علي رشيد
(العراق/هولندا)


صدر الدين أمين تعج أعمال الفنان التشكيلي العراقي صدر الدين أمين برموز واستدلالات وأشكال توظف استعاراته لعالم لم يشأ أن يبارح شروطه ، إنه عالم الطفولة الذي يتمسك به الفنان ، ليس على مستوى المفردة المنجزة تشكيليا ، بل على مستوى البراءة التي تمارس ديمومتها في شخص هذا الكائن الطفل . فأشكاله المبثوثة بعفوية على سطح اللوحة لا تحمل خطابا فلسفيا أو بيانا لمرجعية أيديولوجية ولا إشارات تمويهية ، ولكنها الطفولة بنزاهتها ترسم الكامن بظاهرية من يهفو إلى التمسك بالشكل العالق في الذاكرة حدّ الرهان عليه في التعبير عن حقيقة مواجهة العالم بكل انهزامه وقسوته ووحشيته

يستلهم أمين وبنكوصية لعوالمه الأولى ، الحكايات والأحلام والأساطير والمتخيل والموروث التي شكلت وعيه الطفولي المبكر واستحقاقات الاكتشافالأول والانبهار برمزيتها ، ليعيد صياغة مكنونها الثري لاحقا بأشكال بهيجة وعفوية ، هذه الكائنات المنسوجة بتعبيرية حالمة هي نصوصه البصرية المكتوبة بمحاكاة للطقس الديني والتاريخي أيضا ، خصوصا وأن مرجعيته وتشكله الثقافي يستند إلى حضارة ( وادي الرافدين ) ، حضارة أسست الأبجدية الأولى في عمر الخليقة منذ نشوئها ، و تلمست البدء في استنهاض الخيال لدى الجنس البشري ودفعه لتحريك اليد في تدوين نطقها الأول كحروف وأشكال تؤرشف تاريخ الكتابة ، ولكن عبر الرمز والإيحاء والدلالة والتعبير ، فجاءت مدونات تلك الحقبة لتشكل المفهوم التاريخي للتشكيل بجميع مدارسه وبمسمياته الحداثية ابتداء من الواقعية والرمزية والتجريد.

صدر الدين أمين لهذه المرجعية بشقيها التاريخي والديني وكذلك الموروثي والحداثي يستند الفنان صدر الدين ، ولكنه يقودها لخصوصيته هو ، خصوصية استثمار الطفولة في بناء خطابها البصري ، فهو يتحايل على كل المرجعيات لصالح الرسوم الأولى والأشكال التي دونها بطباشير المدرسة على سبورة الدرس أو حفوريات الحجارة وهي تفتت صلابتها بخلق إشارات ومخلوقات فطرية على جدران المنازل المحيطة بمرتع الطفولة .

شموس مشرقة ووجوه بعيون كبيرة وأفواه مفتوحة تقف على قدمين يختزلان الجسد ، أسماك محلقة في فضاء يتسع لمرحها ، صبية وصبايا مرسومين على هيئة دمى لكنها تنعم ببهجتها وكيانها المتواجد بديناميكية آدمية ، نباتات وكائنات متخيلة وطيور تنتصب كإنسان ، وسطوح مزخرفة ، بجميع هذه الأشكال يخلق الفنان صدر الدين عالما بهيجا ومتسعا للجميع ، وبحرية تتجانس فيها هذه الكائنات والتي تنتمي لتشكلها الأليف رغم اختلاف منابعها الحياتية والتكوينية ، حتى يخيل للمشاهد أن هذه الكائنات تشكل ملمحا واحدا لمجموعة أطفال ينتشرون في فضاء حقل أو ساحة مدرسية أو كرنفال يؤرشف براءتهم ، فالسمكة والطائر والرأس والصبي وكل المخلوقات التي رسمها صدر الدين على سطح البياض لم ينس أن يهبها حجما وحرية وتشكلا ولغة بصرية ورهافة لونية وحركية واحدة .

صدر الدين أمين يتمتع الفنان صدر الدين أمين بمقدرة لونية لا تغفلها عين المتفرج ، بالرغم مما قد تولده لوحته من عفوية شكلية متخيلة ، وحرية لونية تلاحق حرية الكائنات المنفلة من سكونها ، لكن هذه الحرية اللونية لم تكن وليدة الصدفة، بل تستند إلى أساس معرفي وخبرة تراكمية ، فهو يتعامل بمهارة مع اللون في تحفيز الشكل ومنحه التلقائية المفترضة ، كذلك ينقاد للون وبكل تدرجاته، فما بين الألوان الصارخة و الباردة ، ومناطق انشدادهما وتضادهمها داخل العمل ، أو في تفعيل اللون لحدود بعض الأشكال الطاغية من خلال إحاطتها بخطوط لونية كثيفة تبرز ثقل الشكل وتجانسه و شكل آخر مرسوم بخطوط سلسة ناعمة ومساحة لونية منسابة ، محاولة منه لخلق التضاد في التدرجات اللونية المستخدمة في تناغم الأشكال وحدود علاقاتها اللونية فيما بينها أو في العلاقة مع السطح العام ( الأرضية ) التي تجمع كلّ هذه الكتل والأشكال والمرموزات وبتناغم وهارموني يمنح اللوحة بعدا زخرفيا منسابا وسلسا ، نتقبله بألفة وننساق لمتعة وبهجة هذا المهرجان اللوني الصاخب بطفولية تنعكس براءتها على براءة اللون ووداعته . بمهارة الفنان المتمكن من أدواته الفنية يروض صدر الدين أمين كرنفاله المزدحم بالأشكال والألوان وتضادهما بطريقة تجعل المشاهد يأنس العمل ويستقبله منقادا له بعفوية من ينظر إلى رسمة طفل يدون أحاسيسه وعالمه وفنطازيته برهافة الوعي البكر وجرأته المنفلتة من قوانين وشروط تثقل العمل وتعيق حريته ، حتى يخيل إلي أنه يجذب المشاهد لتناص متخيل من الصعب معه النظر إلى العمل إلا كومضة متناغمة ، ووحدة لا يمكن تجزئتها أو قراءة تفاصيلها بمعزل عن العام .

صدر الدين أمين ينجز صدر الدين تعبيريته هو ، فأعماله والتي تندرج تحت مايمكن تسميته بالتعبيرية التجريدية ، لها شروطها الخاصة والتي تتماشى مع القراءة العامة لهذه الأعمال ، فتعبيريته لا تصرخ أو تواجه أو تطرح أسئلة ، ولكنها تعبيرية ترسم حريتها وعالمها ، وتنحاز لكيانها الغض وحلمها البكر وقيامة براءتها . أعمال صدر الدين أمين تحقق واقعا فردوسيا يديم للذاكرة مهمتها في تفعيل وحماية شرطها الأخلاقي في كتابة نصها البصري دون انحياز لوصايا الآخرين .

لفنان صدر الدين أمين من مواليد 1963كركوك - العراق ، درس الفن في أكاديمية الفنون الجميلة بغداد ، شارك في معارض داخل العراق ومنها الواسطي ، أقام العديد من المعارض في ولاية بنسلفانيا الأمريكية حيث يقيم و منذ 2001 ، له مشاركات في بلجيكا ، هولندا ،الأردن ، وبريطانيا .