"مؤسسة إيميه ومارغريت مايت" في عيدها الـ40

لور غريب
(لبنان)

كالدر: الحية الحمراء 1958"من الكتابة الى الرسم" عنوان المعرض القائم (الى 14 تشرين الثاني المقبل) في "مؤسسة إيميه ومارغريت مايت" في سان بول دو فانس، لمناسبة احتفاء هذا الصرح الثقافي بعيده الأربعين، مكرّماً مايت (1906 - 1981) وجامعاً بين الكتاب والرسم إذ كان يعتبر نفسه ناشراً أكثر منه تاجراً للأعمال الفنية.
نشأت هذه المؤسسة لإعلاء شأن الفن الحي، وكانت المؤسسة الأولى خارج باريس حيث كان أنشىء متحف الفن الحديث عام .1936 ويذكر أن أندريه مالرو حضر في 28 تموز 1964 حفل التدشين كوزير للشؤون الثقافية في عهد شارل ديغول قائلا آنذاك: "حاولتم بناء شيء ليس قصراً وليس متحفاً بالتأكيد بل عالم يجد فيه الفن الحديث نفسه".
كان الزوجان تاجري لوحات فنية وناشرين وهاويين للكتب النادرة، وتملك المؤسسة اليوم أكثر ألف وخمسمئة لوحة لكبار فناني القرن العشرين وتستقبل سنوياً مئتي ألف زائر. وتمجد احتفالاتها هذه السنة اللقاءات المدهشة بين الأدباء والشعراء والرسامين. جمعا أكثر من ثلاثمئة وخمسين كتاباً فنياً نادراً، وكان كبار الفنانين ومشاهيرهم يتبارون في إنجاز أفضل الرسوم المرافقة للشعر والنثر وحتى التصاوير الرفيعة المعدة للنشر في نسخ محدودة وفاخرة.

حديث حميم بين تريستان تزارا وميروعام 1971 ابتكر الفنان الأميركي الكسندر كالدر شكلا متحركاً يمكن ثنيه يذكر لدى رفعه بالمصباح الورقي أو الأنبوب اللولبي المخصص للاحتفاء بعيد الشاعر جاك بريفير. كان مايت الناشر ومير شير المجلِّد. وتلت هذه "المزحة الفنية" ابتكارات أخرى جمعت العطاءات المتفجرة في الشعر والرسم فولدت الأحلام الأشد غرابة وجنوناً بفضل الناشرين الذين قبلوا التجاوزات الفنية الخارجة على المعقول.
كانوا أكثر من مئة شاعر وكاتب، الى سبعين رساماً ونحاتاً. عبروا عن صخب وتناغم عصر بأكمله: شاغال، براك، ليجيه، بيكاسو، شيليدا، ماتيس وآخرون.
يلقى "غناء الأموات" لبيار ريفردي صداه لدى بيكاسو الذي زيّن برسم عنزة إصدار بوفون. وكان الفنانون ينجزون أحيانا الرسوم التي تزين النصوص من غير معرفة بأصحابها. كانوا يغوصون في أجواء كتاباتهم ويرسمون ما توحيه لهم، فكان ميرو يتمتع كثيراً بالرسوم التي وضعها لمسرحية ألفرد جاري "اوبو ملكاً"  وزيّن شاغال "حكايات" لافونتان، ووضع جورج رووو رسومه لرائعة بودلير "أزهار الشر"، وبراك لقصائد الشاعر من التيبت من القرن الحادي عشر يدعى ميلاريبا.
مؤسسة مايت في سان بول دو فانس.لكن من ناحية ثانية كان اللقاء بين ميرو وبول إلويار وأندريه دو بوشيه وتريستان تزارا وماكس ارنست من اللقاءات الأكثر لمعانا وإشراقاً، ولم يعلم القراء من أعطى الآخر أكثر. النصوص والرسوم لم يسىء بعضها الى البعض الآخر. كان ثمة زواج سعيد بين الكتابة والرسم.
 ينبغي الإشارة الى أن المعرض يكرم كذلك مجلّدي الكتب الكبار في القرن العشرين.
رغبة إيميه في تلاقي الشعر والرسم دفعته الى تأسيس مطبعة آرتي في نهاية الحرب العالمية الثانية ناشراً الكتب النادرة وكذلك المجلات الشعرية والكاتالوغات للمعارض. كان أسس قبلا صالة عرض أقام فيها المعرض الاول لأعمال هنري ماتيس. وفي 1947 كان المعرض العالمي للسوريالية وضم أكثر من 24 دولة متمثلة بتسعين فناناً في الرسم والنحت والشعر.
الى المجموعة التي تملكها المؤسسة، ثمة العديد من الأعمال نصبية كالموزاييك لبراك وشاغال وتال كوت، فضلا عن زجاجيات أوباك وسيراميك ميرو ومنحوتاته، ولم يتلق مايت أي هدية من أحد، وكل ما في المؤسسة اقتناه من ماله الخاص.
فكرة إنشاء "الفونداسيون" اقترحها الفنان جورج براك. ولما فقد ايميه ومارغريت ابنهما بمرض السل، وكان في الحادية عشرة، نصح لهما الفنان بأن ينشئا على الأرض التي يملكانها في سان بول دو فانس "صالة عرض مثلى". وللتخفيف عن حزنهما أنجزا المشروع الذي غطى مساحة شاسعة. وهكذا ولد أصغر متحف فرنسي للفن الحي.

الاثنين 19 تموز 2004