'ستاينغ ألايف' staying alive أغنية فرقة ال'بي جيز' التي اكتسحت الإذاعات في السبعينيات ليست مجرد أغنية جميلة، بل يُمكن أن تنفع أيضاً في إنعاش القلب العليل. هذا ليس اجتهادي بل ما أكدته دراسة أجرتها كلية الطب في جامعة 'ايلينوي'عملت على استخلاص أن إيقاع الأغنية هذه، يجعل القلب يدق بمعدّل 103 ضربات في الدقيقة الواحدة، المعدّل الأمثل بحسب الدراسة، لإنعاش القلب والرئتين. (cpr) دراسة علمية، وروحية في أحد اوجهها قام بها ديفيد ماتلوك، تُفضي الى نتيجة تقول بأن إيقاع هذه الأغنية يترسّخ في الرأس ويولد معدلات الضربات المطلوبة التي تُوصي بها جمعية القلب، بغية إنعاشه وبعثه مُعافى، حيوياً مُفعماً بالصحة والشباب .
ليس غريباً أن تنتظم ضربات قلب مريض، وتنتعش، من جراء سماع أغنية جميلة بصوت جميل، وإيقاع يفعل الكثير في الهارموني ما بين الأحشاء والروح، مع الأذن الأداة الواصلة بيننا وبين الجمال، كما بيننا وبين الصخب والقبح. مُكالمة تلفونية هامسة تصلك بمن تُحب وتشتاق، تُحييك. هل نتحدّث بدورنا من دون كثير اجتهاد ولا دراسات ولا من يحزنون عمّا تفعله في مؤشّر ضربات القلب ـ وهذا من تجربة شخصية فحسب ـ أغنية من وزن 'الشّك يحيي الغرام'؟ وماذا في المؤّشر المجنون للضربات حين يصلنا التملّك الهائل في خواتيم الجُمل الغنائية التي تصلها أم كلثوم حتى حدود الإعجاز؟
ثم ألا يدق القلب مليونا وألف دقة في 'النوم يداعب جفون حبيبي' وفي 'إيمتى الهوى ييجي سوا' حيث الدّق في الذروة حين تُغني السيدة 'وتميل عليه .. وتقوله ليه .. طاوعتني .. ما هي غلطتك!! قبل أن يلتف صوتها في ختام المذهب: 'في شرع مين يا مُنصفين .. العمر كله لوم .. بـ لوم' الذي تختتم به الأغنية. أحسب أن قلبي هنا يُسجّل أعلى معدلات الطرقات في بورصات الدّق العالمي .
الجماعة الغربيون طبعاً، أجروا دراستهم القيّمة والمجتهدة هذه، من دون الأخذ في حسبانهم أنني أتنطّح للمزايدة عليهم في عدد ضربات القلب، ليس إزاء الأصوات الجيدة والموسيقى العذبة والإيقاعات الجميلة فحسب، بل أمام الجمال بكل تجلياته في حدوثه في العين والقلب: اللحم الفتي، البحر، المطر، كثافة صوت من نُحب، الناس الكئيبي المزاج، روما، طنجة، نصّ يجعلك ترتجف، فكرة الحب بحد ذاتها، العيون المُبتلة اللامعة، الظلام الليلي الرقيق، الخيانات التي تتعرّض لها يومياً لأنك لا تُشبه احداً، الصمت، بُخار الفجر على قمم الجبال وفي الغابات، الفنادق، دونيرو في 'تاكسي درايفر'، آل باتشينو في 'عطر إمرأة'، فيلم 'عازف فوق السطوح'، الحُمى الخفيفة قبل مباشرة الغرام، الحمار المنسي من العالم كله ... أوداج أرمسترونغ منتفخة من عزف الترومبيت في حانة نيويوركية، لندن الرمادية وباريس أحياناً، مال كثير يتدبّر الشجاعة لمواصلة الحياة، نظرة حنونة مرمية عليك لا تُبارحك، لحظة وجد طفل بدين أمه بعد ان أضاعها في إحدى الضواحي الرثّة ...........
يسعني تعداد مشاهد جمال لا نهاية لها، تستدعي الدّق والضرب والتزمير في القلوب، ما لا تتسع لها هذه الزاوية كما لا تحتمل مزاجها الغريب. أحببت فكرة الدراسة التي تجزم بما تُحدثهُ أغنية جميلة في القلب، وآمل الوقوع على دراسة مُعاكسة على يد أحد عربي فهيم، تخلص الى ما يراه في أشياء ومشاهد وأفكار واصوات، وموسيقى وشخصيات ثقافية وسياسية تحرم قلوبنا من دقاتها كافة، تُخرسها حتى لتبدو خالية من 'اية دقّة' كما هي عليه فعلاً، فنحن 'أموات سريريون' ينقصنا نزع أقنعة التنّفس عن وجوهنا، لنذهب في موتنا الحقيقي، الذي يُريحنا فعلاً مما نُكابده في عالمنا العربي.
26-10-2008