المستقبل - الثلاثاء 11 آب 2009 - العدد 3390 - ثقافة و فنون - صفحة 20

جهاد الترك

التأويل والترجمة

تتناول هذه الدراسة الهامة، العلاقة الوثيقة بين الترجمة والتأويل. وهي شبيهة، الى حد بعيد، بتلك العلاقة القائمة بين اللغة والكلام، خاصة عندما تكون اللغة معبرة عن حالة من النظام كما هو الوضع في اللسان والترجمة. وأيضاً كما تشير اليه الحال حينما يكون الكلام معبراً عن الفاعلية الحية والممارسة العملية لمسار الفهم في سياق التأويل من أجل التوصل الى أفضل كشف ممكن عن النص وخلفياته. وإذا كان التأويل وثيق الصلة بعملية الفهم، فإن من شأن الترجمة أن تجعل النص قادراً على الانتقال من مرحلة الفهم الى مستويات الإفهام. والأرجح أننا نصبح أمام تأويل مزدوج يتحقق عبر مسارين وزمنين منفصلين، يسهمان في بروز عوائق يصعب تجاوزها من دون إحداث خدوش عميقة في هوية النصوص. الأمر الذي يؤثر سلباً على تماسكها الداخلي.
يرى مؤلفو الكتاب أنه سواء تعلق الأمر بالتأويل أو بالترجمة، فإن العامل الموضوعي المشترك بينهما، يتحدد كلاهما انطلاقاً من الأبعاد اللغوية بكل ما تنطوي عليه من بنيات معقدة. إذ أن جانباً منها يتعلق بثنائية اللغة والفكر. إذ يرى أنصار استقلالية طرفي المعادلة، أن اللغة يمكنها أن تنقل محتويات الفكر من لغة الى أخرى. بينما يرى اتباع نظرية تطابق الفكر مع اللغة، أن الترجمة تطرح منظومة من الصعاب تتجاوز إطار المستوى التطبيقي لتضعنا في مواجهة مباشرة مع الهوية الداخلية للنصوص في لغاتها الأصلية، يقتبس مؤلفو هذه الدراسة مفهوم الفيلسوف الألماني الكبير، هيدغر، الذي كان يؤمن ايماناً قاطعاً بأن اللغة تمثل ما يصح وصفه بالتجلي الوجودي للعالم. وكأن اللغة هي التي تمارس فعلها سواء تعلق الأمر بالترجمة أو بمسار التجربة التأويلية، وصولاً الى أن يتكشف لنا العالم من خلال صوره الغنية وشخوصه المتداخلة بكل زخمها وتجاربها الحياتية.

تلحظ هذه الدرسة في ما تناقشه من محاور، في هذا السياق، أن التأويل الذي نمارسه في العادة داخل لغة ما، لا يمكن أن يحدث الأثر نفسه عندما نقوم باستبدال نظام اللسان الأصلي بنظام آخر، كما هي الحال بالنسبة الى الترجمة. ثمة صلة وثيقة تربط بين اللغة والأمة أو بين اللغات والشعوب. بمعنى أن اللغة قد تمارس تأثيراً حاسماً على طرائق وأساليب التفكير لدى شعب محدد. لذلك من الصعوبة بمكان أن نتصور بلورة لوعي فكري خاص بأمة ما بالاعتماد على لغة أخرى مغايرة ومختلفة عن اللغة الأصلية. فاللغة، في هذا المجال المعقد ليست شكلاً فقط يتوجب علينا أن نزوده بمضمون أو محتوى محدد. وفي العموم، فإن الترجمة بمختلف قياداتها تعترف أنه إذا كان ممكناً تحقيق الحد الأدنى من التواصل من خلال الانتقال من لغة الى أخرى، فإن هناك فائضاً دلالياً تختزله العلامات الكبرى للغات الأصلية لا يمكن نقله بكل حمولاته الزاخرة من اللغة الأم الى اللغة المستقبلة. وفي المقابل، تشدد هذه الدراسة على أن التأويل الذي نمارسه داخل لغة ما في فترات مختلفة، بطريقة واعية أو ضمنية، لا يمكن أن يظل محافظاً على الخصائص والسمات عينها. ومع ذلك، فإن اللغات جميعاً، لا تستطيع، خصوصاً في المرحلة الراهنة، أن تتجنب التأثيرات المباشرة التي تمارسها عليها اللغات الأخرى من خلال عملية الترجمة.
ثمة اعتقاد ميتافيزيقي قديم، في هذا الإطار، تتطرق إليه الدراسة بغية مناقشة القضية من زوايا أخرى، يفيد بأن البشر تعوزهم القدرة على قول الشيء وفقاً لمواصفاته الأصلية. وكان القديس اوغسطينوس قد عزا هذا الأمر الى أن البشر يخضعون في إشارتهم الى الأشياء الى ما تفرضه حواسهم الخارجية. لأن الكلمة الأصلية التي تتطابق مع الأشياء لا تكشف عن نفسها عبر وساطة اللسان البشري. إن هذا التصور الذي دحضته الدراسات اللغوية والفلسفية الحديثة، ظل مؤثراً، بدرجات متفاوتة، على علاقة الإنسان باللغة وبالآليات التي يستخدمها الإنسان من أجل فهم محيطه والتعامل معه بصيغ ملائمة. ومع ذلك، تتوصل هذه الدارسة الى الاعتقاد بأنه سواء تعلق الأمر بالترجمة أو بالتأويل، فإننا نسعى في الغالب الى مقاربة النصوص في جوانبها الماثلة أمامنا. وليست لنا قناعة راسخة بأننا نملك القدرة الكافية على الإحاطة بمختلف معانيها وصولاً الى محاولة استنفاد كل شحناتها الايحائية والدلالية.

إن الهدف الأساسي لهذه الدارسة يتمثل، في الأغلب، في تزويد القارئ بمنظومة من المفاهيم الأساسية التي تعنى بموضوع التأويل بمدارسه المتعددة. وهذا ما يفسر تنوع الإشكاليات المطروحة، وبالتالي سعيها الحثيث من أجل الربط بين الجوانب التراثية والمنطلقات الفلسفية الحديثة والمعاصرة. بدليل أن المواضيع تنوعت لتشمل مجالات التصوف والخطاب الديني في الثقافة العربية الإسلامية، إضافة الى الأسس الفلسفية للتأويل لدى عدد من كبار المفكرين اللغويين في القرن العشرين. وذلك انطلاقاً من جملة من المفاهيم التي تعنى بالتفسير والفهم. ويتضح من خلال قراءة أبحاث هذه الدراسة أن معظمها بدا خاضعاً لما يمكن اعتباره جاذبية التأويل المضاعف. ويبدو هذا المنحى الفلسفي جلياً في كتابات المفكر الفرنسي، جاك دريدا، الذي دافع عن أهمية التأويل وخطورته في مجال فتح آفاق واسعة للقارئ في سياق تعامله مع النصوص.
يتضمن الكتاب الفصول الآتية: سر الترجمة وهاجس التأويل (احمد ابراهيم)، أبعاد الترجمة والتأويل في فلسفة جاك دريدا (معروف مصطفى)، التأوسيل والتصوف عند ابن عربي (حمادي هواري)، التأويل والعلوم الإنسانية عند جورج هانس غادامير (تروين مصطفى)، غادامير: هرمينوطيقا العمل الفني وأزمة الاستيطيقا (عباس الشارف)، فلسفة التأويل من شلاير ماخر الى دلتاي (نابي بو علي)، التأويل بين الفهم والتفسير عند بول ريكور (سواريت ابن عمر)، الخطاب الديني وإشكالية التفسير والتأويل، دراسة حول الاختلاف والاتفاق (د. عبد القادر)، من أفق الانتظار الى أفق التوقعات من أجل جمالية للتلقي (عيساني محمد).

الكتاب: التأويل والترجمة.. مقاربات لآليات الفهم والتفسير.
الكاتب: مجموعة من الباحثين.
الناشر: بيروت، منشورات الاختلاف، 2009.