رينيه فواز في "غاليري عايدة شرفان"

لور غريب
(لبنان)


لمسات الأشجار

عالم الأحلام

تعرض رينيه فواز في "غاليري عايدة شرفان" في ساحة النجمة، مجموعة لوحات من أعمالها الجديدة، تنطوي غالبيتها على استشهادات شعرية معاصرة من شعر ناديا تويني واراغون، لكنها لا تتوقف عند أبواب الشعر فحسب إنما تقدّم ايضا إيقاعات لونية مستوحاة من موسيقيين كفرانز ليتز وتشايكوفسكي وشوبرت. المعرض، الذي يستمر الى 3 آذار، يستحق النظر اليه بإيجابية تلقائية وغير محدودة، لولا التردد الحدسي الغرائزي الذي يدفع الى التمهل والتمعن بما نشاهده معلّقا على جدار الغاليري، قبل ان ننساق الى اعتباره أنشودة لونية وتشكيلية توازي عطاءات شعرية وموسيقية رائدة.

تندرج الأعمال التجريدية المنحى في خانة التركيبات لمكعبات وأشكال هندسية محددة تجري ترداداتها بطريقة تذكّر بالتعمير الذهني لقطع خشبية مقطعة بحسب معايير واحدة، تضاف اليها تلاوين لا تأخذ التناسق او التنافر في ما بينها في الاعتبار. توزع فواز بعضها في تشكيلات متماسكة ومتلاصقة من دون التمييز بين الأشكال الهندسية المندسة بين المربعات او المستطيلات، فتأتي الشعيرات اللولبية الحمراء والزرقاء لتعطي إيقاعات مغايرة لما يتوقعه المتلقي من اللوحة التي تستشهد بقول ناديا تويني: "آه، رائحتك/ للربيع المبكر/ لأرض خصبة وحمراء". إنها تعطي صورة تزعزع التوازن اللوني والتأليفي لدى الفنانة.

عندما تخرج فواز من رتابة المكعبات وعملية تشييدها، الأفقية او العمودية، تلجأ الى تكثيف الشرائط العريضة المتلاحقة وتضعها في شكل تراكمي يوحي ان اللوحة تنقسم جزأين مستقلين، لا تلوينات ظاهرة ولافتة تحددها. يبدو هذا النهج واضحا في لوحة تحمل اسم معزوفة موسيقية لشوبرت، عنوانها "امبرومتو"، حيث نجد أعيننا أمام فسحات فارغة من النص التشكيلي. يرمي هذا السطح الباهت الى خلق نقطة للتلاقي عند الوسط الأفقي، وتأطير الحركات والإشارات المسمارية الممتدة من دون انقطاع من اليمين الى اليسار.

يكوّن اصطفاف الحركات المتمايلة أحيانا والمتلاصقة بعنف أحيانا أخرى، نواة لإيحاءات غنائية كان من الممكن ان تؤمّن بعض التفاعل لدى الزائر لولا السهولة التي تلفت اليها الغوغائية في مزج الألوان. تهرب الغنائية اللونية من اللوحة وتترك شيئا من الخيبة لدى التمعن في محتواها وصبغاتها. ولا تشفع بها ما تختاره الرسامة من أبيات شعرية لمنحها وهجا ليس من علامات تميزها. تقول ناديا تويني: "من كثرة الألوان سأصبح عمياء"، لكنها لا تقول ان شدة الألوان هي في مجانية استعمالها العشوائي، وفلشها فوق مساحة عذراء لا تألف الهجوم الصاعق وغير المبرر لضربات فرشاة، حين لا تبادر الرسامة الى تنظيفها والى تطهير ملوانتها من ملوثاتها المعجنة التي تعلق بها وتربك المظهر المشيّد لينشد عبارات الشاعرة اللبنانية المرهفة والممسكة بلغة اللون والصورة والإيحاءات الغنائية المنضبطة حتى البحة في الحنجرة. فاللوحة معجقة وسوداوية وقاتمة ومتداخلة من دون اتزان، ولها اشكال هندسية عادية ورتيبة التلاحق والتلاصق. انها محزنة لأنها تنزل بيت الشعر من صفائه وغنائيته وتحوّله "بابل" لونية بشعة.

نميل الى الاعتقاد ان الاستشهادات بالأبيات الشعرية تجيء بعد الانتهاء من تنفيذ اللوحة وليس العكس. واذا أردنا ان نكون منصفين، سنعتبر ان المشروع لم ينفّذ كما يجب، إذ يبقى دون مستوى الكبار الذين اختارتهم الرسامة ليكونوا الغطاء الأدبي او الموسيقي لأعمالها. لن نتوسع في البحث عن الدلالات الشعرية في النص التشكيلي بل نكتفي بالنظر الى اللوحات (عددها 25) باعتبارها ذات مضمون مستقل عن التسميات الظرفية الطارئة او المختارة للاستفادة من قيمتها المعنوية والفعلية... ثم البقاء دون مستواها.

تجدر الإشارة أخيرا الى ان ما تعرضه رينيه فواز، يذكّر باختبارات شاهدناها خلال هذه السنوات الأخيرة في لبنان ولم تكن كلها خلاّقة ولا جديدة ولا مقنعة. لماذا التكرار إذا، بدل البحث عن التميز والابتكار؟

laure.ghorayeb@annahar.com.lb

النهار
الخميس 16 شباط 2006