حسين حبيب

(ياغلظة الأكباد افتحوا كي يتخلل الحب قلوبكم وتنتابكم الرعدة البهية وتنثلج أوصالكم ويرف على أفئدتكم ملاك الجنة والنار، واطرحوا من أيديكم الشغل والتجارة واتركوا لأجسادكم حرية النزال والإنزال، وسموا كل شيءٍ بإسمه، وقولوا هو الحب، لعلكم تنالونه وتقعون على نعمته وتستطعمون بعض ما أنا فيه، لكي لا يكون فكاك لكم ولا أنتم تبرأون).

لا اعرف من قال هذه الكلمات هل هو قيس أو هو (قيس) قاسم.. لكني اتذكر حين قالها على المسرح ارتعش جسمي وقف شعر يدي وأصابتني حالة غريبة لا ادري ما هي.. كدت ان اصرخ وسط الجمهور عاش المجنون. تأملوا في هذه الكلمات اقراوها مرة مرتين وخصوصا كهنة العصور الوسطى منكم وتسع وعشرون جلادا للعقل والحرية والمئات وربما آلاف من الرعاع الذين يفضلون العيش في كهف الامبراطوريات الطالبانية البائدة التي تقدس النصوص القديمة وتجمدها وتقصي العقل والعقلاء... التي تحاكم ثقافة الحياة وتصلب كل من يدعو إليها بحجة أن ثقافة الموت هي الأسمى.. تأملوا في هذه الكلمات قد تكتشفون انه انتصر عليكم بكل أنواع النصر حتى في دينكم الذي تدعون أنكم تساندونه فهو يعرف الالهه اكثر منكم وقد انتصر عليكم في ذالك ايضا. اقرأوا النص جيدا ربما تجدون لفضيحتكم مخرجا فلا جدوى من لجانكم ولا خطاباتكم ولا حصانتكم المستمدة من محاكم التفتيش.. اذكر انه عندما كنت هناك وقال بعض الكلمات التي ارعبتكم، لم يتسن له تكملة الجملة الكل وقف الكل صرخ الكل صفق بذهول واعجاب وربما بدموع الامل، ولكي يكون في علمكم انها هي الكلمات نفسها التي لم تعجبكم والتي رفعتم راية الجهاد الزائف ضدها التي نقلها لكم عسس الجاهلية.
ولن انسى الصور التي حملها لكم داعية من دعاة ابواب جهنم يصرخ فيكم كما صرخوا في التاريخ اصلبوا المسيح فهذا دليل كفر جماعته هذا دليل انحلال ثقافته. فرجمتموه بكلامكم ولجان تحقيقكم لكن كما انتصر عليكم المجنون ستنتصر عليكم هذه الصــور واني اجزم انهـــا ستخلد وستنبت شجرة كبيرة جدا مليئة بالصور التي تكشف عوراتكم لكي يراها التاريخ المقبل ويضحك عليكم كما ضحك على الذين من قبلكم.
واخيرا يا لضعف ما تقولون ويا للمهزلة. ماذا تريدون ان تفعلون وياويلنا من الناشئ الذي تريدون ان تنشئون فانتم لا تقرؤون وان قراتم لا تفهمون وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟

الوقت- الخليج
20 مارس 2007

*****

لجنة التحقيق البرلمانية وأسئلة ناصر الخيري

سعيد الحمد

عندما جاء علينا وحلَّ بنا زمن بحريني آخر.. أصبحت فيه الثقافة المستنيرة »تهمة« تستحق التنديد من على المنابر، وتستدعي تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لاثبات »التهمة«، استذكرتُ واستحضرت شخصياً حكاية ناصر الخيري وأسئلة مجموعة نادي اقبال أوال التي حررها وكتبها ناصر بنفسه ورفعها الى صاحب مجلة المنار الشيخ رشيد رضا. كان ذلك قبل ما يناهز القرن من زماننا هذا.. ففي صيف عام 3191 »قبل 49 عاماً« يقرر مجموعة من أعضاء أول وأقدم نادي ثقافي بحريني القيام بأداء فريضة الحج.. وبدأ بينهم نقاش وحوار حول المناسك حتى قرروا أن يرفعوا أسئلتهم إلى صاحب المنار الشيخ رشيد رضا ليحسم حوارهم ونقاشهم. تصدى ناصر الخيري قبل 49 عاماً لتحرير وكتابة أجرأ أسئلة حول مناسك الحج وبعثها الى المجلة وشيخها رشيد يطلب الرأي والمشورة فيها باسم مجموعة النادي.. عدتُ الى الأسئلة وقرأتها بتمعن، فاستوقفتني طويلاً جرأة العقل البحريني آنذاك وقبل ما يناهز القرن.. وتساءلت بحزن حقيقي.. كيف كنا؟ وأين أصبحنا؟وكيف كان سيبدو الوضع مرعباً في ردة فعله لو أن ناصر كتب تلك الأسئلة في زماننا هذا وقرأها نوابنا وأولئك الذين يقفون خلفهم حراساً على العقل والضمير والتفكير الحر المستقل؟ ماذا سيكون حكمهم وكيف سيبدو موقفهم والى أين ستصل حملتهم على ناصر ومجموعة نادي اقبال أوال.. لو أنهم طرحوا تلك الأسئلة الاكثر جرأة في يومنا هذا؟ ألا يؤلمنا ويؤسفنا أن نقول ونستنتج بأن ناصر الخيري ومجموعة ذلك النادي كانوا أسعد حظاً منا.. لأنهم عاشوا في مطلع القرن الماضي ولم يعيشوا ويعايشوا مثلنا مطلع القرن الجديد؟ هل نحسدك ناصر لأنهم اكتفوا يومذاك بإغلاق النادي وتهديد قاضي القضاة الشيخ قاسم بن مهزع لك، ولم ينالك شيء مّما نالنا من التكفير والتأثيم والتشكيك في صحة إسلامنا مضافاً إليها ما لا يُعد ولا يحصى من الشتائم والسباب والقذف العلني من فوق المنابر ومن خلال المواقع وبعض المجالس التي تخصصت في كيل السباب. هل نحسدك ناصر أم نبكي حظنا العاثر؟؟.. لن نفعل هذا ولا ذاك.. فأنت وصحبك بذرتم بذرة التنوير الأولى في مطلع قرننا الماضي.. وهي البذرة التي امتدت جذوراً قوية مكينة لن تقتلعها الرجعية وهي تؤسس وتسعى حثيثاً للقضاء على ذلك الفضاء الذي فتحتم فيه ثغرة فأصبح أفقاً مفتوحاً يميز البحرين برحابة فكرها وثقافتها وهو ما لا يريده البعض لها ممن أصبحت لهم السطوة فقرروا اطفاء الجذوة لتعم الظلمة في العقول. فتعادي كل ما هو جميل ومبهج ومبدع وتغلق كل تلك المساحات الثقافية النيرة التي عُرفت بها البحرين يوم عرفتم طريقكم الى حوار الثقافات وتلاقح الحضارات. فأسستم لنا وعياً بحرينياً لا يكره الآخر ولا ترعبه الثقافة الاخرى فانفتح كما انفتحتم في بدايات القرن الماضي على صحف عصركم وثقافته فكانت »المنار« و»المؤيد« و»المقتطف« و»العروة الوثقى« مجلات تقرأونها وتراسلونها وتتحاورون معها. بل لم يمنعك زمانك ناصر من دخول المدرسة البروتستانية عام 4981 لتتعلم فيها ولمدة ثلاثة أعوام اللغة الانجليزية، فيما كان أقرانك من رواد المكتبة البروتستانية التي كانت موجودة بفريج الفاضل عام 6091. ذلك كان زمانكم ناصر.. فهل تسأل أحفادك عن زمانهم هذا؟ آخر أخبارنا أننا شكلنا لجنة تحقيق برلمانية بعد أن أصبحت الثقافة المستنيرة التي أسستموها »تهمة« ستعمل اللجنة بكل طاقاتها لإثباتها وتقديمها لأقرب مخفر للشرطة لتوقيفها وسجنها حتى يتم البت في أمرها نهائياً بحسب توصيات اللجنة، هذه أخبارنا ناصر فهل تريد المزيد؟؟ وما بين

الايام

****

عاشق ليلى ليس مجنوناً

محمد حسن الحربي
(الامارات)

حينما وقع في يدي كتاب ‘’مجنون ليلى’’ للصديق الشاعر البحريني قاسم حداد، قلت في نفسي ‘’إنها السيرة الذاتية لذلك ‘’المجنون’’ ينجح في كتابتها شاعر معاصر من المنطقة نفسها’’. وكنت قصدت بذلك البحرين التي لا تبعد اليوم كثيرا عن مراتع مجنون ليلى في شبه جزيرة العرب.
أذكر أنني ابتهجــت كثيرا أثناء المطالعة، وبعدهــا رحــت في تأمـــلات عــدة كاــن منــها أن الشـــاعر الـــذي عـــرفنــاه مجنــونا لم يكـــن كــذلك، والشـــاعر الذي عرفنــاه شــهق ومات لم يكن مصــرعه بهذا الشكل، والشاعر الذي عرفناه ضعيفا ورعديدا أيضا لم يكن بهذه الصورة. فقاسم حداد لم يذهب في سيرة ‘’المجنون’’ مذهب التفنيد لروايات المؤرخين التي وصلتنا عبر الحقب والقرون، إنما أراد أن يغير فقط ‘’المطل’’ المشرف على هذا الشاعر ليكشف الغامض والملتبس في شخصيته والمحيط الاجتماعي الضاغط والبيئة التي ترعرع فيها وأسهمت في معاناته، التي دفعته للتلطي بالجنون تخلصا منها والفوز بقرب ‘’ليلى’’.
لقد كان ذلك بالأمس، منذ سنوات عدة خلت.. وما أسرع السنوات!
اليوم، وفي نهاية الأسبوع الماضي تحديدا، كنت وجها لوجه مع عمل فني بشأن الكتاب نفسه ‘’مجنون ليلى’’ ضم الشعر والموسيقى والحركة في مسرح قاعة الفنون في البحرين.
هل هي الصدفة الجميلة، أم أن الأمور كتب لها أن تكون كذلك؟
وبصرف النظر، فلم يكن ليسعني قول أي شيء سوى ترديد: يا لها من صدفة جميلة ومبهجة. ربما ما كانت لتنجح حتى لو تم التخطيط لها في زمن من سماته سرعة ‘’استهلاكنا’’ على غفلة.
ماذا شاهدت وسمعت في تلك القاعة المكتظة بالناس وأنا جالسٌ مثل عشرات بعضهم على الأرض لم يجدوا مكانا أو وضعا سوى ذلك؟
الشاعر قاسم حداد جالس في الجانب الأيمن من المسرح كما لو كان ‘’عارف القبيلة’’ أيام زمان، وفي يده كتاب ‘’مجنون ليلى’’ يقرأ منه ويتوقف، ليعطي وقتاً متفقاً عليه لمارسيل خليفة الجالس وسط صف من العازفين في عمق المسرح حانيا على عوده بصدره وكلتا يديه، محاولا ترجمة الصورة الملتقطة من صوت الشاعر، موسيقيا ثم يتوقف، ليعطي وقتاً للفرقة الراقصة والصامتة طيلة العرض، لكي تترجم البعد الحركي للصورة لتتضافر مع الكلمة والموسيقى مجسدة بذلك ‘’مجنون ليلى’’ في اشتعالاته وعذاباته وأشواقه، وانتشاءاته حينما كان يحظى بـ ‘’قندة الجسد’’ كما وردت.
إن ثلاثي الموسيقار مارسيل والشاعر قاسم والفرقة الراقصة التي تميزت بقدرة هائلة على التجسيد الصامت/المتكلم، أعطَونا نحن الحضور الصورة الكاملة والدقيقة لواحد من أكبر الحوادث درامية في تاريخ العرب الاجتماعي والعاطفي.
لقد نقلونا خلف قرون زمنية عدة، لنرى ونسمع ونشعر ونتفاعل، أو أنهم نقلوا ذلك الحدث ليضعوه أمام قرون تالية حيث نحيا نحن ونعيش ليتحقق لنا ما لم يحققه الكتاب بمفرده أو الموسيقى بمفردها أو الفرقة لوحدها.
ليس هذا الحدث منعزلا عن البرنامج الثقافي والفني الذي تعيشه هذه الأيام مدينة المنامة عاصمة المملكة، إنما هنالك أنشطة ثقافية وفنية عدة؛ إن المعلــقات والصــور على جنبات الشوارع الرئيســية في المدينــة تخــبر المرء أن ما يحــدث مــا هو إلا جــزء مــن نشــاط دوري شــامل عــنوانه ‘’ربــيع الثقــافة’’ تــشرف عــليه دائــرة الثقــافة بوزارة الإعلام.
ويعلم أن االموسيقار البحريني خالد الشيخ له أيضا مشاركة في الأســبوع المقــبل.
هنالك فرق موسيقية عربية وأجنبية كثـــيرة ستكــون لهــا مشــاركتها في هــذا الربــيع الذي يــضفي حقا شعورا بالربيع وأفقا واسعا لتجــليات الحــياة واستئنافها بوضع أفضل.

الخليج- 20 مارس 2007

****

نعم لهذا الجنون

زاهي وهبي

يومَ غنى مرسيل خليفة لـ «عيناثا» فرحَ أهلُ بلدتي الحدودية بهذه الأغنية – التحية، واعتبروها مُشاركة لهم في صراعهم اليومي مع الاحتلال الإسرائيلي الذي جعلهم نُصبَ أحقاده ومدافعه منذ احتلال فلسطين عام 1948. وعيناثا التي دُمِّرت بنسبة سبعين في المئة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير وقدمت خمسين شهيداً من شبابها ورجالها ونسائها وأطفالها، تقاسمت التضحيات مع الجليل الفلسطيني، مثلما تقاسمت معه المواويل والعصافير والهواء العليل الذي يشوبه الآن بارود الاحتلال، والصعتر والسماق والأحلام والآمال.
غنى مرسيل خليفة لـ «عيناثا» وصاح بأعلى صوته وبشعر عباس بيضون «يا علي، نحن أهلُ الجنوب حفاة المدن، نروي سيرتك على أصفى البُركِ والأودية». يومها غنّى خليفة لعلي الشهيد الجنوبي مثلما غنّى لشهداء فلسطين، وغنى لليمن وكوبا، وكل مكان فيه متسعٌ للحب والحرية، وراح يطوفُ العالمَ بعُودهِ وحنجرته و«ميادينه» مُنتصِراً للأرض وللإنسان، رافضاً الظلم والطغيان شأنَ كل فنان حقيقي يدركُ أن الفن ما هو إلاّ انتماء للقيم الإنسانية النبيلة في كل مكان وزمان.

***

قبل أيام جاءنا نبأٌ، وفيه أن نواباً بحرينيين سنّة وشيعة اتفقوا على أمر.

خبرٌ سار في غمرة التذابح الطائفي والمذهبي الذي تأتينا أنباؤه القاتمة وصوره المروعة من العراق الذبيح بسكاكين «المحتلين» و «المحررين» على السواء. وحسناً يتفق ممثلو الناس، ولو في البحرين وليس في العراق، على أمرٍ، بدلاً من التذابح والتقاتل والعراك. لكن «الفرحة لم تصل الى القرحة» وسرعانَ ما تلاشت الغبطة والحبور وحلت مكانهما الكآبة والوجوم، فهؤلاء النواب الأفاضل الذين اختارهم الناس للاهتمام بقضاياهم الحياتية والمستقبلية، اتفقوا على: مرسيل خليفة وقاسم حداد. عجباً!

مرسيل خليفة الذي حمل في وعيه وفكره ووجدانه، وفي صوته ونغماته ونوتاته همومَ هذي البلاد، وطاف الدنيا مُدافعاً عنها، وقاسم حداد الشاعر المشعّ والوجه المُشرق للبحرين، والباحث في شعره عن مكانٍ آمن للحب، هذان المبدعان هما محور التلاقي بين النواب الذين هبّ عليهم نسيم «مجنون ليلى» فجنَّ جنونهم!

نافلٌ الانحياز الى مرسيل خليفة وقاسم حداد في عملهما «مجنون ليلى»، ونافلٌ القول إن الشعر والموسيقى وبقية الفنون، هي من مُكوِّنات الروح والوجدان، لكن ألم يحن الوقت بعد للمطالبة بـ «ثورة ثقافية» تميزُ بين الغث والسمين، وتنتفض على الإنحلال الفني والثقافي الذي يضربُ خبط عشواء مسامعنا وأبصارنا وذائقتنا ويستخف بعقولنا، بدلاً من مطاردة فنانين راقيين مبدعين كخليفة وحداد وما يقدمانه من نتاجٍ يحرض على البحث والكشف والتجديد.
قبل أيام كنت أُهاتفُ خليفة في إقامته الباريسية التي طالت، وشعرتُ في صوته (الصوت نفسه الذي حمل قضايا العرب العادلة الى كل الدنيا) نوعاً من الأسى والحسرة، وهو يتكلم بسخرية مريرة حيال اتهامه بالتحريض على «الفاحشة» بينما واقع الحال العربي مليءٌ بـ «الفواحش» على أنواعها خصوصاً تحت مسمى الموسيقى والغناء. وما يُدمي قلب خليفة ويحشرج أوتاره الصوتية، ليس النقاش والسجال والنقد الذي يمكن (ويجب) أن يواجه أعماله، إنما الأسلوب والتعابير والألفاظ التي أُلصقت بـ «مجنون ليلى»، وكأن المسألة «ليست رمانة بل قلوب مليانة»، وكأن خليفة وحداد يحاسبان على «عقليهما» لا على «مجنونهما»!
نافلٌ الوقوف الى جانب خليفة وحداد في «ربيعهما» الذي أراد بعضهم جعله خريفاً، ولكن لم يعد جائزاً السكوت عن هؤلاء الساكتين عن الحق وعن الفاحشة في فلسطين والعراق والسودان ولبنان، والذين يتغاضون عن «قلة الحياء» القومي والوطني والسياسي، المسارعين الى وأد الأصوات النبيلة بهدف إسكاتها، والفسحات المضيئة بهدف إطفائها، والذين أطلقوا على «ربيع الثقافة» في البحرين تسمية «خريف السخافة»، بينما الأفكار البليدة المُتحجرة تعمم السفاهة على كلِّ الفصول!
إذا كان «العقلاء» على شاكلة هؤلاء الذين يحاربون «مجنون ليلى»، فلنقلها جميعاً، بلا خوفٍ ولا وجل، كلُّنا مجانين، مجانين ونريد أن نحكي وأن تتفتح أفكارنا مُتنوعةً مُتعددةً عابقةً وملونةً تماماً كما الربيع الذي لن يحجبه غيمٌ داكنٌ عابر.
لا لـ «عقلاء» الطائفية والمذهبية الذين اجتمعوا على خليفة وحداد، وتفرقوا حيال مصائر البلاد والعباد، ونعم لـ «مجانين» الإبداع الذين يخفِّفون بإبداعاتهم وبـ «جنونهم»، وحشية «العقول» الطائفية، ويوحِّدون الناس على الحُب والحرية والجمال.

الحياة- 29/03/07

*****

نواب ضد حرية الشعب

محمد فاضل

مع الإفطار، يبدأ الأميركيون يومهم برسوم كاريكاتيرية ساخرة في معظم الصحف والمجلات الأميركية ناهيك عن عروض التلفزة الساخرة من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم. كاريكاتيرات وسخرية لاذعة لا حد لها لسياساته وخطبه ولكل كلمة ينطق بها. أما البريطانـيون، فهم مثلهم مع تـوني بلير وكـذلك الفرنسـيون مــع جـاك شيراك. لا يقتصر النقد والسخرية على هؤلاء بل إن نقد الزعماء والسياسيين والشخصيات العامة أيا كانت، مـن التقـاليد الثابتة في الصـحافة والإعلام في الديمقراطيات العريقة منذ زمن بعيد.

لم يحتج جورج بوش يوما على أي كاريكاتير ولم يستنكر الأمر ولم يعلن البيت الأبيض انه بصدد محاكمة أي من رسامي الكاريكاتير في الصحف الأميركية الذين اعتادوا على رسمه بآذان طويلة وسلخه حيا (SKIN HIM ALIFE) كل يوم مثله مثل كل الرؤساء والمسؤولين والشخصيات العامة من الأميركيين وغيرهم في العالم كله.

لكن النواب في بلد صغير اسمه البحرين مازال يختبر الديمقراطية يحتجون ويطالبون الصحافة بالاعتذار لأنها انتقدت مواقف معلنة لهم وقارعتها، ويذهبون الى حد المطالبة بمحاسبة الصحافة لأنها انتقدت النواب مثلما ذهب أخونا العزيز إبراهيم بوصندل وطالب وزارة الإعلام بأن توجه لها (الصحافة) النقد [1] أما أخونا العزيز ناصر الفضالة فقد وصف الجمعيات التي وقعت بيان ''دفاعاً عن الثقافة والإبداع'' بأنها ''ليس لها وزن في المجتمع (..) ولا يحق لها [2].

صديقنا العزيز النائب جاسم السعيدي يهدد بالمنابر [3]، أما أخونا العزيز النائب صلاح علي فيتذكر الدستور وتحديداً مادة واحدة منه هي التي تقول ''البحرين عربية إسلامي [4] ويذكرنا ''تصعب مقارعة المشروعات في هذه المجلس نحن اقسمنا على الدستور وحق علينا أن نحافظ عليه''.
إنها واحدة من المرات القليلة إن لم تكن الأولى التي يتذكر فيها احد النواب الدستور. ومن الواضح أن التذكير لا يشمل الدستور كله بل مادة وحيدة منه. تماما مثلما هو الحال في التعامل مع عرض فني كامل ''بضع مشاهد'' فقط تكفي للإدانة. فالدستور نفسه الذي يذكرنا به النائب صلاح علي هو نفسه الذي يورد أكثر من مادة تنص على ''حرية الضمير'' و''حرية التعبير والنشر'' و''حرية الإبداع'' و''رعاية الدولة للثقافة والفنون''. والتلويح بالدستور والقسم باحترامه جدير بتذكيرنا أن الجدل حول مادة واحدة في الدستور يقتضي أن يكون ثمرة بحث في كل مواده وليس مادة واحدة منه. فعندما تقابل هذا المادة التي استشهد بها علي بالمواد التي تنص على حرية الضمير وحرية التعبير وحرية الإبداع وكفالة الدولة لهذه الحقوق، توضح بجلاء أن هذا التسرع لهذه المحاكمة إنما ينم عن اجتزاء للدستور نفسه. انه الاجتزاء الذي تتعرض له ''الحريات الشخصية'' التي ينص الدستور على كفالتها في أكثر من مادة من مواده وديباجته وتحديداً في المادة 19 التي تقول في البند (أ) ''الحرية الشخصية مكفولة وفقا للقانون''.
هذا الاجتزاء للحرية وتحديدا حرية الآخرين يجد ترجمته الأهم لدى النائب ناصر الفضالة في عبارته تلك. فإذا كان من حقه أن يصف الجمعيات بأنها ''ليس لها وزن'' و''من الفاشلين'' فإنه يخلص إلى استنتاج يعبر عن فكر إقصائي عندما يتوج عبارته بصيغة قطعية تقول ''لا يحق لها هذا''. هكذا بصيغة قطعية يحكم النائب الفضالة أنه ليس من حق احد ممن يراهم هو أنهم فاشلون وليسوا ذوي وزن أن ينتقد مواقف وتصريحات وخطوات يقوم بها النواب. هنا نقول بكل وضوح: ليس من حقه إنكار حق الآخرين في إبداء الرأي سواء على مواقف النواب أو الحكومة سواء بسواء أيا كان الموضوع المطروح للجدل والنقاش.

ديمقراطية الصفوة من الناجحين، تعبيرات تذكرنا بديمقراطية ''أثينا'' ما قبل الميلاد التي كانت متاحة لطبقة الأثرياء والمحاربين في أثينا من دون العامة من الناس والعبيد. وقبل أسابيع قليلة، كان هناك من يذكرنا بهذا المفهوم الإقصائي عندما أعلن النائب خميس الرميحي رفضه ''تدخل بعض الجمعيات السياسية في عمل وصلاحيات النواب[5]. النائب الرميحي يرفض حتى حق المناشدة نفسه وينكر حق الجمعيات غير الممثلة في البرلمان في أن تعلن أي موقف أو تطالب أو تناشد النواب باتخاذ أي موقف، فهذا الحق مكفول للنواب فقط من دون غيرهم، أي تلك الصفوة من الناجحين ومن عداهم لا يحق له إبداء أي رأي أو التعبير عن أي موقف.
الدستور الذي تذكره صديقنا النائب صلاح علي هو نفسه الذي بقينا نذكرهم به منذ الفصل التشريعي الأول. أربع سنوات لم نسمع أحداً من النواب يتذكر الدستور عند مناقشة تلك القوانين المقيدة للحرية، لم يتذكر احد المادة (31) التي تقول ''لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية''.
هؤلاء نواب وصلوا بالاختيار الحر عبر صناديق الاقتراع لكنهم ما إن وصلوا اعتبروا أن لديهم حصانة من النقد ولا يحق لأحد أن ينتقدهم، فتراهم يطالبون وزارة الإعلام بلجم الصحافة، وتارة يعلنون أن لاحق للفاشلين أن ينتقدوهم وتارة لا يحق للجمعيات المرخصة أن تطالبهم بشيء.
لقد تكررت هذه الصيغة على لسان النواب منذ اليوم لتدشين هذا البرلمان ''لا يحق للجمعيات السياسية'' ولا يحق لأحد إرسال رسائل نصية للنواب ''ولا يحق لأحد أن ينتقد أو أن يزايد عليهم''.
عبارات ومفاهيم تذكرنا دوما بأن هتلر وموسوليني وصلوا أيضاً إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع.

وعندما عدت لقراءة تلك الوثيقة التي نسيها الجميع التي أطلقنا عليها ميثاق العمل الوطني، وجدت نفسي اضحك عندما قرأت هذه العبارة في ديباجة الميثاق ''وقبل انبثاق فجر الرسالة الإسلامية كانت البحرين تحتضن بحرية تعدد الأفكار والمعتقدات على أرضها في نموذج نادر المثال في تلك العصور''.
وفي الفقرة التي تليها ''في ظل هذا التسامح الروحي والفكري ازدهرت الثقافة وتعايشت الأديان وشهد الشعر العربي على لسان شعراء البحرين أورع القصائد في الفكر والوجود مبشرة بنهضة جديدة للعرب على مسرح التاريخ''.

[1]،[2]،[3]،[4]: صحافة محلية 21 مارس .2007
[5]: أخبار الخليج ''النائب الرميحي: نرفض تدخل الجمعيات في عمل النواب وتحريضها على رفض قوانين الملك'' - 12 مارس .2007

الوقت- 25 مارس 2007

أقرأ أيضاً: