ترجمة وتقديم
فوزي محيدلي

XXXXXXXXXX في عمر المئة، الآن، تكتب اليابانية تويو شيباتا أشعاراً عن الحب، الأحلام والتمسك بتلابيب الأمل مما جعلها تأخذ بشغاف قلوب اليابانيين الذين يعانون منذ سنوات من اقتصاد متكاسل بل من ركود اقتصادي ومجتمع يكثر فيه المتقاعدون والطاعنون في السن.
أعطت شيباتا الديوان عنوان «لا تيأس»، وترجم أيضاً «لا تُحبط». يقال عادة في اليابان إنه في حال بيع عشرة آلاف نسخة من ديوان شعر يعتبر ناجحاً، لكن ماذا يقال في حال بيع مليون ونصف نسخة من ديوان كما حصل مع ديوان شيباتا «لا تيأس» والذي تزداد مبيعاته تباعاً حتى الآن.

بداية مع الفقر لكن الشعر أنقذها

الحياة لم تكن دائماً متساهلة مع شيباتا فهي نشأت داخل عائلة فقيرة وبدأت العمل في عمر المراهقة لدعم والديها. وكذلك تطلقت بعد ستة أشهر من زواجها الأول وانتظرت عقداً من الزمن لترتبط ثانية. وقد ربّت شيباتا ابنها كنيتشي وهي تمارس مهناً شتى من مثل العمل في المطاعم أو في خياطة أثواب الكيمونو.

بدأت شيباتا كتابة الشعر وهي في الثانية والتسعين. وقد أشار عليها ابنها كينتشي وبسبب معاودة آلام الظهر لها بترك هواية عمرها، الرقص الياباني. وقد طلب منها الإبن الذي يبلغ الآن منتصف ستينات العمر أن تجرّب كتابة الشعر.

«حين نشرت قصيدتي الأولى في صحيفة، لم تسعني الدنيا» تقول شيباتا التي تضيف «أرسلت قصيدة ثانية فنشرتْ. لذا تابعت الكتابة». والآن وإذ هي تبلغ المئة في حزيران وصل مبيع ديوانها الأول، وكما ذكرنا، الى مليون ونصف المليون من النسخ، وهي عاكفة الآن على كتابة ديوان جديد.

ذكريات ونبرة اعتراف

تأتيها أفكار قصائدها عادة وهي في السرير، غير قادرة على النوم، أو حين تكون وحيدة في منزلها في طوكيو، بعد مغادرة مدبرة المنزل. وهي عاشت في ذلك المنزل في العاصمة منذ وفاة زوجها قبل 19 سنة. قرب سريرها تحتفظ شيباتا بدفتر لتدوين الاشعار حين يأتيها الوحي.

«أفكر في أشياء عديدة: ذكريات ماضيّ وعائلتي، وحياتي الحالية». تنمّ قصائدها عن العرفان بالجميل للأشخاص الذين اهتموا بها عند غسق العمر. «لقد عشت الى هذا العمر والشكر في ذلك الى الدعم الذي وصلني من العائلة، الأصدقاء، المسعفين والأطباء، وأعمل على تحويل عرفاني بالجميل الى شعر يخبرهم بإحساسي تجاههم. الشكر لكم جميعاً. إني حقاً سعيدة».

أبعد من تقديم تشجيع للذين في مثل عمرها، تتبنى شيباتا أحياناً في شعرها نبرة اعترافية. في إحدى قصائدها المعنونة «سر»:

«رغم بلوغي الثامنة والتسعين،
وقعت في الحب.

لدي أيضاً أحلام.
أريد اعتلاء سحابة»

في قصيدة تحمل عنوان «توفير» تكتب عن «التوفير أو تأمين ما تيسر على صعيد اللطافة بدلاً من تأمين مال التقاعد». وتستكشف في قصيدة «الى ابني» أهمية تذكر «دفئ الأم» حين تقسو الأزمنة على الناس. أما حول قصيدة «لا تفقد الأمل»، فقد أعطت اسمها للعنوان، فتقول «كافحت مديداً، لكني سعيدة بأنني نجوت».
تتسم قصائد تويو شيباتا بأنها قصيرة، بحيث لا يتعدى عدد الأحرف الرمز 140. أما كلماتها فعميقة المضمون، ورسالتها رافعة للمعنويات.

بساطة الأسلوب

أسلوب قصائدها يتميز بقدر من البساطة وعدم التزويق مع انتقاء للكلمات المفعمة بالحيوية. وقد أثبتت قصائدها أنها مشجعة للعديد من القراء. فقد أرسل أحد القراء البالغ 70 سنة الى ناشر طبعات ديوانها الأول (نشرت الطبعة الأولى من حسابها الخاص):

«تلقيت التشجيع والأحلام المساعدة على الاستمرار في العيش من الشاعرة». وكتب الى الشاعرة أحد القراء الذي طالما أثبطت عزيمته من قبل زملائه في العمل «أخرج ديوانك لأقرأ قصائد منه حين أكون محبطاً».

تقول شيباتا أنها تأمل أن يشكل نجاحها مثالاً حياً للذين يفلحون في أواخر الحياة معطية بذلك بعض الأمل الى مجتمع اليابان المسرع في التوجه نحو الشيخوخة.
«تتبرعم زهرة من شجرة يبلغ عمرها قرن»، تقول شيباتا التي تشتغل حالياً على كتابة قصائد لمجموعة شعرية جديدة لتنشر لاحقاً قبل عيد ميلادها المئة الذي بدأ في حزيران.

تقول شيباتا إنه يلزمها قرابة عشرة أيام لكتابة كل قصيدة. تجلس قرب نافذة فسيحة مع قلم وورقة في اليد ثم تسجل الأفكار التي ترد الى ذهنها. برأي شيباتا أنها حين تموت ستأخذ معها الى العالم الآخر، الى زوجها وأمها، تذكاراً ولا أروع هو هذا الشعر الذي تنظمه.

مكعبات سكر قلبي
أثناء سكبها
من الإبريق
تخلق الماء
نفس المشاعر التي تخلقها
الكلمات الرقيقة

مكعبات سكر قلبي
تشعر بالدّعة داخل الفنجان
ثم تذوب

كل يوم ثمين جداً
الآن وقد أكملت التسعين
غدا كل يوم
ثميناً جداً

الريح التي تداعب وجنتي
الاتصال الهاتفي من صديقه
الناس الذين يأتون لزيارتي

كل منهم يمدّني
بطريقته الخاصة
بالقوة لأحيا

تعال لتناول شيئاً من القهوة
لا تتوقف
قطرات الماء
عن النزول من الحنفية

مهما بدا الأمر شاقاً،
حتى لو كنت حزيناً
ومهما حاولت
التفكير بذلك
لن ينفع

مستجمعاً كل فؤادك
أغلق الحنفية.
وفي الحال ستنهمر
الدموع.

تعال الآن، لتناول بعض القوة
في فنجان جديد

لا تتنهّد
حقاً، تسمية ذلك تعاسة
لا يوجب تنهّدك
أشعة الشمس والنسائم العليلة لا تخيّرك
الانتقاء من بينها.
تحدث الأحلام بنفس الطريقة، كما تعلم.
رغم وجود مصاعب في حياتي، إني
مسرورة لمثابرتي على العيش.
عليك أيضاً أن تحيا دون الاستسلام
للإحباط

حين أصبح وحيدة
حين أغدو وحيدة
أغرف أشعة الشمس
التي تصلني عبر فتحة الباب
وأضعها على وجهي
ذاك الدفء
هو دفء أمي
أمي، سأتمدد هناك
أتمتم ثم أنهض واقفة

إيداع
حين يصلني اللطف
من الناس
أودعه داخل فؤادي.
حين أكون وحيدة
أتناوله
فأغدو مفعمة بالحياة
أنت أيضاً
يفترض بك
البدء بالإدخار من اللطف
من الآن فصاعداً
لأن ذلك أفضل من المعاش التقاعدي.

المستقبل
الاحد 3 تموز 2011