اسكندر حبش

فوزي كريمتبدو كتب الحوارات قليلة في المكتبة العربية، وهي تكاد تكون معدومة، فيما لو قارناها بمثيلاتها التي تصدر باللغات الأجنبية، إذ لم يعرف بعد هذا النوع من الكتب حضوره الأساسي، ويبقى الأمر مقتصراً على محاورات فردية تجري بين الفينة والأخرى. لا أقول إنها غائبة كليّاً، إذ عرفت السنوات القليلة الماضية صدور عدد من هذه الكتب التي تنتمي إلى هذه الفئة، لكنها في النهاية لم تأخذ حجمها، وبالتالي لم تلعب دورها المنوط بها.
ربما لا يمكن تحديد أسباب عزوف دور النشر عن المضي في هذه التجربة، وإن كانت في النهاية تجربة مفيدة، فأن تكتشف الكاتب وهو يتحدث عن نفسه، لا بدّ من أن يشكل ذلك مدخلا حقيقيا، لا إلى أعماله فقط، بل أيضاً إلى حياته وإلى كلّ العناصر والفضاءات التي شكلّت مناخه. إذ مهما يكن من أمر، فمن المفيد أن يتحدث الكاتب عن تجربته، إذ يفتح أمامنا بالتالي، طرقاً ومسارب لا يمكن تجاهلها لأنها لا بدّ من أن تقود إلى أشياء لا يمكن للنقد أن يقودنا إليها.
بهذا المعنى يأتي كتاب «إضاءة التوت وعتمة الدفلى» (دار المدى، وهو عبارة عن حوار طويل مع الشاعر العراقي (المقيم في لندن) فوزي كريم، أجراه معه «حسن ناظم» الذي كان أصدر سابقا كتابا نقديا حول تجربة كريم بعنوان «أنسنة الشعر». من هنا، يأتي المحاور من تجربة وافية مع شعر الشاعر، أي يملك فكرة واضحة عن التجربة، ليدخل عبرها إلى الأسئلة العديدة والمتعددة التي يضمها هذا الكتاب.

وفوزي كريم من أبرز الأسماء العراقية في جيل الستينيات الشعري، ولد في بغداد العام 1945، تخرج من كلية الآداب، قسم اللغة العربية عام 1967، وقد غادر بغداد نهائياً في منتصف السبعينيات ليأتي إلى بيروت قبل توجهه إلى لندن حيث لما يزل حتى اليوم، وقد تعددت إصداراته لتزيد على عشرين كتابا في الشعر والنقد والترجمة والموسيقى، بالإضافة إلى مجلة «اللحظة الشعرية»، وهو إلى جانب هذا رسام.
عديدة هي المحاور التي يتناولها حسن ناظم ويطرحها على فوزي كريم، من هنا يأتي الكتاب غنيّا بأجوبته، ليقدم صورة واضحة عن تفكيره وعن رؤيته للأمور، هو المشغول بقصيدته الخاصة التي ميزته منذ مطالع تجربته. بيد أن المحاور هذه لا تتوقف فقط عند الحالة الشعرية البحتة، بل تذهب إلى أبعد، ليتناول كريم جملة من القضايا: الوضع العراقي، سقوط نظام صدام، علاقته بالشعراء الآخرين ونظرته إليهم، وإن كانت هذه النظرة لا تخلو أحيانا من «تصفية حسابات»، على الأقل هذا ما أحسست به، لكن ما يجعلنا «نتقبلها» أنها آتية من تجربة فكرية، بمعنى أنها تحاول أن تقدم رؤيتها المعمقة للأمور لا أن تسقط في الشتيمة. من هنا ربما قد يختلف قارئ ما مع نظرة فوزي كريم، لكنه لا يستطيع شطبها إذ إنها في النهاية تمثل وجهة نظره، أي رؤيته إلى الأمور، وعلينا أن نتعلم في النهاية كيف نقبل الاختلاف.
حوار واسع، يطل على داخل الكتابة وداخل العوالم التي يتحرك كريم في فضائها، من هنا قد تجوز تسمية الكتاب بأنه «محترف الشاعر»، هذا المحترف الذي يقدم إلينا تفاصيله المتعددة.

السفير- 5 مارس 2013