عناية جابر
(لبنان)

عناية جابر' يا لها من فتاة شقراء، تباً! إنها مارلين' كتاب من تأليف نورمان ميللر، كان صدوره في طبعته الانكليزية عام 1980 تحت عنوان : of women and their elegance
وفي طبعته الفرنسية عام 1982 تحت عنوان :memoires imaginaires de marlin حتى ترجمهُ بسّام حجّار الى العربية عام 1996، والتنفيذ والتوزيع لدار الجديد.

كتاب غريب حزين، شهواني ممتع في حلول ميللر في رأس مونرو وفي استعارته فكرتها عن الحياة والشهرة والرجال. كتاب ننحاز اليه كما ننحاز الى خطايانا خفية، وكنت قرأته مراراً على مدى سنوات صدوره، وأعدت بالأمس قراءته متأملّة هذه المرّة في ترجمة الشاعر الغائب حديثاً وفي أسرار انشداده الى هذا الكتاب، رغبة منّي في نظرة بانورامية الى الشاعر الذي يبدو من خلال اختياره هنا ترجمة مثل هذا الكتاب تحديداً (المعروف عنه انه لا يترجم سوى اختياراته الشخصية) بكل الإشراق الحسّي والتلذذ المجهول المصدر الذي يفوح من الترجمة، ويُحيل بأمانة الى محطات في حياة مارلين الفاتنة، والى ذكريات (بحسب ميللر) عن أقرب المقربين إليها: آمي وميلتون غرين .

لا يقدّم الكتاب عرضاً تاريخياً للوقائع، ولا يرغب بأية حال، في الإيحاء بأنه يُعبّر حقيقة عن أفكار مارلين مونرو أو أيّ من الشخصيات التي يرد ذكرها، مع ذلك يُقنعنا ميللر أن مارلين من تسرد، ونشتبه في اختيار بسّام أن شيئاً في روحه وجسده يتّقد من خلال ما نُقل عن تلك الفاتنة. ودودة وجاهلة وكريمة في بذل فتنتها، وفي إصغائها الى جسدها. إمرأة مُستلبة تحت الأضواء، مرفوضة عاطفياً وفكرياً، ومرغوبة بشدة في اكتمال استداراتها التي تُنهض 'الأنثى' فيها وتمنحها الكثير من اللذة والمتع الماديّة .

ترجم بسّام حجار الحيّي، المنطوي، حياة مارلين المفلوشة جسدياً، بروية وسعادة بالغة انعكست واضحة في المفردة المغناج، والمنتقاة بمزاج عذب وعابث. كانت مارلين انفعالية حيال روائح الأجساد الذكورية، مُثارة اغلب الوقت، وغير مُكترثة في الارتباط بعلاقة جادّة، مادامت علاقتها بالعالم قد تضررت ومادام اليُتم والتنقّل في بيوت الرعاية قد جرّدها من الثقة بالنفس وبالآخر. لا تقّدم مارلين في سيرتها المفترضة هذه، أية تبريرات مُخففة، لهمجية رغباتها وفوضاها، فجسدها ملكها يخّص كل الرجال، ولا يخّص أحداً في آن. أمضت الشقراء أغلب عمرها القصير في السرير، فريسة رغبة جنسية لا ترتوي (تعويض الفقد والانتهاك) كما لوجسدها كتلة من الجنس محشورة في أنبوب، يكفي الضغط عليه قليلاً ليتدفّق الى آخره.

أقرأ في كتاب نورمان ميللر، وأسأل مُحتارة في غبطة بسّام العمل على ترجمة أكثر الفاتنات حسّية؟ ما الذي يستغرق حجار فعلاً في مثل هذه السيرة الساخنة، هو الناحي مناحيه الروحية في الشعر وفي الترجمات والخائض في روحانيات اليابانيين واهتمامات روائييهم بالأرواح المتناسلة من جيل الى جيل؟ في بورخيس وعماه، في بونفوا، وأين جسد مارلين المتشظي من طقوس الشاي الصارمة، واين براعم الخوخ في الحدائق الأمبراطورية ممّا تبرعم في صدر مارلين ونضج؟ أذكر لهفته الى ترجمة هذا الكتاب، حتى أنه في الإهداء المُذيّل لي كتب يقول: 'مارلين هي أنت وأنا حيث الأشياء متساوية، الروح كما الجسد، ومرة أخرى مختلفة، وعليك يا عزيزتي ألا تستغرقي في البحث عمن نحن فعلاً .'

ما كان يُمكنني المصالحة مع غريزية مارلين، إلا بقدر ما يمتصّ جسم كيماوي، جسماً آخر لا يناسبه. لااعرف أن انفلت الى الخارج. أتلصص عليه؟ اجل، لكنني لا أخطو اليه. الداخل ـ قلت لبسّام ـ هو صنعتي السعيدة وبراعتي. لكنني قرأت مارلين وبسّام بنجاح سرّي، وبمسيرة قراءة صامتة كما لو اقلّ همسة منيّ تجذب الشياطين إليّ.

ربما كان اصل العيش هو هذا الجسد تحديداً، فكرّت، لم أكن اريد أن أناقش حبور وغبطة بسّام في اختياره، وانتهيت بأن قلت له أن الكتاب ممتع، وقلت بأنه يستحق القراءة لكن هذا الفضاء الجنسي الفسيح، ليس فضائي .
لم تعرف مارلين أيّ أمر عن التمثيل، الحياة، الحب. لم تعرف أيّ شيء على الإطلاق، عرفت فحسب عدد المرات التي غادرت فيها السرير. إمرأة استيقظت من نعاس الطفولة، فوجدت القناعة جاهزة بكل عطايا جسدها. لم يستدعها أحد لتصنع خلوداً، ولا لتلعب دوراً خاصاً، ولا هدفاً عظيماً، أو ثانوياً. آمنت فحسب بما كان يرويه لها جسدها والرجال جلهّم في ذلك الوقت ذهبوا صرعى ذلك الجسد. طيبة جداً مارلين وجميلة جداً.

القدس العربي
مارس 2009