمال هنود وأجانب ٌ من مختلف الأعراق يحاولون ترميمنا على الشواطئ. اللغةُ مكسورةٌ ،ونحن بقاع الليل نشتعلُ على حطبٍ من الموسيقى القديمة.وها تراني أصرخ بالتراب:
.سيرى أيتها الأرضُ كرةَ بلاستيك .
أنت الآن بلا أنبياء .
الخليجُ بطون يملؤها الفحمُ،وتستغرقها مراكبُ الأجانب من نقطة الفؤاد إلى عين الشمس.وكأنني أولدُ على الماء وأفرُ إلى طواحين المدن الكربلائية .ثمة أرضُ مسفوحةُ النبض.أرضٌ وحيدةٌ لمنافي الدم والطحين والكلام.
والتاريخُ مُبخَرةٌ بمخيلة هجرةٍ ممتدة من البحرين إلى دجلة.إلى أقاليم اللغات.إلى ال
نحن ذوائب تلك النيران وهي تتطاير.وهي تشرحُ البلاغة وتكتب القصائد بالملح وبماء الذهب. ألسنا همس قرامطة وعلى حرائقنا يُسقفُ السمك قبالة تمثال أبي نؤاس.
يا لتلك الكؤوس العالية ،عندما تمزجُ ثمالة السيف بخمور تتبخر من عظام المراكب تحت وهج أغسطس.
أيها الأمير المرصع بماء الياقوت الأحمر ..
يا من غرفتَ البحر بملعقةٍ وشربت الموتَ .
ها أنذا أستحضر تاجكَ في شعوبٍ لا تنتهي.
أستحضركَ من منازل السحاب المتحركة.من الريح العابرة في بريد الله.أستحضرك من تربة اللغة ومن تراب النظر المتطاير فوق غلاف التاريخ.أيها الأميرُ النائم ُ تحت المطر لا تحت الشاهدة الصخرية .ذراعك لن تنخفض.
هامش:
ما زال الأميرُ في قيلولتهِ بين الأعاصير.
والقصائدُ ثيابهُ المغمورةُ بالزمن .
فيما النومُ
لم يحن وقتهُ على ظهور تلك السفن
بعد.
هامش:
يتحسسُ رأسهُ بين المدافع
هرقلاً.
ومن ثم يغرقُ في أعماق الأبد ِ.
هامش:
على الماء
الوردُ الجبوري
شاعر عراقي يقيم في الدنمرك
aaj_001@hotmail.com
هامش:
مقرن بن زامل (ت. 2 أغسطس 1521) هو حاكم شرق جزيرة العرب, بما فيها الحسا والقطيف والبحرين وآخر حاكم الجبور للبحرين. وقد هـُزم في معركة، في 27 يوليو 1521، أمام البرتغاليين الغزاة الذين أخضعوا جزر البحرين في 1521. ولما كان قد اُسـِر في المعركة, فقد مات ربما متأثراً بجروحه بعد بضعة أيام. القائد البرتغالي, أنطونيو كورّيا, لاحقاً رسم رأس الملك مقرن النازفة على درع أسرته.
مقرن ارتقى سدة الحكم بعد وفاة أحد أقوى الحكام الجبريين, أجود بن زامل, الذي يحتمل أن يكون جد مقرن. مقرن كان أحد ثلاثة أشقاء جبوريين حكموا فيما بينهم إمارة بني جبر التي ضمت الساحل الشمالي لعُمان ومنطقة البحرين-القطيف; مقرن حكم المنطقة الأخيرة من عاصمته في الحسا. وقد رفض أن يدفع الجزية للتحالف البرتغالي-الهرمزي المتوسع والآتي ليسيطر على كل الطرق البحرية, مما دفع الحليفين لإرسال قوة غزو لإخضاع البحرين [2].
وقد أشار المؤرخ المصري العربي ابن إياس إلى مصرع الشيخ مقرن في سرده لأحداث عام 928 هـ (1521 م) في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور" إذ كتب يقول:
“ وأشيع قتل الأمير مقرن أمير عرب بني جبر متملك جزيرة البحرين ... وكان أميراً جليل القدر، معظماً مبجلاً، في سعة من المال، مالكيّ المذهب، سيد عربان المشرق على الإطلاق، وكان قد أتى إلى مكة وحج في العام الماضي، وكان يجلب إلى مكة اللؤلؤ والمعادن الفاخرة من المسك والعنبر والعود والقمارى والحرير الملون وغير ذلك من أنواع التحف، وقيل أنه لما دخل مكة والمدينة تصدق على أهلها بنحو خمسين ألف دينار، فلما حج ورجع إلى بلاده لاقته الفرنج في الطريق وتحاربت معه فانكسر الأمير مقرن وقبضوا عليه باليد وأسروه فسألهم أن يشتري نفسه منهم بألف ألف دينار فأبى الفرنج ذلك وقتلوه بين أيديهم ولم يغن عنه ماله شيئاً، وملكوا قلعته التي كانت هناك، واستولوا على أموال الأمير مقرن وبلاده، وكان ذلك من أشد الحوادث في الإسلام وأعظمها، وقد تزايد شر الفرنج على شواطئ البحر وسواحل المحيط الهندي [3]. ”
والواضح أن ابن إياس لم يعرف بتفاصيل المعركة التي دارت. فالمصادر البرتغالية تشيد بشجاعته وتذكر أنه مات متأثراً بجراحه التي أصيب بها في المعركة. وربما كان الشيخ مقرن قد عرض دفع ما في ذمته لملك هرمز من ديون العوائد المنقطعة والتي كانت السبب المعلن لتجريد الحملة. غير أن الهذه المفاوضات فشلت، وعلى إثر ذلك اشتدت المعارك التي أصيب فيها الأمير العربي. وقد يكون قد عرض الفدية بعد أسره. [1]
الرحالة الإنجليزي من القرن التاسع عشر, جيمس سيلك بكنگهام في سرده لأحداث الغزو انتقد بشدة المعاملة "المهينة" لجثمان مقرن:
“ أثناء رحلات البرتغاليين في تلك البحار, الإحساء كانت مقر ملك, تخضع له جزر البحرين وميناء القطيف; وهناك قصة في التاريخ البرتغالي عن ذلك الوقت, وتحكي القصة عن تجريدة من هرمز ضد البحرين, وعن مـُكـْرِم Mocrim [الملك مقرن], ملك الأحساء Lahsa, الذي رفض دفع الجزية للتجريدة. ولذلك استولى على البحرين جيش مشترك من البرتغاليين والفرس; وقد قام أنطونيو كورّيا, قائد البرتغاليين, بإضافة لقب البحرين لاسمه. وخلال المعارك, كان الريس خرافو Reis Xarafo, (الشيخ شرف الدين), قائد الأسطول الفارسي, يتابع الأحداث كمتفرج غير مهتم; ولكن بعد هزيمة الملك مقرن واصابته بطلق ناري في فخذه ثم أسره ثم وفاته بعد ستة أيام وبعدها أخذه البرتغاليين ليـُدفن في الأحساء. عندئذ فقط قام هذا المشاهد الجبان ذو الدم البارد بالذهاب إلى البلدة, وقطع رأس الملك مقرن, وأرسلها إلى هرمز. ما بدى على نفس القدر من الخسة كان, قيام كورّيا, القائد البرتغالي, لتخليد نصيبه من هذا الحدث, فقد حصل على إذن ليحمل رأس الملك النازف على درعه, والذي ما زال يحمله حتى اليوم, كما يخبرنا مؤرخ بلاده, المولود من نسله [4]. ”
الرأس المقطوع ما زال أحد مكونات درع كونت لوسا Lousã, سليل كورّيا في البرتغال [5].
ويعتبر الشيخ مقرن بن زامل أول حاكم في المشرق الإسلامي يستشهد في معركة ضد المستعمرين البرتغاليين. وهزيمة مقرن بدأت نحو ثمانين عاماً من الحكم البرتغالي للبحرين.
مثل سابقيه, فقد تمتع مقرن بنفوذ واسع في نجد. وفي عهده, ما نسمية اليوم بمدينة الرياض كانت تـُعرف باسم مـِقرن, والتي يعتقد بعض العلماء بأن الاسم الحالي هو اختصار رياض مـِقرن (أي "حدائق مـِقرن"), التي صارت لاحقاً "الرياض."
المصادر
- a b علي بن إبراهيم الدرورة (2001). تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف. أبو ظبي: منشورات المجمع الثقافي.
- Juan Cole, Sacred Space and Holy War, IB Tauris, 2007 p37
- ابن إياس. بدائع الزهور في وقائع الدهور.
- James Silk Buckingham Travels in Assyria, Media, and Persia, Oxford University Press, 1829, p459
- Charles Belgrave, The Pirate Coast, G. Bell & Sons, 1966 p8
http://www.marefa.org/index.php