حسين حبش
(سوريا/ بون)

إلى كُليزار.. أمي

1 ـ ترتيل الرؤية:

حسين حبشفي هذا الصباح، كانت أمي تجلس في البيت وحيدة
ترتِّق بنطال أخي محمود الممزَّق من شقاوة البارحة
انغرزت الإبرة في إصبعها، سال الدم حارَّاً على الخيط، تلطخ البنطال
وتشوَّشت أفكار أمي.
أَقْسَمتْ لأبي ولكل الجيران،
إنها رأتني أو رأت ظلي أو رأتني دون ظلي أمرُّ أمامها هذا الصباح
وحين رأتني كما قالت،
ارتبكت من اللهفة وكادت أن تعانقني
لكن الإبرة خانتها وانغرزت في الإصبع.
أرأيتني كنت حقاً هناك،
أم كان قلب أمي؟

***

2 ـ ترتيل الشوق:

أمي
ثلاثون عاماً، وأنا مازلت أركض حافي القلب
كلما وجدت امراة تلبس فستاناً طويلاً، أو تضع على رأسها شالاً أبيضَ
أناديها: أمي، أمي،
أمي..
ثلاثون عاماً وستة آلاف ميل الآن
منفياً من الورد، من إشراقة الصبح ومن وجه الملائكة،
وجه أمي.
ثلاثون عاماً،
كلما كتبت عن امرأة، أو كلما رسمت صورة لامرأة
أراني أكتب عن أمي، أراني أُلَبِِّسُ الصورة ألوان أمي.
ثلاثون كفناً، ثلاثون قبراً، ثلاثون...
أداويها بالأمل، بالإطمئنان، كلما وضعت رأسي
على صدر أمي.

***

3 ـ ترتيل الشغف:

الرقيمات المرسومة على جدران بيتنا الطيني،
الكحل الأصفر للباب،
صورة العائلة المعلقة باعتناء قرب صورة للإمام علي،
بقايا الوشم على صاج الخبز الحديدي،
الحجر الكبير الهادئ أمام الباب والمتأهب دائماً لإستقبال الضيوف،
الرفوف الضاجة بالجرائد القديمة،
المصباح الذي يتفلسف كثيراً بلسان ضوئي طويل،
السجادة المعلقة دائماً للصلاة،
الضحكة المقدسة التي أدَّت كل هذا الشغف، وكل هذا التعب،
هي ضحكة أمي.

من كتاب "غارقون عبر نهر إفروس"