لور غريب
(لبنان)

ميشال صايغانتقلت غاليري "روشان" كبعض مثيلاتها إلى "قرية الصيفي"، وها هي تفتتح صالتها الجديدة بإقامة أول تظاهرة فنية للفنان الفرنسي مارك آش (إلى 8 شباط المقبل).

يعرفه الجمهور اللبناني لأنه سبق أن عرض في تشرين الثاني 2000 في غاليري "عالم الديكور" L'envers du décor في مجمع "حدائق التباريس" Les jardins de tabaris. وكانت لنا وقفة نقدية يتطابق بعضها مع ما شعرنا به ونحن نشاهد اللوحات الثلاث والثلاثين المعلقة على جدران الصالة الجديدة في "قرية الصيفي"، ونقتطف من احدها إذ يغنينا عن إعادة أقوال سبق أن سجلناها. وفي محتوى هذا الكلام ما يطال بعض لوحات آش الحالية. في العودة إذن إلى النص القديم الذي نجحت في استخراجه من أرشيف "النهار" - ويا للفرصة النادرة التي مكنتي وللمرة الأولى من قراءة نص قديم لي أنا التي لا تحتفظ بأي قصاصة من مقالاتي مذ بدأت مسيرتي الصحافية، أي في عام 1962 - إذن أنا أمام النص وها المقطع الذي يعبر عما كنت سأقوله لو لم استنجد بالأرشيف: "يستخدم الفنان بودرة تجريد وإشارات قليلة منثورة في أرجاء اللوحة.الرخام والمواد الطبيعية التلوينية والأقمشة والمعادن الصدئة وكل ما توفره الطبيعة في تنوع صخورها وتربتها. وحين يركب عناصر لوحته يرمزها بأرقام وأحرف لاتينية وعربية (...)".

وبالعودة إلى اللوحات المعروضة حاليا فإنها كسابقاتها تجريدية ومونوكرومية الأرضية، تتقاطع في مساحاتها المتوازية تقسيمات وإشارات وأشكال هندسية مدروسة ذات إيقاعات لونية مختلفة ومائلة إلى صبغات دافئة متأرجحة بين اللون البني المحروق والترابي الممزوج بشيء من توهج لهب النار. والموضوعات ليست متطابقة مع التعريفات في العناوين. إنها افتراضات لا تعكس واقع الحال بل تحاول وضع علامة فارقة كي لا يقع الخلط بين هذه اللوحة وتلك لكثرة تشابهها أو توارد المفردات نفسها في العديد منها.

فوق التعجينات المونوكرومية وبين جهة وجهة تمتد خيطان معدنية مثل أسلاك كهربائية، ومن كل طرف أسلوب خاص لتثبيتها ووهبها مجالا فضائيا يلائم ورودها فوق وتحت مربعات تكثر أو تضم بحسب التوازنات العقلانية الباردة. تنتقل هذه المربعات أو المستطيلات فوق أرضية اللوحة من دون تردد، لكسر الرتابة للإيهام بأنها ضرورية ولا مجال للتخلي عنها. ولو حصل أن استبدلت بالأرقام أو بالأحرف أو تجاورت وتعايشت فان اللوحة تبقى أسيرة الاعتبارات العقلانية الصارمة. نحن أمام النص التشكيلي المدروس والبعيد تماما عن الحميميات أو الغنائيات أو البوح. نتذمر أحيانا من فرط الاسترسالات وفيض المشاعر، ونجفل أحيانا أخرى إزاء الاختبارات العقلانية التي تبلغ درجة متقدمة من الكمال العلمي.

النهار - الأحد 30 كانون الثاني 2005