هاتف جنابي
(العراق)

هاتف جنابيزوجتي هَجَرَتْني قُبيلَ مئات السنين
شعرُها كان أكحلَ والنهدُ ملء اليدين
صوتها يَتَزَحْلَقُ فوق جليدِ الكلامْ
حائرا بين أكداس أحلامها والحياةِ الزؤامْ
زوجتي الريحُ في ثُقبِ أوزون حنجرتي
تذكّرْتُها أمسِ ثم عليها
تزوّجْتُ مسكَ الختامْ.

زوجتي الثانية
كلَّ فجرٍ على جثتي تقرأ الفاتحةْ
بَحَثَتْ عن ملائكةٍ رحلوا خَللَ الغيم،
عن صالحينَ وآثارَهم تقتفي فوق الترابِ
لهم مرقدٌ عامرٌ بالشموعِ وطقسِ السؤالْ
سكنَ الوحيُ أجسادَهم فأضاءوا بُرهةً
وتلاشوا وراءَ الأفقْ
ضوءُ أرواحهم لا يُضَاهَى
سوى أنهم حصّةُ الوهمِ في ملكوتِ الغيابْ
فجأةً شرعَ الغسقُ،
يتمددُ في وضَحِ الشمسِ
حتى الطفولةُ صارتْ
تُخَوّضُ في بِركٍ من دماء
الزمانُ يعودُ إلى الأمسِ مُسْتَسْلماً
وأنا صرْتُ لحما يلوذُ بنابِ الزّوَالْ.

زوجتي الثالثة
نسخةٌ من زمان الحريقْ
ترتدي خيمةً وعلى ظهرها صرّةٌ من حديدٍ
فساتينها الداخليةُ خُطّتْ تقاطيعُها من مدارسَ رسمٍ طليعيةٍ
كلُّ لونٍ له قصةٌ خارجَ العقلِ أوسعَ من مَمْلكاتِ الخيالْ
لمْ تقصَ عليَّ حكايَتَهَا
/شهرزادُ ذَوَتْ وانْتهتْ/
لم تَكنْ أبدا
خارجَ الليلِ أكثرَ من شهقةٍ
زوجتي طفلةُ حائرةْ
وأنا دُمْيةٌ من ورقْ.

زوجتي الرابعةْ
بَارَكَتْها السّماءُ فحَطّتْ على نهدها نجمةٌ
كانَ يَحْرُسها سِرْبُ أجنحةٍ وشموسٌ
ويَشْرَبُ من كفّها الآلهةْ
كنتُ أكبرَ منها ثلاثين عاما وعامْ
كسَلُ العمرِ ضَيّعَها
النهارُ بلا جمرةٍ
قبسٌ من ظلامْ.

زوجتي الخامسةْ
لا حضورَ لها
غيرُ أنفاسها اللاهثةْ
قد تكون رَبابا وهندا وليلى
وفاطمةً أو تكون ضُحَى
إنها متعةٌ خالصةْ
خذلتها السنونُ كما يخذلُ البحرُ بَحّارَهُ
فالتقينا على عجلٍ مثل غيم الربيعْ.

زوجتي السادسةْ
من خيوط العناكبِ قُدّتْ
تناكدني كلَّ ثانيةٍ بتغنّجها
حين تزعلُ أخشى تُطَلقني
علّمتني على أنْ أتابعَ آثارها
وحصاني الذي يستبيح المدى
فأرةٌ
دونَ سيفٍ وقعقعةٍ أو صدى
وأنا البدويُّ أغارُ عليها
من الهاكر الأجنبي.

زوجتي السابعةْ
لوحةٌ صامتةْ
لا تُثرثرُ أو تشتكي
لا تغارُ ولا تعتدي
جلسَتْ بانْتظاري صباحَ مساء
يُطوّقُ جبهتَها الياسمين
حبُّها خالصٌ، صدرها ناهدٌ
يتسامى على رحمةٍ خادعةْ
سنواتٍ نسيْتُ الذي قبلَها
زوجتي
دُمْيَةٌ ساحرةْ.

لم أكنْ عادلا فانْتَحَرْتُ
ولا أعرف الآنَ هلْ
أدْخُلُ النارَ أم
أرتقي سُلّمَ الشهداء.

المدى
25-02-2012