هاتف جنابي

هاتف جنابي3. باء لام

"تعالَ يا جلجامشُ وكنْ عريسي الذي اخترتُ...
إذا دخلتَ بيتنا فستُقَبّلُ قدميكَ العتبةُ والدكة"
(قالت عشتار لجلجامش)

أسْمالٌ ملقاةٌ في الطرقاتِ
وأتربةٌ تعلو الأشجارَ، كؤوسٌ فارغةٌ،
أحلامٌ تعوي ليلَ نهارَ وكمثرى لا تدري هل كافورٌ فيها أم طعمُ الهجرِ،
حَذّاءٌ يركض خلفي، يرفو جسدي
هلْ يا ظلي أنتَ ترى مثلي: آلهةَ صماءَ معلقةً فوق الأبوابْ؟
كلّمني، يا صِنْوي، هل بابلُ تبكي خلفَ التلةِ أم ذاك الراعي - الذئبُ؟
/ما عشتارُ سوى حجرٍ ينهارُ جدارُهْ/،
أيْقِظْنِي بعدَ النوم لئلا يتبَعَني ليلي، يكفيني أهلُ الليلِ بظُلْمَتِهم
أيْقِظْني من لطمةِ تمساح الحريةِ خلف مزابلِ بابلَ والمَذبحْ
قلْ لي: هل ضوءُ اللهِ بلا أسلاكٍ والنورُ هو الربُّ شَمَشْ؟
قلْ لي يا مردوخْ: هل ندعو جلجامشَ كي يَذبحَ ثانيةً خمبابا
أم نبني بابلَ أخرى من طينٍ في مجرى النهرِ؟،
- حِذَاءٌ مَفتوقٌ روحي-
أينَ الأنهارُ، جنائنُ آلهةٍ خَدَعُونا،
أينَ النقشُ على الأسوارِ وأينَ الأبراجُ،
أكانَ عليها أنْ تهوي فوق الجسدِ المصلوب؟
لم أدخلْ بيتا والدكّةُ لم تلثمْ قدميّ ولا العَتَبةْ
مثل الأطيافِ أردتُ أمرُّ على أسدٍ يبدو ظلا
مأسورا في أرضٍ كانتْ سطوتُه فيها
بُرجا بشعاعِ الخالقِ مَقرونا
لم أدخلْ، كانتْ أجنحةٌ تتنمّرُ فوقي والرؤيةُ قد غابتْ
في تمثالٍ حجري قد أسْبلَ فجرا عينيه إلى الأبدِ.

قلْ لي يا ظلي:
هلْ مَنْ يتبعني أنتَ أم الجاني؟
لا فرقَ يقول الظلُّ بتاتا
بين النهد الأوّلِ والثاني.

02-09-2011

2. نون فاء

في زيارتيَ الخاطفهْ،
بعدَ قطعِ الخيوطِ، إلى المنبعِ
حدَّثتني الشوارعُ عن وجوهٍ عرفتُ جميعَ تفاصيلها
والتماثلَ بينَ الحضورِ وأسوارها، والغيابِِ وأحلامها
كثرَ الرملُ حتى تخلّتْ يدي عن إزاحته من حذاء اللغهْ
قلتُ يا لغتي متُّ من أجل إحياءِ روحكِ فيَّ وفي رحلتي المكوكيةِ
عبرَ عوالمَ لا تستكينُ بلا مذبحٍ: لا نديمَ لها يرتوي،
كأسُها انْدلَقتْ فوق آثامِها واسْتوى اللحنُ في عُرْفها والصدى-
هل رأيتِ بمقبرةِ العمر ورْدا
زرعتُ وماءً سكبتُ على صدرها؟
هل شبابيك شيّدتُ خلفي، على صوتِ طبلٍ يئنُّ، تُرى أُغْلِقَتْ؟
ثم أكملَ أهلُ السماءِ ريازةَ إيوانها بعدَ أنْ وضعوا فوق جبهتها
هالةً من بريق السلفْ؟

كنتُ أبحث عن لُثغةٍ فوق قُفل الغيابِ نقشتُ بدايَتَها
لم تكنْ لغةُ الغيمِ واحدةً والنجومُ الفصيحةُ راياتُها نُكّسَتْ
والحقيقةُ شَمْعتها أُطفئتْ
غيرَ أنّ القصائدَ ما زالَ يرشحُ من صوتها عبقُ الأمسِ والآخرهْ
والكلامُ الذي أدركَ العارفونَ بدايَتَهُُ حَمَلتْهُ الرياحُ
وصارَ كتابا يُردّد أسطرَهُ الطفلُ والشيخُ والمُسْتجيرُ
وتنسخهُ العاصفهْ
قلتُ يا لغتي،
سأحطّمُ ما في القواميس منْ مرتجى
وأُهيل الترابَ على قبرها
ليَ فوق السحاب بروجٌ ورمزٌ، وشمسٌ أشدُّ ضفائرَها
بالمنائرِ مُسْتَبْشرا بالصباح الفتيِّ وتغريدة البلبل الحائرِ
عجبا، منذ ألْفٍ و"وادي السلامِ" يُؤاخي
نهارا وليلاً ليكنزَ ما جمعَ الحاصدُ والزارعُ
قُلتُ يا لغتي،
لا مثيلَ لهذا التزاوجِ بين الحياةِ وسُكّانهِ،
نستفيقُ بوقع الطبولِ ونغفو على همسةِ الحارسِ الأوحدِ
قلتُ يا لغتي،
هل رأيتِ الفوانيسَ مثلي
تذوب وراء خيوطِ البياض وكانتْ تُمشّط قبلَ قليلٍ
خصلةَ الحالمِ؟

في زيارتيَ المبتغاة إلى النجفِ،
زرتُ مرقدَ والدتي والإمام ولكنني
قد بكيتُ على وطني.

31-08-2011

1. ألف لام

في زيارتيَ الثانيه
للعراقْ
كانَ خطوي غريبا وصوتي يتيهُ بمرآته القمرُ،
حُلُُمِي في زيارة قلعةِ أربيلَ أجّلتُهُ وانْتهى،
في الأزقّةِ خلفَ تعَرّجِ أسوارها والعظامِ التي دُفنتْ
في الجبالِ وفي الأوْديهْ
إنْ صرختَ يَجِئْكَ الصدى
مثل أُنْشودةٍ رَدّدتْها رعودٌ
وإنْ أنتَ في السفحِ احْتميتَ يُطِلُّ البنفسجُ سورا
ويَغْفُ الضبابُ لدى حاجبيكَ
فلا تَنْسَ وجهَ السحابِ ولا دمْعَهُ،
أو سوارَ التي أرْضعتْ طفلها عندَ خاصرة الهاويهْ
ذبحوا قومَها وأهالوا الترابَ على ذكرها
فنَمَتْ روضةً فوق رابيةٍ ثمّ صارتْ مَزارا
تَؤُمُّ إليهِ الفراشاتُ والطيرُ وريحُ الصَّبا

لم يكنْ ذلك الرعدُ مُحتدما في الأعالي
سوى زفراتِ إلهٍ يُؤَبّنُ أكرادَهُ
بعد تشييعِ أحبابه الغائبين.

28-08-2011

المدى- 10-09-2011