سعدي يوسف
(العراق/لندن)

سعدي يوسف أولُ الكلام
لو كنتُ سائقَ تاكسي
واتّخذتُ ، كما شاءتْ ليَ المهنةُ ، اسماً
صرتُ: روبَرْتو !
لا تَعْجَبوا !
الأمرُ أني في المطارِ
وأنني المُضَيَّعُ حتي جاءَ روبرتو ...
ألقي علي الشمسِ سيلاً من شتائمِهِ
وجاءني بسلامٍ منهُ ...
أنت تري أن الطريقَ طويلٌ
أن عاصفةً كانت ستأتي ...
ولكني أتيتُ !
دعِ المَلامةَ ...
الآنَ نمضي ، ولتكُنْ رجُلاً بين الرجالِ ،
فماذا سوف تكسبُ إنْ أقمتَ في الظلِّ ؟
شمسُ الظُّهرِ غادرةٌ حقاً ...
ولكنكَ المَعْنِي ُّبالشظَفِ !

نيويورك 01.08.2007

في واشنطن سكوَير

غاريبالدي يُغْمِدُ سيفَ الثوريّ ،
وثَمَتَ مصطبةٌ تتمدّدُ فيها طالبةٌ سوداءُ
وتَعْرَقُ تحت الشمسِ .
ورُقعةُ شطرنجٍ ذاتُ بيادقَ في حجمِ السنجابِ
يحيطُ بها بضعةُ أشياخٍ .
قالت سيدةٌ :
ما أجملَ كلبَ القحبةِ !
.................
.................
.................
في 20.11.2008
سيُغادرُ مبني البيتِ الأبيضِ
في واشنطنَ
كلبٌ .

نيويورك 02.08.2007

مطعم الخنزير الأعمي

يقع " الخنزيرُ الأعمي " في الشارع 14
بين الآفِنيو الثاني ، والآفِنيو الثالث ...
ليس هناك مطاعمُ أو حاناتٌ كبري في هذا الحيّ من نيويورك ...
إلاّ هذا " الخنزير الأعمي " !
قالت لي الساقيةُ الإيرلنديةُ ذاتُ الثوبِ الأسود ِ:
نحن هنا إيرلنديّون
إيرلنديّونَ أميركيون ،
أنا إيرلنديّةْ ...
قلتُ لها : هل ستزورينَ بلادَكِ هذي السنةَ ؟
ارتبكتْ كالغصنِ المقطوعِ الساقيةُ الإيرلنديةُ .
قالتْ : لم أفهمْ ما تعني ...
وأنا أيضاً لن أفهمَ حين تقولينَ :
ألستَ تزورُ بلادَكَ هذي السنةَ ؟
...................
...................
...................
" الخنزيرُ الأعمي " يوشكُ أن يكتظَّ ...
وساقيةُ البارِ الإيرلنديةُ تركضُ نائسةَ الخُصُلات .

نيويورك 02.8.2007

حديثٌ في اليونيون سِكْوَير

لا ...
ليسَ بإمكانكِ بيعُ حُلِيٍّ كاذبةٍ في اليونيون سكوَير !
- لكني لستُ أبيعُ حُلِيّاً كاذبةً ...
أنا أنسجُ أقراطاً وقلائدَ
من خيطٍ قُطنٍ !
- حتي هذا لا يُمْكِنُ ...
فالساحةُ ليست سوقَ حُلِيٍّ
إن الساحةَ لي ، ولأمثالي ...
مثلاً : هذا الهنديّ الأحمرُ
يعرضُ قمصاناً فيها الأسلافُ وقوفٌ وبنادقَهم ،
والأسلافُ يقولون :
وقفْنا ضدّ الإرهابِ جميعاً
منذ 1492 ...
هل أدركتِ المعني في قمصانِ الهنديّ الأحمرِ ؟
- لا أدري ...
لكنّ لديّ حُلِيّاً للبيعِ .
أنا امرأةٌ تأكل خبزتَها بيدَيها ...
- إن أصررْتِ خسرتِ !
الشرطيّ المتخفِّي في هيأةِ زنجيٍّ ذي سبعِ ضفائرَ
سوف يصيدُكِ مثل السمكةْ !

نيويورك 03.8.2007

2 طبيعةٌ

عند مكتبةِ الجامعةْ
يختفي الشجرُ الضخمُ تحتَ مياهٍ مجلجلةٍ
ورياحٍ تصيحْ .
عند مكتبةِ الجامعةْ
كانت امرأةٌ تحتمي بالمظلةِ ، مسرعةً ،
ثم تسقط مثلَ جوادٍ جريحْ .
لم نكن نتمرّغُ في مُزْنةِ الصيفِ ...
بَرْقٌ بدا ، يصِلُ النجمَ بالأرضِ .
والرعدُ يأتي ، كأنّ المدينةَ قد قُطِّعَتْ في شِعابِ الجبالِ
............................
............................
............................
تقولُ ليَ امرأتي :
آنَ للطيرِ أن يستريحْ !

نيويورك 04.8.2007

مسبح
Hamilton Fish Park

مبنيً قديمٌ للجماركِ
هكذا يبدو لأّولِ وهْلةٍ ،
لكنه سرعانَ ما يجلو المياهَ خفيفةً
خضراءَ
زرقاءَ
المياهُ خفيفةٌ
يلهو بها الأطفالُ :
صينيّينَ
سوداً
أو هنوداً من معابدِ مكسيكو
ومَتالِعِ البيرو
وقرطاجنّةِ الأحراشِ ...
....................
....................
كيف تقولُ : لستُ الآنَ في نيويوركَ ؟
أنت الآنَ في نيويورك .
أي أن المدينةَ هكذا كانت
وظلّتْ .
فاقترِبْ منها ...
ودَعْ بستانَكَ الورقيَّ يغرقُ في المياه !

نيويورك 04.8.2007

الحيّ الصينيّ

يأخذكَ الحيُّ الصينيُّ إلي الحيّ الإيطاليّ
( إلي ما يُدْعي إيطاليا الصغري )
Lile Italy
إذّاكَ تحسُّ بأنّ عليكَ العودةَ نحو الحيّ الصينيّ
كأنّ الإيطاليين اتفّقوا أن مطاعمهم هي عالَمُهم
أن الإنسانَ هو الحيوانَ الآكلَ
أن العالَمَ مجبولٌ من إثنينِ :
السارقِ
والمسروق ...
.................
.................
.................
سأعودُ إلي الحيّ الصينيّ
لأري لُعَبَ الأطفالِ
وأسماكَ السوق !

نيويورك 05.8.2007

الطيَرانُ الحربيُّ

قد تبدو كلُّ المُدُنِ ، الصبحَ ، جميلةْ
ذاتَ شوارعَ لامعةٍ
ومتاجرَ لم تَفتَحْ أبوابَ مصائدِها ، بَعدُ
ومقاهٍ قد فُتِحَتْ للتوّ
وسيّاراتٍ ماثلةٍ ، كتماثيلَ من المعدِنِ في قاعةِ عَرضٍ ...
...............
...............
...............
قد تبدو كلُ المدنِ ، الصبحَ ، جميلةْ
حتي لَكأنَّ التاريخَ يغادرُها عند الفجرِ
لكي تأتينا
بيضاءَ
مُباغِتَةً
خارجةً من أسوارِ محارتِها
خارجةً عمّا اعتدنا أن نكتبهُ ...
...............
...............
هل تبدو نيويورك كذلك ؟
قد تبدو ...
لكنّ هديرَ الطيَرانِ الحربيّ
يخطفُ لحظةَ غفْلتِنا
وبراءتِنا
ويقولُ مديداً : ل - ا- ا -ا- ا- ا - لا !

نيويورك 05.8.2007

الساحةُ في الصباح الباكر

محطّةُ تحتِ الأرضيّ
في " اليونيون سِكْوَير "
لم تَرسُمْ ، بَعدُ ،خطوطَ الصورةِ :
كان الركّابُ قليلينَ
وعشّاقُ الشطرنجِ بعيدينَ
وسوقُ الفلاّحينَ ، ستشهَدُ ، لكنْ بعدَ قليلٍ ،أُولي العرباتِ ...
الساحةُ تعرفُ أن مصاطبَها
تتحوّلُ ، في الفجرِ ، أسِرّةَ نومٍ
كان زنوجُ الساحةِ يفترشونَ غليظَ ملابسِهِم
ووسادَ حقائبِهم
ويَغِطّونَ عميقاً ...
.......................
.......................
........................
في الشارعِ ، يشتدُّ ضجيجُ العرباتِ الشاحنةِ
الزنجيُّ الأعمي يفتحُ عيناً واحدةً
يُغْمضُها ...
يفتحُ عيناً ثانيةً
يُغمضُها ...
يفتحُ كلتا عينيهِ ...

الساحةُ سوفَ تكونُ الساحةْ !

نيويورك 06.8.2007

بوّابةُ جامعةِ نيويورك
NYU Gate

بُومَتا حَجَرٍ حطَّتا فوقَ بَوّابةِ الجامعةْ
بُومَتانِ بِحجمِ طيورِ الجحيمِ
النحاسُ القديمُ
صَدِئٌ ،
والنباتُ الذي قُدَّ من حَجرٍ حائلِ اللونِ
قد صارَ مثلَ الترابْ ...
ليس من أحدٍ عند بوّابةِ الجامعةْ ،
وطيورُ الحديقةِ غيرِ البعيدةِ
قد هجرتْ ، منذُ قرنٍ مضي ، مدخلَ الجامعةْ ...
( إنه البومُ ... )
كان الصباحُ يَعُدُّ الثوانيَ ...
هل ينطقُ الطيرُ عندَ المساء ؟

نيويورك 07.8.2007

صباحٌ مختلفٌ

كانت في السوق الصيفيّ ، بقايا من عاصفة الليلِ المطَريّةِ
ثَمَّ نسيمٌ رطبٌ
وغصونٌ أعمقُ في خُضرتِها
وفواكهُ تبدو قد قُطِفَتْ قبل دقيقةْ ...
كم أهوي أن أجلسَ في مصطبتي
أكثرَ
أكثرَ
أكثرَ من ساعةْ !
لكنّ الشمسَ الصيفيةَ تقتربُ ،
وعَلَيَّ ، أنا الخاسرَ ،
أن أبحثَ عن ظِلٍّ
أن أبحثَ عن شجرةْ .
......................
......................
......................
لَكأني في الصحراء. !

نيويورك 08.8.2007

القدس العربي
26/09/2007