لور غريب
(لبنان)

"استحضار الخريف" (1740). كان رسام مدام دو پومپادور المفضل، لكنه كان يرسم ما يحلو له. أحب القرن الثامن عشر أعماله، لكن فرنسا لم تكرس له معرضاً مهماً في مرور ثلاثمئة عام على ولادته، وتركت بريطانيا تعوض عن هذا التخلف فأقامت له في "والاس كولكشن" في لندن تظاهرة كبرى (احتفاء بمئوية التفاهم الودي بين فرنسا وبريطانيا) ويستمر المعرض إلى 17 نيسان المقبل.

اشتهر فرنسوا بوشيه (1703-1770) برسمه المشاهد الميتولوجية بالسعادة نفسها التي رسم بها المشاهد التي تروي المشاهد الرعائية. تجسد لوحاته الخفة والشهوانية الجامحة لدى نماذج نسائية، وفي مقدمها زوجته الجميلة التي وصفها الكاتب غريم بأنها أجمل امرأة في فرنسا. وقال الفيلسوف ديدرو إن بوشيه لم "يحمر خجلاً" عندما "تاجر" بزوجته ورسمها في صور مثيرة للرغبات. ثم جاء النحات رنوار وكتب بعد مئة سنة:

كان بوشيه يعرف في الأقل قيمة حلمات النهود والمؤخرات".

"عازف صفارة الصيد".ولد فرنسوا بوشيه في الفقر وتوفى في البحبوحة والشهرة. اعتبر الفنان الأنعم بين 1703 و1770 إذ انهالت عليه الطلبات وأضحى الفنان الأكثر عرضة للنسخ. ومع ذلك، لم تشأ فرنسا إقامة معرض استعادي مع حلول العام 2003 الذي كان مناسبة في ثلاثمئة سنة على ولادته. لم يحظ بالتفاتة من المتاحف الفرنسية هذا الفنان المبتكر للميتولوجيا المتعلقة بالبهو النسائي الصغير حيث كانت تحصل ممارسات ومداعبات بين المتحابين.

قدرت رسومه بعشرة آلاف. أمضى حياته منهمكاً في العمل وكان يرسم بين عشر واثنتي عشرة ساعة يومياً في مشغله. نال الشهرة التي مكنته من أن يصير عضواً في الأكاديمية وأن يحظى بحماية مدام دو پومپادور عشيقة لوي الخامس عشر التي طمرته بالذهب والطلبات، وأن يحتل مركزاً مرموقاً في مصنع سجاد آل غوبلان، وأن يرسم لمعمل بورسولين دو سير، وان يتبوأ مركز رسام الملك. إنه حقاً من الفنانين الذين لم تطلهم اللعنة لا من قريب ولا من بعيد.

"ينوس وكوپيدون".أولى الطلبات الرسمية كانت لغرفة الملكة في فرساي عام 1735. عين أستاذا مساعداً في الأكاديمية ثم بروفسوراً عام 1737. كان في الرابعة والعشرين. رسم روسلين هيئته فأظهره في ملابس غنية مخملية، كبير الأنف وذا ملامح قوية، وفم مشقوق، ونظرة لطيفة. وقال معاصروه إنه كان ودوداً مع جميع الذين يقصدونه. عمل في جدية وإخلاص وأنجز كل الموضوعات التي طلبت إليه. كان سريعاً وموهوباً ويرسم في منهجية حرفية عالية. نفذ مجموعة كبيرة من الجداريات لقصر فرساي ونبلائه أمثال فونتينوبلو ولامويت وبيلو وشوازي وسواهم. لم يكتف بهؤلاء بل نفذ أعمالا لأشخاص عاديين أحبوا أسلوبه في إظهار مفاتن المرأة لتبدو أكثر تألقاً وجمالاً.

إلى احترامه وتلبيته كل الطلبات، كان يرسم أيضا أعمالا معدّة للمعارض السنوية. ومع كل هذه الانشغالات وجد الوقت ليعطي مدام دو پومپادور دروساً في فن الرسم وفتح محترفاً لتلقين تلامذته دروساً في فن الحفر. وصف الحماسة التي أحاطت بأعماله بأنها افتتان مرتبط بعقلية زمنه.
عاش الفنان في وقته وفي بلاد عرفت أولى سنوات لوي الخامس عشر في الحكم. فهذا العصر استحق ان يحمل اسم عصر الأنوار. لمعت أسماء كبيرة في فرنسا في الأدب والعلوم والتاريخ والفكر...

انطبعت سنوات 1730 و1740 بالتطورات الفنية، ولهذا السبب أدرك بوشيه شهرته واحتل المكانة التي بلغها بفضل لطافة وجمال ودلال المحبوبات والمحبوبين ذوي الهيئات البهية النابضة بالحياة.

النهار
18 فبراير 2005


أقرأ أيضاً: