عناية جابر
(لبنان)

عناية جابرلو كنت أصغر عمراً، لسال تألق عيني، في عينيك. الآن، كبيرة كفاية، أنظر في وجهك مباشرة، فتدير رأسك قليلاً لتنظر من النافذة. أخرج بطيئة وثقيلة بعيني القططيتين، جرحين من ذهب. ايها الوسيم، ما كان عليك أن تدس اصابعك، كأنني حسبتها، تتنزه فعلاً. تظهر لي، التماعة أسنانك الأمامية، ولا تكون ابتسامة. مخفية بالظلام، أشعر بالنهار ينزل عن أكتافي، بالجمال البسيط لغناء يدك في ضوء الشمعة. جانب يدك الناعم، الذي يعرف وجهي أفضل مما يعرف وجهك.

كل الذي لا تقوله قد دخل صوتي. إنك تبتسم أخيراً، أو ربما هي الحركة التي فيها تزيح سيجارتك من جانب فمك إلى الآخر، من دون أن تلمسها. شفتاك أعتم من بشرتك ووجهك تحت وطأة التذكر والموسيقى. أُحب أن انظرك ترزح تحت وطأة ما. جذعك يتمايل مثل صفصافة فوق ما تحركه. ليس انني لا أرغب في ذلك، لكنه الآن أشبه بالطيران إلى الخلف، فالفجر أتى حثيثاً، وانسل الفضاء الذي فعلته العتمة، فلا تفعل ـ أقول لك ـ لا تفعل ذلك ثانية.

لكن إن لم تأت الآن، فإن الغرفة تضيق، يتغضن جلدها. الكعب العالي الذي انتعلته لأجل أن نتلامس بنزاهة تنتشر ظلاله كالأصابع. أفكر بعدد الحصى التي تدوسها من أول الحديقة حتى بابي، أو ربما بالطريقة التي تقول فيها 'هالو' الترخيم الذي يحز شريط الصدر، الصوت المخدر الذي يسبح في رحم شيء كبير. تأخرت، وأظنني أمرض فجأة وكان ثمة عنف في ربع الساعة التي انقضت وأمامي على 'الكومودينا' كانت صورة لنا. كنا جميلين لكن مُرتابين من أمر ما. ما الفرق إذا كان الشيء الذي نرتاب فيه حقيقياً أم لا؟ أتذكر انني أوشكت أن أقول لك يوماً إننا نسقط، ثم تذكرت كيف يكون الأمر من دونك. يبدأ قلــــبي يرفس عنيفاً، لكنك تنفذني بخبطة متعجلة فأفتح بعد أن أكون أوقعت مزهرية وجلفت رأسي بجانب الخزانة الناتئ. لا الليل ولا النافذة سمعا أحداً يقترب. قد ينقضي الليل قبل أن تفهم ما يؤول إليه أَمري من دونك. قد ينقضي الليل قبل أن تمتلك كلاماً مؤاسياً ومناسباً.

مَن كل هؤلاء الرجال الذين يطوفون في العالم محاولين قتلي؟ والرجل الذي أحببته فعلاً طعنني في قلبي. لكنني عشتْ. وقد عشت السنة الماضية متجنبة رجلاً آخر ظل يأتي كل ليلة يسهر تحت نافذتي. وعشت متجاوزة الرجل الذي يظهر في أحلامي. ثم طلع آخر من كوابيس طفولتي وقد عشت أيضاً. وفي كل الأوقات لم أمتلك جسداً ولا رعشة كافية. لم يكن الرجل الأخير يُشبه أبداً ما يوحي به اسمه. خدّه الأيسر يصلح كوسادة، غير أنه أتى وكانت تعطلت عملية النوم عندي، منذ زمن طويل. ومع انه لم يحاول قتلي بعد، فقد هربت في الضوء الخافت، الضوء الوحيد الذي يأتي من القمر، وسمائي الآن مظلمة تماماً، ما يكفي لبزوغ نجم ما، آمل أن يكون حنوناً، ليس متلهفاً، فأنا استطيع التخمين أخيراً، ما يقدر عليه المتلهفون.
ليس انني طفلة شوارع أو خادمة إنني يتيمة على نحو ما وأبكي بصورة دائمة كما لو ان البكاء يسوي المسألة.

لأنني امتلكت علامة انتظرك كل مساء وفيما عدا فتح النافذة لرائحة الهواء في الظلام لست متأكدة مع ذلك اك تأتي بسبب الطريقة التي تعمل بها الحياة.
لم يكن آخر لقاء لنا يختلف عن الأول كان أقصر قليلاً وحسب الخيبة نفسها التي جعلتني أغادر وفي رأسي مشاريع جديدة.

القدس العربي
18/07/2008