(من أغاني وقصائد وصلوات الهنود الحمر)

ترجمة وتقديم
فوزي محيدلي
(لبنان)

تنتمي هذه القصائد الى ثقافات السكان الأميركيين الاصليين، أو الهنود الحمر. هي بالأساس أغان شفوية إحياء للمناسبات القبلية من مثل طقوس تكريس فرد في عضوية القبيلة، واحتفالات الشفاء فضلاً عن طقوس الزرع والصيد. كما ان الأغاني هي نوع من تدوين للتاريخ القبلي، وسجل للقوانين السلوك الاتني والمعتقدات الدينية ليتم حفظها وتناقلها عبر الأجيال وعادة ما كانت هذه القصائد او الاغاني تتلى بايقاع ضمن سياق جماعي طقوسي مع مصاحبة طبلة أو آلات موسيقية أخرى.
يمكن للكلمات ان تعمل على ربط مغني القبيلة، أو شاعرها، بقوى ما فوق الطبيعة تلك القوى الساكنة لكل مفردات أو آيات الطبيعة. بدلاً من وصف مشهد حالي، يلجأ المغني الى اسقاط نفسه على المستقبل من خلال تصور المحصلة التي يروم انتاجها، او من خلال التماهي، على سبيل المثال مع غمامة المطر أو الجاموس اللذين لا يملكان، الجاموس والغمامة، سوى الانجذاب الى كلمات أغنية المنشد المؤثرة.
ويعتبر الاقتصاد او الايجاز اللغوي شائعاً في شعر السكان الأصليين الأميركيين الشفوي، كما يمكن أن نستنتج من مجرد قصيدة البيتين التالية المعنونة "أغنية الربيع" لقبيلة تشيبوا.
وإذ تجول عيناي في بطاح البرية
اشعر بالصيف في حنايا الربيع"
تذكر دقة هذه الصور، الموجزة الكلمات، القارئ بالشعراء "الايماجستين" (المعتمدين على الصورة) الأميركيين او بشعراء قصيدة "الهايكو" اليابانية. لكن الاختلاف يأتي من أداء القصيدة، فهذا البيتان فيما يرددان على فترة من الزمن يكتسبان تأثيراً مختلفاً فالمنشد يستحضر ويتوقع دفء وامتلاء الصيف بعد شتاء من الحرمان.
يؤدي هذا الاستخدام للتراكيب المتماثلة او الإعادة لعبارات متماثلة أو متناقضة الى توليد تأثير "الأفكار الايقاعية" بدل الأصوات الايقاعية (القافية). وما قد يبدو ترداداً غير ضروري لقارئ من غير الهنود الحمر يمكن ان يصبح ضمن سياق الاحتفالية القبلية تقنية قوية ومنومة.
ثمة إضافة الى القصائد والأغاني، هي صلوات الهنود الحمر يقول الزعيم المسمى "البحيرة الجميلة"، "ديانتنا ليست ديانة الأصباغ والريش، انها نتاج القلب". تعبر هذه الجملة عن المركز الحقيقي والمعنى الجذري للروحنية الهندية الحمراء، الا وهو القلب. تقال بل تتلى الصلوات في القلب وتحملها الريح. إنها تحمل افكاراً خاصة بالقلب، بالروح والعقل، من أجل ان يتمكن الهندي ان يتذكر من هو حقاً، من اين يأتي وإلى أين هو ذاهب. الهنود كلهم مترابطون، مترابطون بعضهم ببعض:
"كلماتي غدت منسوجة كلا واحدا مع الجبال،
مع الصخور الكبيرة، مع الأشجار العظيمة غدت واحدة
مع جسدي وقلبي
انظروا الي جميعكم، كمخلوق متحد مع هذا العالم".
بالمحصلة، كما قال الزعيم "لوثر الدب الواقف" "كان لاكوتا العجوز حكيماً. أدرك أن نأي قلب الانسان عن الطبيعة يجعله قاسياً. أدرك أن فقدان الاحترام للمخلوقات النامية والحية أدى الى فقدان الاحترام. لبني البشر أيضاً".

[ هذه كانت أرضنا
هذه كانت ارضنا.
الارض التي اجتاحها الجبل
لينشر الجلال
الأرض التي اجتاحها شعبي
للطواف بأسرارها بوقار
هذه الارض كانت ارضنا
أمواهنا العظيمة
القلب النابض للطبيعة المنساب عبر الزمن
الذي لا يمكننا تذكره
هذه كانت ارضنا.
الارض التي وهبت كل ما هو صالح لشعبي
الأرض كانت دائماً اضنا
والشمس دائماً ما غربت عليها
والمطر غسلها
فيما النار كانت رقيقة في غضبها تجاهها
كانت لكل الأزمنة
من ثم انتزعت الارض منا
غدت أرضكم.
هل تعرف كيف تحادث الأرض، يا أخي الأبيض؟
هل تصغي الى ما تخبرك إياه؟
هل يمكنك الاحتفاظ بأسرارها لنفسك؟
أتقوم ببيع الأرض، يا أخي؟
قد تبيع ايضاً
الشمس، القمر، النجوم
[ النجم، الأرض،
الشمس والقمر
النجم شقيقي، الارض أمي،
والدي الشمس، شقيقتي القمر،
هذه تضفي على حياتي الجمال
الى جسدي تمنح القوة، الى محاصيلي
من الذرة تعطي الجودة، الى بيتي السلام،
الى روحي الحقيقة، الى كبارنا في السن
الحكمة،
والسكينة الى كل أشواقي.
[ ليس عندك أحصنة
(قبيلة تيتون سيوكس)
حين كنت أغازل حبيبتي
قيل لي،
"أنت لا تمتلك أحصنة".

لذا، في البراري
همت
[ سيراً على الاقدام
(قبيلة تشيبوا)
سأتمشى الى مسكن شخص ما،
الى مسكن أحد ما سأتمشى،

الى مسكنك، يا محبوبتي الغالية،
في ليلة ما سأتمشى، وسأتمشى.

في ليلة ما من الشتاء، يا حبيبتي،
الى مسكنك عزمت السير، عزمت المشي.

في هذه الليلة بالذات، يا حبيبتي،
عزمت المشي الى مسكنك، سأتمشى، إذن.
[ من الجنوب (أغنية حرب)
(قبيلة تشيبو)
يأتون من الجنوب
الطيور، الطيور الاشبه بالحربة
مع أجنحة ضاجة.

أتمنى تغيير نفسي
لامتلاك جسد ذاك الطير السريع.

بعدها ارمي نفسي وسط ذاك النزاع
[ أغنية حرب
(قبيلة تشيبوا)
نساء جماعة "السيوكس"
يسرن روحة وجيئة نائحات
وفيما يقمن بلملمة رجالهن الجرحى،
يؤوب صوت نحيبهن إلي.
[ أغنية الرعد
أحياناً أميل
بل، أجل أعمد الى الشفقة
على نفسي
حين تحملني الريح
عبر السماء.
[ رقصة زراعة الذرة
(بضع أفراد الكاشيناز أقنعة بلون قوس قزح على وجوههم)
يا الفراشات الصفراء،
فوق شتول الذرة العذراء المنورة
بوجوه مصبوغة بلون اللقاح
لتقم كل واحدة بمطاردة الأخرى وسط الحشد الباهر

يا الفراشات الزرقاء،
فوق نبات الفاصوليا العذراء المزهرة
وبوجوه مصبوغة بلون اللقاح
قومي بمطاردة الواحدة للأخرى من وسط الجداول المتلألئة.

فوق الذرة المنورة،
فوق الذرة العذراء،
يطن النحل البري
فوق نبات الفاصوليا المزهرة
فوق الفاصوليا العذراء،
يطن النحل البري.

فوق حقلك من الذرة النامية
ستقبع طوال النهار غمامة الرعد
فوق حقلك من الذرة النامية
ستقبع طوال النهار غمامة الرعد
فوق حقلك من الذرة النامية
سيتساقط طوال اليوم المطر المندفع.
[ الروح التي لن تغادر أبداً دياري
وجه والدي منطبع في الصخرة
التي على الجبل، الصخرة التي ألجأ
إليها ويلجأ اليها كل أولادي أيضاً
ليروا وجه كل آبائنا فوق الجبل
صوت والدي في حنايا الريح
وصوتي ايضا حين يغدو قويا
ليتمكن اولادي فقط من سماعه وحفظه بعد موتي
أن تطير أعلى من النسر، ان تعدو أسرع من الغزال،
ان تسبح كما السمكة ان تكون بدهاء ابن آوى
وبلمعان عرف الأسد ـ معناه
ان تمتلك الروح التي تغني وسط الريح
وتصرخ داخل النار، الروح التي لن تغادر
أبداً دياري
[ رؤى ذاتي في الاشجار
ما أنا عليه يجب أن اصبحه لاحقاً
ما أراه، علي محاولة إيجاده
ما اسمعه، علي عزف الموسيقى له
ما ألمسه، علي تركه وشأنه
بعدها ألتفت الى كل رؤى ذاتي
في الأشجار والأشياء المقدسة
التي تهبني إياها الطبيعة.
[ هل أعلمك يا أخي الابيض،
طريقة الهندي الأحمر
(نادى عالم الأناس البيض إبني، فذهب تالياً ليرى إذا كان ذاك عالماً صالحاً.
ذهب لأن عليه ذلك. مضى وقت غير قصير ثم عاد إبني. قال أنه وجد
ذاك العالم اشبه بقنفذ يقاتل سلحفاة أو أشبه بالنار التي تسقط في النار.. حتى أنه لم يكن هناك من موسيقى)
خرجت لأتعلم كيف يعيش الرجل الأبيض
خرجت لأكتشف إذا كان حراً
خرجت لأتعلم طرق الرجل الأبيض
لكني وجدتها غريبة بالنسبة لي.
هلا أعلمك، يا أخي؟
هلا أعلمك، الطريقة الهندية؟
أصغي إذن، يا أخي.
كلماتي هي لأجيال غادرت هذا العالم
ولأجيال ينتظر مجيئها.
إليك أهب كلماتي
عليك فهم معناها بنفسك
كيف علي أن أحيا؟
هل أكون وسط شعبي صوتاً صغيراً؟
.. أكون في عالمك صامتاً؟
وسط شعبي ليس من افق؟
في عالمكم الذي رأيته أنا
هل أعلمك أن تحيا وترى؟
العالم قابع ضمن الزجاج.
تردد على مسامعنا ان الأزمنة في تغير
نقول اننا لا نفهم
الأزمنة التي نعيش فيها
نقول لك أن هذا الزمان يكون مثل غيره
إذا كانت قدما المرء على الارض
وفؤاده في المكان الصحيح
ولا يحاول الخلط بين
النسر والطائرة.
ما الذي ينتظرني بعد ان انتهي من الزرع؟
ما الذي بانتظاري بعد ذاك القلم الذي يجب أن اصنعه؟
ما الذي بانتظاري بعد انتهاء الحصاد؟
ذرة أفضل.
هذا كل ما في الأمر.
[ يداي هما أداتي روحي
ثمة نسر في داخلي فضلاً عن طير مراقب يستعجل الذرة لتنمو
يطير النسر الى جبال أحلامي،
يطير صوب زوايا امالي البعيدة.
لكن الطير المراقب يقف فوق شتلات الذرة
طالباً مني الحراثة بالمجرفة
يداي هما أداتي روحي،
انهما تصنعان الطبلة،
القوس،
والمزمار
ونمط جلد الغزال ليجف
يداي تعملان في الارض وعرعيان الأغنام وتغرسان الذرة.
يداي تلقيان التحية على موطني كل صباح أحياه.
[ يكبر الجبل مع تراب همي
حين يغشاني الغم
أضطر الى الرقص ليتلقى التراب غمي
يرسل التراب والريح همي الى الجبل
يكبر الجبل مع تراب همي
الجبل هو الحضن
حيث يجب ان يستقر همي القادم ايضاً.

المستقبل - الاحد 24 آذار 2013