هاتف جنابي
(العراق/وارشو)

(1)

هاتف جنابيغابة بالسناجبِ ترفلُ بالبُنْدقِ،
المساءُ كفيلٌ بغربلةِ الغرباء
الثعالبُ تخرج للصيد باكرةً
والطيور تُمَشّطُ ريشَ الندى
بمناقير تمتدّ في كل زاويةٍ
حينَ يرتعشُ الزغبُ المُسْتفيقُ من العاصفه
كلُّ شيء يَشي
أنّ قُطّا تسلّلَ بين الغصون
أنّ فاختةً قد تناثر قدّامَ صفصافةٍ ريشُها
أنَّ فردا تجاوز حدّ الضيافةِ
في لحظات السكون
أنّ أمرا خطيرا جرى
أنّ عُمْرَا تبددَ في لحظةٍ
يا لهُ
منْ مصيرٍ خَؤُون!

وارشو، 20/09/2010

(2)

صباحا ذهبنا إلى غابةٍ
يومُها مثلُ أمسِ
تُمجّدها غفلةُ الزمن
واشتباكُ الغصون ببعض
مَدَاها انفلاقُ الصدى بين آذاننا والتلاشي
عناكبها بينَ جذعٍ وغصن
جسورا وأقبيةً تبتني
نملها ينخرُ الأرضَ منذ قرون
تؤوب السكينةُ مُتْعَبَةً من تراويحها
لا الطريقُ إليها تؤدّي
ولا خطوةُ العارفين.

إذا كنتَ فوق أعالي الشجرْ
كيف يُمْكننا أنْ نراك
وإنْ كنتَ أسفلها
كيف جُنْحُكَ يَحوي الغسَقْ
إذا كنتَ طيرا، ملاكا، سرابا، صدى
فالضياءُ بلا فُرْجةٍ
مَحْضُ طيفِ شعاعٍ
يُظَلّلهُ العشبُ بين خيوط الظلام.

مساءً خرجنا من الغابةِ الآسِره
لحْمُنا نَيّئا كانَ، أصواتُنا تنقرُ الطرقات،
وكلُّ يدٍ نبتةً
كلُّ تقطيبةٍ أملا
ركعةً لصباحٍ جديد.

وارشو، 21/09/2010

(3)

متلفتا حولي،
قريبا من مُلامَسَةِ الغَسقْ
ألفيتُ لوحا مائلا،
سهما عليه
وخلفه شجرا كثيفا
طرّزَ التاريخُ جبهته
وتابعتِ الفصولُ حياكةَ القسماتِ
قلتُ لِعَيْنِيَ اتّبِعِي العروقَ على الجذوع،
تَبَرْعُمَ الآتي على مرأى الربيعِ،
تمددَ الأغصانِ في جسد الأفقْ
وتأمّلي شجنَ المكانِ وعُرْيه
رغم الدّثار مُزَرْكَشَا
وتمَعّني
حَطّابَهُ
وفؤوسَهُ المغروزةَ الأنياب
في رحم الشجرْ
الغابةُ الأولى تُبارك أمسَها

حجرٌ يُحاكي عشبةً،
يَصْفَرّ ثمةَ حالِماً يَخْضَوْضِرُ
كلبٌ يبول على الحجارةِ خلفَ صاحبهِ
ويَمْسَحُ ذيلهُ كعبٌ وفروُ المعطفِ
نتبادل الأدوارَ دونَ درايةٍ
الطيرُ يرحلُ وابْنُ أنثى يبتني
أعشاشهُ وسط الغصونِ الذُبّلِ.

حيث الحجابُ مُسَاويا تشفيره
حيث البهاءُ مدى
حيث المعارفُ حيرةُ الخطواتِ في ترجيعها
فوق الحصى
حيث الطريقُ محارةٌ
نمضي إلى صَدَفِ الكلام لوصفها
طمعا بفكِّ رموزها
حيث العيونُ تَرَى وليس تَرَى
سوى شجرٍ تُظلله السحبْ

كانت نقوشُ بني البشرْ
منحوتةً بمثابة الأخدود
في صدر الشجرْ
حيث الصواعقُ تبتني أعشاشها
والبرقُ يعبثُ بالظلام فُجَاءة
حيث الطريق متاهة
والمُرتجى أثرٌ مَضى

اكْتُبْ على ورقِ الخريف حكايةَ الماضي
فما تنهيدةُ الريح الجزوع
سوى صدى.

وارشو
10/10/2010

جريدة المدى، ع (1944)
25/10/2010