جهاد الترك

الرؤية الشعرية وسيط ضروري بين العالم في تحولاته واللغة في تحولاتها. يبدو أن الأمر كذلك، على الأرجح. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية عينها، عندما تنطلق من ذاكرة اللغة الى ذاكرة العالم والكون، فإنها لا ترى في هذه الصيرورة، الا نفسها. لا تحقق إلا ذاتها. وهي لدى اصطدامها بما يعترض رحلتها من ذاتها الصغيرة الى ذاتها الكبرى، لا يهمها كثيراً ان تكتشف ما خفي عنها من الأشكال والدلالات و"الحقائق" المتحولة. تبدو أكثر اهتماماً واعتناء باكتشاف قدراتها التي تمكنها من إعادة تشكيل العالم على نحو دائم. كلما قطعت شوطاً من هذا السبيل أصبحت أقدر على استنهاض ذاكرتها في اللغة. أصبحت أكثر مرونة على استشراف العالم المتوغل عميقاً في الذاكرة القديمة لمفرداتها.

أربعة نماذج من النصوص الشعرية في هذا السياق من بين كثيرات غيرها، توحي فضاءاتها التعبيرية بشيء كثير من هذه التصورات الأولية، هي: "الوجه الخامس لمسلة الأنا" لشوقي عبد الأمير، عن دار "الغاوون" في بيروت، 2011. "نيون أحمر" للشاعرة المغربية منى وفيق، عن "دار النهضة العربية" 2011. "كتاب الشظايا" للشاعر المغربي محمد الأشعري، عن "دار النهضة العربية" 2011. "الجمال العابر" للشاعرة الإماراتية ظبية خميس عن "دار النهضة العربية" 2011.

لكل من هذه الإصدارات تقنيته الخاصة به في اكتشاف العالم من خلال اكتشاف التحولات المفترضة في اللغة ومفرداتها. ومع ذلك، تشير هذه النصوص الى محاولات جادة ومبتكرة وأحياناً مدهشة في الكيفية التي يستخدمها هؤلاء الشعراء الأربعة لاستكشاف العالم في اللغة قبل الاحتكاك به في الرؤية الداخلية أو الخارجية. ولعل في هذا التصور هامشاً واسعاً، على الأغلب، في حركة هذه النصوص وهي تتنقل بين اللغة وذاكرتها، وبين هذه الأخيرة والعالم، وبين العالم وذاكرته. أيهما أسبق الى الوجود: الرؤية التي تنطوي عليها ذاكرة اللغة، أم العالم كما يتجلى في ذاكرته المستكشفة؟ لا أهمية، على الأغلب بين هذه وتلك طالما ان العالم يقيم منذ القدم في اللغة. وان هذه الأخيرة تقيم في الكون منذ الأزل.

الوجه الخامس لمسلة الأنا

خمسة نصوص هي قوام هذه المجموعة، تذهب بعيداً وعميقاً في ظلال التاريخ الفرعوني. وتعرّج في طريقها، وهي تعيد ترتيب هذه الظلال في الذاكرة، نحو محطات تاريخية أخرى لها وقع القضاء والقدر في قراءة مختلفة للدلالة الشعرية المتوخاة. فضاء الكتاب مقتبس من هذه الخلفية بالتحديد. غير أنه لا يبقى كذلك بعد أن تنفذ الصورة الى مكونات هذا الحدث أو ذاك لتحيله مشهداً مكثفاً للكيفية التي يستخدمها شوقي عبد الأمير وهو يستنبط منها ما غاب عن الحدث وحضر في الذاكرة. الصورة الشعرية، في هذا السياق الغامض لفكفكة الخرافة التاريخية تمهيداً لإعادة صوغها وتركيبها في مفردات تتميز بذاكرتها الخاصة بها، هي مزيج، على الأرجح من هذه الأجواء جميعاً. ومع ذلك، يفرد الشاعر لها حيزاً واسعاً للافلات من اسر الخرافة والتحليق عالياً في الدلالات الخرافية للغة.

يجتهد عبد الأمير في صوغ هذه المعادلة الدقيقة بين الخرافة في امتداداتها الكونية، من جهة، وبين اللغة في تشعباتها البعيدة في الذاكرة لتصبح هذه الأخيرة، في نهاية المطاف، ظلاً للخرافة، والأسطورة ظلاً للذاكرة. اللغة في هذه النصوص ترتقي الى مصاف الاثنتين معاً. ولعلها تتجاوزهما في قدرتها على جعلهما من الظلال الضرورية التي ترتحل اليها وصولاً الى المعنى المتحول. في هذه الأجواء المفعمة بالمشاهد المدهشة لتحولات الخرافة وتداعياتها في ذاكرة اللغة، تخطو مفردات النصوص خطوات نوعية الى الأمام ليس لاحتضان ظلال الخرافة وتجلياتها فحسب، بل ليصبح بمقدورها كذلك ان تجعل من نفسها نصاً موازياً لها الى حد كبير.

يجعل عبد الأمير من فضاء هذه المجموعة مكاناً نموذجياً لاختبار هذه المعادلة الصعبة. والأغلب ان اختياره مادة النصوص برمتها لهذه الغاية ينطوي على مغامرة تستجمع الكثير من عناصر الدهشة المتوافرة من الخرافة واللغة ومفرداتها. لا خرافة خارج اللغة التي تطل من خلالها على الذاكرة الإنسانية. ولا خرافة كذلك خارج إطار المفردات التي تتشكل منها اللغة. ولعل المفردات، كل بمفردها، تتحول لغة في قلب اللغة وفقاً لحجم الايحاءات وكثافتها ومردودها على الرؤية الشعرية.

شيء كثير من هذا القبيل في الكتاب المذكور لعبد الأمير. خصوصاً في محاولته الجريئة للارتقاء بالصورة الشعرية الى ظلال الخرافة، أو الاقتراب منها بالقدر الذي يفسح في المجال أمام تشكيل متجدد لطبيعة الخرافة وصيرورتها من داخلها.

[ مختارات من شوقي عبد الأمير

كنتُ هنا
مع رمسيس الثاني
عندما كان يبحثُ عن هيكل يرفعه
فوق قبره،
ولم يجد إلا أخمص قدميه
وياقوتة عينيه.
كان أبو الهول
يضعُ كمّادات من الريح المالح
فوق شفتي الدلتا
ليُوقظها.

كنتُ هنا
في برميل ديوجين الإغريقي، أصيحُ بالاسكندر:
"أزح وجهك عن شمسي".
كان هيراقليطس
يتمدد فوق سفح هيليني
ليقيس الشمس بحافر قدمه.
"والصاعقة
تُمسك بدفة الكوكب الإنساني".
كانت جيوشُ الاسكندر
تمرُ تحت أقدام خوفو.

يأتي
منقوعاً كالآبار
أوزوريس
الظفرُ الملكي الجسدُ الآهل بالموت
حُجبٌ كالنطفة أو كالسرّة،
أعشابٌ أدعيةٌ وضفائر أنثى
يحملها الملكوت.

***

وهناك العراق،
تشظّى قناديل من لازورد
وأقعى كذئب المخافر محترساً
في الرواق
ولا ظفرٌ لا اعتناق
هُناك السواد المؤزرُ بالنخل
يهفو الى طاعة الجُرح مُكتنزاً بالأضاحي
هناك المها والعرارُ
اللغاتُ رُقىً
والأناشيد أحفادُ حُمّى
عناقيدُ جلجلةٍ لا اقتدارُ.

كان ندىً قديماً يقطرُ فوق جبهتي
دمٌ سال من عُنق يمامةٍ سومريةٍ
ذُبحت بين مسقط رأسي
ورأسي
زغبٌ في عصفٍ
ثلجٌ استوائي
صعودٌ لدمٍ خاثرٍ
إناث هُبوب تترجّلُ:
أقدامي.

كتاب الشظايا

XXXXXXXXXX نصوص كثيرة أدرجها محمد الاشعري في نص واحد. لعل المقصود بذلك أن رؤية شعرية موحّدة تشد اواصر الكتاب بعضه الى بعضه الآخر. لا بداية قاطعة لنص ولا نهاية له. قد يبدأ نص، في هذا السياق، في نص آخر. وبالمثل قد لا ينتهي في نص مشابه له. ولعل النص بمجمله لا يبدأ ولا ينتهي. وحدها الرؤية تنسكب من نص الى آخر لتجعل من الكتاب فضاء نموذجياً لصيرورتها في عالم الدلالة. والأرجح ان الرؤية، في هذا الاطار، هي البنية المتحركة والمادة المتحولة التي تبحث عن نص لتتجلى فيه. ومع ذلك، فهي تنفر من النصوص ذات الاشكال الهندسية المحددة. ينساب الشاعر مع رؤيته المتفلتة من الحدود والقيود والاشكال المسبقة. يتعقبها في اللغة والمفردات بدلاً من ان ينصرف الى تعقب النص في اشكاله المختلفة.

الرؤية الطائفة فوق النص وفي ثناياه الداخلية وفي محطاته المختلفة في الذاكرة، تتميز بشيء كثير أو قليل من "الاستباقية". وهذا قد يؤول بالضرورة المستوحاة من الكتاب، الى انها تضع نفسها في سباق مع نفسها. تسرع الخطى، على الأغلب، لتسبق نفسها في رحلتها الطويلة الى اكتشاف الصورة ودلالاتها. من هنا، تلك المفردات المتكونة من مادة ضبابية بمقدورها أن تتشكل استباقياً. الرؤية، في هذه الحال، ذات ذاكرة استباقية بشكل او بآخر. ذاكرة تصنع محتوياتها على ما ينبغي ان يكون، ليس في المدى القصير فحسب بل في المديات الطويلة أيضاً. السباق لالتقاط الصورة التي لم تولد بعد ولعلها لن تولد في ما تشير اليه نصوص الكتاب المتجسدة في نص واحد. والملاحظ أيضاً، ان الرؤية تتطور في اتجاه غياب المعنى اي ظلاله المحتملة.

يجتهد الاشعري من خلال اصراره، من محطة الى اخرى، في تصويب رؤيته نحو هذا الهدف الافتراضي، إذا جاز التعبير. من هنا، تقلباته المتسارعة، المتكاثرة، المتغيرة بين معنى وآخر، بين دلالة واخرى. كلما ازدادت لديه غريزة استشراف الظلال في اماكنها البعيدة، ازدادت هذه التقلبات وتسارعت وتيرتها. قد يستهدف الاشعري، من بين ما يستهدف، الصورة الغائبة بظلالها المتوارية عن الأنظار. يدنو قليلاً أو كثيراً من هذا الهدف المفترض، فإذا بهذا الاخير يبتعد قليلاً أو كثيراً في مرمى الرؤية. من اجل ذلك، يسعى برؤيته الاستباقية الى اختصار المسافة نحو ظلال المعنى. غير انه يحجم عن ذلك. رؤيته الاستباقية تسبقه. او انه يسبقها. لا فرق في ذلك. الصورة المغيبة تتعذر رؤيتها إلا بظلالها. والطريق الى الظلال طويلة. ولعلها متعذرة. لكنها مشوقة وممتعة، ولا بد من المحاولة.

[ ..و محمد الأشعري

كيف لي أن اعبر نهرا لم يعد في أي مكان سوى في حلم بعيد، كيف لي أن أعيد ترتيب ضفاف بعثرتها لحظة تردد، حين كنت على وشك العبور، ولم اعبر، كان يكفي أن اضع المتاع الذي جمعته في حريق كبير، وأن أتأمل على ضوئه أصابعي، إذ لا أجمل من يد خاوية، تكاد تكون فراشة، أو نيزكاً يذوي، كان يكفي أن أجلس على حجر الى جانبك لأتأمل الماء الذي سيحملنا أو سنحمله، ولأدرك الى اي حد يصبح النهر ثانوياً أمام فكرة العبور. أو لأدرك ان لحظة أبدية تفرش لي بساطاً لأنثر عليه صلاة من أجلك، وانني لن أفعل شيئاً أمام الندم الذي يحدق في صمتي، بعيني سمكة بائسة. ما أقل ما ينبغي لنصبح هناك، ولكن إذا تبعثرت الضفاف، كيف نعثر على الهناك؟

تصلني الأصوات نحيفة
كأن زجاجاً داكناً يفصلها عني
فأمد يدي لأمسكها
لعل ذلك يجعلها أكثر وقعاً
ما أغرب ملمس الأصوات
إنه قطني أو حريري
لزج أو سائل
رملي أو عشبي
زجاجي أو معدني
سميك أو سطحي
فاتر أو ثلجي
إنه ملمس فروة بيضاء

مندسة في تنفس بطيء
فروة كسولة
لا تقوى على فتح رموشها
ولا تكبر بين أصابعي
فروة بكماء
كأنني ألمسها عبر زجاج سميك
نيون أحمر

ثلاثون نصاً متفاوتاً في الحجم متقارباً في استجماع عناصر الصورة الايقاعية، تتعقب من خلالها منى وفيق المشهد الشعري وهو يقترب من الانفتاح على عريه الغامض. ولعل المقصود بذلك ان لا تسوية مع الصورة المتكونة في الذاكرة إلا بجعلها مكشوفة على مواقع التناقض فيها. والأرجح افساح المجال امامها لتظهر الوجه الآخر القبيح للاشياء والاحداث وهي تتحول من معنى الى آخر، من شكل إلى آخر. الرؤية الشعرية، في هذا السياق، تتمثل في هذه الدلالة بالتحديد على الأغلب. في جعل النص مشرعاً بالكامل، إذا جاز التعبير، على السقوط في اللحظة المناسبة، في هاوية غير متوقعة. في متاهة البحث عن المعنى الذي غالباً ما يكون مضمراً او مختبئاً تحت القشرة الرقيقة للغريزة المتوحشة من دون ان تعبر عنه علانية. على هذا الاساس من انجذاب النص الى متاهة الغريزة، يصبح الفضاء التعبيري للنصوص مقفلاً على الخارج، منفتحاً على الداخل. وبالمثل، تنقلب الصورة الشعرية على ظلالها الأقرب في الذاكرة لتنصرف بعد ذلك الى اكتشاف ظلالها الأعمق في ما تستبطنه الغريزة من رؤية مغايرة الى الحياة والعالم والكون. والأهم في ما يبدو من تداعيات هذا الانكفاء الى الداخل والانسحاب من الخارج، انه يصبح بمقدور الغريزة أن تعيد تشكيل الاشياء وفقاً لذاكرتها المنطوية على نفسها، المتدفقة من ذاتها الى ذاتها.

كل من نصوص هذه المجموعة ينحدر بصوره الى هذه المتاهة العارية. الى حيث لا يعود المشهد مألوفاً، بل مغرق في التسلل الى ضرب من الدلالة السوداوية التي تفكك المعنى الى اجزائه ذات المنحى العنيف. القسوة، في هذا السياق، هي الذهاب بالذكرة الى الاتجاه المناقض الذي يحمل في طياته هول المفاجأة. تحرص منى وفيق، على نحو تلقائي، على الأرجح، على أن تمارس الصورة الشعرية فعل الغدر المتعمد بنفسها، تطعن ذاتها في الظهر ثم تكمل طريقها لتطعن ذاتها مرة أخرى.

[ ..ومنى وفيق

XXXXXXXXXX حين أمسكت ظل العمر أخيراً.. افلت العمر.
بي تعب تدعكه الطريق بدأب
ودمي ليس من ضمن الحقائق.

ايها الفقراء ما بعد الحداثيين
الجافون كنقط الحذف
الراغبون في كتابة نصوص فردية
المختلفون حول التيه والانفلونزا

حب هو موت
موت هو حب
يبدأ الموت من باطن القدم
يبدأ الحب من باطن القلب.

هل كان التاسع والعشرون من مارس
غاضباً منّا الى هذا الحد
لرفضنا عضويته الفخرية؟
حاقداً علينا مثلما نحقد نحن الآن
على الجمل العاطفية القصيرة.
على عجلة من امري
احرق الحطب عالياً امامك
عندما أتورط

بعدد المرات التي أضربوا فيها عن الطعام
كانوا يأكلوننا.
بعدد المرات التي حاولنا فيها الاضراب عن الكتابة
كانوا يأكلوننا.

يشتد المطر
فأدرك أكثر
ان الصديق مظلة مثقوبة.

جربت كهرباء الموت
وجربت كهرباء الحب
وأعرف انني
ميتة
لا محالة
في حادث سيارة
أكون قد جرّبت فيه
وللمرة الوحيدة
وضع حزام الأمان.

الجمال العابر

XXXXXXXXXX كثرة من النصوص لا يفصل بين احدها والآخر إلا رقم صامت على الأرجح. ولربما كان بمقدور ظبية خميس الاستغناء عن هذا الترقيم من دون ان تحدث خلخلة تذكر في فضاء الكتاب ما دامت النصوص جميعاً يتداخل بعضها في بعضها الآخر. او ان بعضها ينحو منحى الآخر في الدلالات المزمع التعبير عنها. قد يعزى ذلك، بشكل أو بآخر، إلى ضرب من الابتهالات التي تحتفظ بها الذاكرة وتتشبث بها كما هي في علاقتها مع الاشياء والانسان والكون. لا يخلو نص من هذا الاحساس المحكم بنمط من المفاهيم التي تستخدمها الشاعرة لتجد لنفسها مكاناً أو مستقراً في هذا العالم. وهي تفعل ذلك في سائر النصوص من دون استثناء. ومع ذلك، فهي لا تبدي ميلاً أو تظهر رغبة في اعادة انتاج هذه المفاهيم التي تبدو متوارثة في الكيفية التي يجري التعبير عنها في المجموعة. ولعل الصورة الشعرية، في هذا الفضاء المغلق قلما تقترب من مفاهيم هذه الابتهالات لتعيد تشكيلها في الذاكرة. لتحررها من بوتقتها الجامدة. أو لتبتكر لها ظلالاً شعرية بغية الارتقاء بدلالاتها من التسليم المسبق الى الرؤية المختلفة على مستوى المفردات التي تبحث عن ذاكرة مستجدة. الابتهالات التي تقارب بها الشاعرة عظمة الخلق والكون واعجازاته المدهشة هي المادة الرئيسية لهذه النصوص. من هنا، تدور الصورة الشعرية حول هذه المسائل بأشكالها المسلم بها. ثمة ما يحمل المشهد الشعري المتحول بالضرورة، على أن يتخلى عن طبيعته المتحولة هذه للحؤول دون ان يصار الى استخدام هذه الترانيم الابتهالات مادة أساسية في تكوين الصورة الشعرية. ولعل خميس تريد بذلك ان تظل ابتهالاتها المطلقة بمنأى عن المتغيرات البنيوية العميقة التي يرجح أن تصل اليها المفردة على خلفية من رؤية شعرية تسعى الى اعادة تشكيل الكون وفقاً لمنطقها الخاص بها. تسترسل الشاعرة في استعراض ما تختزنه ذاكرتها من هذه الابتهالات احساساً منها، على الأغلب، بالسكينة والطمأنينة والحاجة الى التوازن في عالم غامض ذي لغة غامضة. تكتفي من هذه الابتهالات بأن تكون على مقربة منها. ترى فيها صورة شعرية مبتغاة في حد ذاتها.

[ ..و ظبية خميس

في غرفة الأعمى يسكن النظر
وعلى صهوة الجواد الفتى الحي قد ولى.
كرامات الادعياء والأنبياء
مغارف الغيب
في جب الشاهد.
او لسنا من طين وماء
تغدق علينا السيول ببشريتها

وترتص الشواهد فوق التراب.
افعال التفضيل فوق مهرة التفصيل.
كواكب ودر
وجماجم ورمل.
فليذهب الفتى الى فتواه
ولتكن الزعانف طريقنا الى لجة البحر.

من صفو الأيام ومن كدرها
نشرب يا صاحب السبيل
وصفوها قليل.
ولا نرتوي..
شغاف الشعاب ظامئة
محفور فيها العطش
نسيه الماء يا صاحب السبيل.

من نحن في هذه الصحراء
من نسينا.. ومن يتذكرنا
حينما يصمت العدم صمته الطويل.

لي حال أراوغها
وفي الصمت
كلام يعزف
القول
رماده نار
وناره ظل من ظليل.
وهذا الهوى يفتنني
لا وجه له..
ظل أتبعه، أراقصه.
أحدثه..
وحيث يميل، أميل.
خذني الى نور أهدابك
في خفوت الظل
الذي فيه أطير.

المستقبل
الثلاثاء 26 تموز 2011