أسعد الجبوري
(العراق – الدنمرك)

أسعد الجبوريالغابةُ وحيدةٌ.
رأسٌ شاسعٌ يمتلئ بالحمام الزاجل
والثعالب والثعابين وكهوف الذكريات.
وثمة فرصة للنار هناك
للعري هناك
للتأمل هناك
لمقابلة الرصاص الذي يخترق جسدكَ
أو جسمَ فراشة.
الغابةُ أمٌ بلا حيض.
الغزالُ عاشقٌ مريضٌ .
العشبُ سريرٌ مُكفهر الخصائص.
وفي كأس اللبوة جدرانٌ تنمو
دون شغف .
كأن الثمالةُ تهدمُ الأبراجَ
ولا تريد إلا عضلات الخيال.
كذلك هو الكنغرو القريب من شجرة
البلوط النائمة في حضن إبليس..
ما أشبهه بالصفر
إنه يحملُ الأرقام والاميلات في جرابهِ
ويمضي بقيافة عالية.
الغابة ُ هي الأخرى تتحركُ مغادرةً
جغرافية الورق.
وذاك الجسدُ
كأنه بذرةٌ في قاعٍ نار .
وتلك النساءات اللائي هاجرنّ فيكَ
طويلاً ،
قد تسمعُ حطامُ أجنحتهنّ مع بقايا
تفاحٍ تبخرت منه الشهواتُ.

كان الليلُ مربيتي الزنجية.وأنا وِلدتُ كثيراً.هنا وهناك.مرةً مع الجاز العراقي في أرياف العيون .ومرةً مع نجوم قاسيون الملطخة بغبار عربات المهاجرين وأحمر الشفاه.ومرةً مع امرئ القيس في قطارات تغوص في بطون الصحراء .ومرة مع سلمون يشقُ تخوم فنادق اللا نوم.حيث ترتدي ثلوجُ الاسكندناف الحانات لتغطيةِ الأرواحَ برماد أغانٍ تتبخرُ من شقوق الأمواج .ليل وفئران تحت الوسادة.مياهٌ وأحلام ُ برؤوسٌ ملوثةٍ بالسالمونيلا .الأرض هنا قصيدة تشبه زهرة عباد الشمس .والعدمُ مرآة صافية لشيوخ الذاكرة ،وهم يتلقمون كؤوسَ الكحول مثل قنابل الهاون .
في أسفل الدماغ..الأهوارُ .تمضي بعيداً بعيداً في مرآةُ جلجامش.والكتابة رسومٌ تخمينٌ أرقامٌ افتراضٌ مركبٌ من أجل نوح. كي يأخذ الأرضَ من ظهرها ،ويسيرُ أميلاً نحو هاوية مرسومة هناك .يتبعهُ غجرُ القصائد المخلوقين من أضلع الرياح،وهم ينشرون الرقصَ مصابيحَ شديد الشبق، ومُسمدّة بحطام أفئدة ومفاتيح مهجورة في الأعين والأبواب واللغات .يا للهذيان.لم تعد اللوحةُ تستوعب جثةَ المصباح.
حبٌّ اثر حبّ..
أرضٌ اثر أخرى..
والأبدُ اللوحةٌ تتفتتُ في العظام.ألسنا قبوراً بين طبقات أجسادنا الزرقاء، نتطلعُ نحو العالم من الثقوب. ومتأملين ذات الوقت ذئاباً تلعبُ الاستغمايةَ بكرات دمنا المفتوح حوضاً لسفن من بقايا سلالات الفايكينج .
الآن . ثمة أثداء مبعثرة لفتيات تتقاربُ أشكالهن مع نساء الجيشا ،حيث تنهض حولهنّ الوحوشُ.وهنّ قطعُ لحمٍ ملفوفةٍ بالضباب .

هامش أول:

لا يهدأ الواحد (1) إلا عندما يكون زائد واحد
هكذا يعتقدُ السريرُ ذو الأغطية البنفسجية
وهو يبلغُ ذروة الأمواج.
فيما تتكسرُ.
الشراشفُ بين السيقان
وتستعصي على النوم وخلافه.
1+1=الروض العاطر
2-1=لقمة شاورما دون سمنٍ
في الحياة.
الماء لا يكبرُ في النهر.
إنه يمشي في النهود أبيض بلا رقابة.
إنه يتبخر
إنه يهلك
إنه قط لا يشيخ.
والعاشقُ قبل الكتابة صاعقةٌ
متجمدة.
ربما تستعجلُ الخروج من الكهوف
للتشرد في الموانئ.

هامش (ب):

ننزل طائشين في الغناء العراقي
ثيابنا في الريح
والطبولٌ فوق جثاميننا
تكشُ ذبابَ التاريخ .

2

الليلةَ يأتي السعيرُ إلى الورق مبكراً . والعقلُ الذي يملؤني ببراكينه قليلاً ، قربان على طاولة كانت لنا في منتهى الآثام.وما تركنا السموات إلا ثياباً لنا.نحن قوافل النجوم في مجاري اللغة ،ولا أنزلتنا أرواحنا في غير معادن النار. نحن الطوابعُ المختومة بطواحين الجميلات .سنرتفعُ كالعصافير في أعالي حقول التبغ .سندخنُ تأملاتنا على مقربة من الغروب.ونطلقُ شهواتنا جراداً في أودية الزمن، ملتهبين بما نقتبسُ من حمى تلك النهود الطائرة فوق الصحراء. كل ذلك من أجل أن نتقنَ الغناء في الحبر المستخلص من النزوة. ألسنا شهداء كثر. وتقصمت أقدامنا قبل أن نتساقط في قلوب تلك البلدان كرزاً مُتعَباً في منتهى الحنين .الكؤوس بين الأصابع تذوي أمام مرآة الفراغ.وكاتبُ النصوص غارق في الريح،وحوله الفراشاتُ بعطر الأسبرين.البحرُ على منضدتي يحتفلُ
وكلما سقطت مني كلمةٌ في الماء ،أراها باخرةً محملةً بالحرير وبالجنّ وبالزنجبيل.قلتُ للشاعر المتسكعُ في التعبير:قم في اللغة،فهي محارةُ الزمن.قم .أنت نوحٌ.ولا ضريح سيستولي على أرواحنا بعد الموت أو قبل الحبّ في الجسد .

هامش أول:

تعال نلعبُ بخرائط الموسيقيين.
كأن نتركَ زريابَ في حجرة الترومبيت.
ولحية شكسبير بوجه الماغوط.
تعال نجربُ النومَ شريحةَ لحمٍ
على السرير.
ثم نرتعشُ قليلاً أمام فتاةٍ الجمباز
الروسية.
بعد ذلك نفرُ من الجسد
قرناً إلى أمام.
إلا تشعر أنهاركَ التي ترسبتَ منها
وهي تهدمكَ الآن تمثالاً تحت وقع هذا الشتاء الجاف
مثل مبنى من صفيح.
الآن..
كل كلمةٍ شجرةُ دمٍ محترقٍ
في الفم.
والنصوصُ غرفٌ غارقةٌ بفيتامينات
الجنس.

3

لا بأس . سيجلسُ دمعي معي .فهو سطورُ كمنجةٍ تسكنُ جسدي بين طبقات الرياح.وأنا لا اعتراض .أيامٌ في أيام.ونسواني مدفونةٌ كالعربات بين طيات رمالي .أو في أوراق تَخلقُ فيها يداي البشر والموانئ والعطور والعواصف لا فرق. أنا لستُ للمحاكاة.أعرف هذا جيداً.لأنني ولدتُ في الرياضيات أبناً ضالاً .وولدتُ ميتاً أيضاً في الفقه وفي المعادلات،ولا شغل يجمعني بصراط الكتابة المستطيل.
أكثر من هذا النفسُ أرضٌ شاقةٌ قصيةٌ مزدحمةٌ بالمقاهي والغربان وتلال العشب ومراقد الأديان والذهول الزائد في شاعر لم يبق منه غير بوتريه شبيه بمدخنة مهجورة.
كم من المدن تحاول قبضي بلا هوادة.المدنُ مخازن.المدنُ بطاريات .المدنُ أغانٍ.المدنُ أصابعٌ تجري في لحوم الكائنات. وأنا لا أنسى تراباً أسودَ كان يرافقني إلى أصابعي في الورق على الدوام.
أفكرُ في النهر حبراً..كنا نسهرُ على ضفافه مع خبز الشعير ورواية لوليتا وخنجر السمك المعقوف وأناشيد السجون وغيفارا بيومياته المُبخرة بالأدغال والبارود وسحاب سيكار الهافانا. كنا نختلطُ بالخمر بالغيوم بهجرات الغرام من غوطة الشام إلى كباريهات النصوص .وكم فتاةً لا تنام هناك. أقصدُ بين طيات الياسمين الدمشقي ،حيث لكل امرأةٍ حضنٌ يفيضُ بالكافيار الأبدي .وحيث أغلب العاشقين تخوتٌ مشوشةٌ بالأسلحة وأخاديد الكتب وحبوب منع الحمل والمخابرات وجوارب النايلون. كنا نحمل الأساطيرَ مدناً على ظهورنا .وخلفنا كلابٌ تطرزُ المدى ليومٍ باهت في الإيديولوجية .

هامش أول:

أرمي القلبَ في حديقة
الأوكسجين.
تنيناً مخضباً بسيوف وقنابل .
وأحاولُ التحررَ من النهار بتغليف العينين
بغيوم لها ملامح ليلٍ شديد الكهولة .
و
و
وثمة امرأة تبكي بدمعي عليّ
ولا تكف عن مطاردتي بكلابها في الجمر
الأسود .
أو على جسر فكتوريا.

هامش (و):

عنقه الطويلُ مبلطٌ بالبرق..
وتخرجُ منه سنونواتٌ للكتابة بحبر
الرياح عن حركات الرادار تحت فستان مطربة
التلفزيون .
مقابل ذلك.
ثمة شخصٌ يشعرُ بمطرٍ ثقيلٍ
يزحفُ منهُ خارجاً.

هامش(ط)

الحريةُ دمٌ يعولُ عليه.