محمد أحمد البنكي:

لو تساءلنا ما السر في أي مشروع ناجح، ولو أخذتنا الاحتمالات إلى عوامل شتى، فإن إجابة مقنعة ستحضر قبل غيرها، هي أن السر في ''الخلطة''. ينطبق هذا الكلام على مهرجان ربيع الثقافة الذي يستهل دورته الثانية اليوم. فلكل مهرجان حتى ينجح، فرص وتحديات، إذا تعاظمت كفة الأولى تضاءل تأثير الثانية، فكان النجاح، والعكس بالعكس.
في ربيع الثقافة تم استثمار حزمة من العوامل الإيجابية والسوانح والفرص لدفع الفعالية نحو الفرادة والتميز، فخارج إطار ''التشبيكة'' التنظيمية الناجحة، سنتحدث عنها لاحقا، هناك دقة ''عين الصقر'' في الوقوع على التجارب الإبداعية المضيئة، عربياً وعالميا، وتطريزها ضمن نسيج واحد. إذ هناك شكل من أشكال التراسل الخفي والحوارية المتناغمة بين التجارب وذهاباتها ومشاريعها البحثية.
لنتخذ مثالاً على ذلك ''التشبيكة'' التي تمثلها أضمومة: قاسم حداد، كاميليا جبران، خالد الشيخ، مارسيل خليفة، فرقة كاركلا. إن المتابع للساحة الفنية والإبداعية يدرك كم بين هذه التجارب من تقاطعات ومفترقات وأرضيات مشتركة بحيث يمكن صناعة ''كونسرتو'' واحد منها له إيقاعاته وظلاله وتجاوباته المتمازجة.
فالسؤال الباحث عن أفق تحقق للتجربة الإبداعية، سؤال ضرب هذه التجارب في مطالعها من الوريد إلى الوريد. إنطلق مارسيل خليفة من أفق تلقي عماده جمهور الحزب الشيوعي اللبناني في أجواء اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية أواسط السبعينات، وكان قاسم حداد يومها، ينجز تحوله الإبداعي الأبرز، في طين التجربة، مع الأسئلة التي فجرتها دواوين ''الدم الثاني''، و''القيامة''، و''قلب الحب''. هذه التجارب الثلاث التي مثلت مفصلاً انكسارياً في علاقة الكتابة بالإلتزام الحزبي وكانت نقطة انقلابية في التجربة.
في الغضون، أو ربما لاحقاً قليلا، كان خالد الشيخ في الكويت ينطلق من الصليل نفسه، محتشداً بأغنية شعاراتية ملتزمة تغني عذابات العمال في المعامل والمصانع والحقول في البحرين، وتنتخب الكلمات من درويش والقاسم وتوفيق زيّاد، وبقية كوكبة الإلتزام الساطعة في ذلك الوقت.
مظلة كبيرة للمعابر التي ستدلف إليها هذه التجارب، وستغتني وتزداد ثراء في ظلها هي أدونيس. فبالموازاة مع تواريخ هذه التحولات كانت البؤرة الأدونيسية الخصبة تنتج مفاعيلها (وخرابها الجميل) و(تفجيرها للغة) عبر: ''أغاني مهيار الدمشقي''، ''المسرح والمرايا''، ''هذا هو إسمي''، والحق أن السماء الرؤيوية التي كونتها تجربة أدونيس كانت من الامتداد والسمو وتنوع الإمكانيات بالمدى الذي أتاح لغبارها الإبداعي أن يضرب في كل الأرجاء مخلفاً دماراته ونيازكه وحممه ومتيحاً للالتماعات الجميلة للأخذ بقبس من هذا الممكن الجمالي أو ذاك.
واحتفاء بالأشياء الغامضة الواضحة كان المشهد بجملته ذاهباً في البحث الإبداعي، منفصلا أكثر فأكثر عن جواذب الإلتزام، بالمعنى المسطح الشعاراتي، موغلاً قليلاً قليلا، أو على عجل، في تشبيكة الإبداع التي ليس أجمل في تصويرها من مقولة قاسم حداد في مؤتمره الصحافي قبل أيام: ''لندعهم يذهبون في حروبهم ونذهب نحن في حبنا''.
مهرجان ربيع الثقافة التقط هذه الحالة وأدرك، وهو يقدم للمتلقي البحريني أضمومة الإ بداع الإنساني العميق، وشائج التواصل بين تجربة قاسم حداد التي تواصلت بشكل فعلي مع تجربة أدونيس، متحولة من الاتهام ''التشنيعي أحيانا''! بالتأثرات الاستنساخية لأدونيس إلى حالة حوارية راقية مع أدونيس تجسدت عبر منجز إبداعي مشترك في تجربة ''وجوه''. كما تعانقت تجربة حداد مع تجربة مارسيل، لا على صعيد الرؤى والذهابات وإنما على الصعيد الفعلي كذلك عبر تجربة ''جسد'' التي لم تر النور، وهي اليوم ماثلة عبر افتتاحية ربيع الثقافة التي تزج بقاسم ومارسيل في ورطة الحب الجميل عبر استلهام قصة ''مجنون ليلى''.
لم تكن تجربة خالد الشيخ بعيدة عن هذا كله، ولازلت أذكر الحماس اللافت الذي حدثني به مارسيل خليفة عن تجربة خالد الشيخ حين التقيته في مهرجان قرطاج ذات لحظة باكرة من مطالع التسعينات. خالد الشيخ أنجز تجربة (سماها يومها جهنمية أو شيطانية) مع قاسم حداد وإبراهيم بوسعد (وعبد الله يوسف في لحظة تالية)، وتقاطرت بعض مستلات هذه التجربة لتدلف مثل الجراثيم الجهنمية في أشرطة خالد الشيخ بشكل منتظم وسنوي.
ربما كانت كاميليا جبران، الأصغر عمرا، والأحدث تجربة على مواعدة ذات مفارقة صارخة مع أسئلة الإبداع والالتزام، فهي (لحسن حظها؟ أم لسوء هذا الحظ؟) قد ظهرت على الساحة مغنية واعدة، يافعة مع فرقة شرقية صغيرة هي فرقة صابرين، تتحدر من التراث الفلسطيني وتغني ''لشعراء المقاومة'' في وقت كانت بوصلة السياسة تذهب بأبي عمار والأجواء الفلسطينية الرسمية إلى اتفاقات أوسلو، وعملية السلام ومفاهيم استبدال الكلاشينكوف بغصن الزيتون.
وكانت هذه المفارقة الصارخة كافية لشطر تجربة كاميليا جبران شطراً ساطياً وكافٍ لهز القناعات والهبوط على أرض جديدة تماما، هي أرض الإبداع بمفهوم الإلتزام الإنساني الأشمل من التزام الحزب والبندقية والمأثور الأيديولوجي.
من هنا كان على كاميليا جبران أن تلتحق بالسماء نفسها، والإحتفاءات الغامضة والواضحة، الهاجسة بالإبداع والحب والحوار الإنساني قبل أي شيء آخر.
ربما علينا أن نتفطن إلى أن البحث الكوريغرافي الجميل الذي كان عبد الحليم كاركلا يوطده لم يكن بعيداً عن هذه الدائرة، فقد صاحب مارسيل خليفة فرقة كركلا في أعمال عديدة طوال مسيرتها الفنية، وفيما كان مارسيل، يمعن أكثر فأكثر في تطلب الموسيقار داخله كانت الفرقة تشتبك في حواريات الكلمة والجسد والسنوغرافيا في علاقتهم بالتراث والإيماء الأدائي الحديث.
يقدم لنا ربيع الثقافة هذا كله فيم يمكن قراءته على أنه اختيار جمالي، ينحاز إلى رؤية متناسجة متناغمة ذات مفاعيل وظلال ربما امتدت تشبيكاتها فتواصلت مع الموسيقى الروحية الإيرانية والإيقاعات الأفريقية بسلمها الموسيقي المختلف، والدفق الأمريكي اللاتيني، والرقص الشعبي الياباني والفلبيني والتايلندي، وكلها ألوان ستضمخ الربيع ولياليه بصوت الفن وتكويناته المرئية في تسلسل متأنق واحد.
على محور آخر يحضر الفكر الحديث مشكّلاً سماءه الأخرى التي لا تبتعد عن السماء الأدونيسية الإبداعية وذلك عبر الضيف الأبرز في المهرجان المفكر الإستثنائي محمد أركون. فهذا الأستاذ المتقاعد الذي يحضر من أجواء السوربون الخامسة، يحضر مرفوقاً بترسانة باذخة من المفاهيم والأدوات المعرفية التي طرحتها ''إسلامياته التطبيقة'' بما تنشده من ''تعاقل'' يقرأ، بشكل مزدوج الفكر العربي منذ ''الحدث القرآني'' وفق ''تاريخية'' تأخذ بأسباب التجديد المعرفي، مقتبسة من تراث عصر الأنوار الأوروبي، ومتصدية لأعقد الإشكاليات التي تواجه ''العقل الإسلامي'' (وليس العقل العربي)، ولعل من أخطرها أشكال التعصب ومآزق الخلط بين الدين والسياسة، وتهميش الفكر العقلاني اعتماداً على المتخيل غير المنقود.
الفضاء الذي تدشنه هذه المعطيات السابقة يتعزز مع حزمة من المقترحات والتنويعات الموسيقية من ناحية والدرامية والتشكيلية من الناحية الأخرى. فعلى الجانب الموسيقي يحضر الفضاء المتوسطي عبر ألوان من التراث البحريني مع فرقة محمد بن فارس وتتسع الدائرة لتشمل جذوراً شرقية يقدمها طوني حنا من لبنان والأخوان شحادة من فلسطين، وغادة شبير المتخصصة في الموسيقى البزنطية لمنطقة شرقي البحر المتوسط، ثم تمتد هذه الدائرة لتشمل الموسيقى الفارسية الصوفية. كما أن للتشكيل مساحته في تلوين مكونات خلطة البرنامج حيث تتضافر المنحوتات الزمبابوية مع أعمال الفنانين خالد فرحان وجعفر العريبي، والفنان العراقي جبر علوان وأعمال سمبوزيوم النحت، وأعمال أخرى في تلوين البرنامج واستكمال تنوع باقته.
وإذا كانت مكونات البرنامج هي سر الخلطة الأولى للنجاح فإن سر الخلطة الثانية كامن في أطر التنظيم والتنشط الثقافي بما يحرك هذه الأطر من كوادر وفاعلين ثقافيين وآليات تنظيمية دؤوبة ومتعشقة للنجاح والتفوق.
كل مهرجان، حتى ينجح، يحتاج إلى عناصر فاعلة تسهر على توفير عوامل النجاح التنظيمي منذ وضع اللبنات الأولى في التحضير والمراسلات وتنسيق المواعيد، مروراً بالكفاءة الإدارية في استقبال الضيوف وتسكينهم وتوفير احتياجات البروفات، مروراً أيضاً بالحملة الترويجية على مختلف الوسائل والقنوات الإعلامية، إتصالاً بإعداد أماكن العرض وتجهيز المطبوعات، وتأمين وصول الدعوات إلى المدعوين، واحتياجات اللجان المختلفة من مواصلات وضيافة وعلاقات عامة وتجهيزات........إلخ.
في دورته الثانية يعرب مهرجان ربيع الثقافة عن مراهنته على خلق كوادر كفوءة تتحمل مسؤولية هذا كله بحيث لا يكون في الواجهة الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية، والشيخة مي بنت محمد آل خليفة الوكيل المساعد للثقافة والتراث الوطني وحدهما، بل تبرز طاقات أخرى تضطلع بمسؤولية التواصل مع الجمهور والنطق باسم المهرجان وفعالياته، كما رأينا بروز المتألقة دينا قصراوي من مجلس التنمية الاقتصادية والتي صرحت للصحف حول البرنامج واحتمالات تأخير أو إلغاء بعض الفعاليات مؤكدة على جاهزية كل نشاط في موعده، وكذلك الفنان المبدع عصام الجودر الذي أدار المؤتمر الصحافي للفنان مارسيل خليفة والشاعر قاسم حداد وهو يدير غير جانب من جوانب النشاط على امتداد هذه الفعالية أيضا.
من متابعاتي لمهرجان قرطاج ومهرجان القرين بالكويت وفعاليات مكتبة الإسكندرية والأنشطة التي يقوم بها المجلس الأعلى للثقافة في مصر، ألاحظ أننا بتنا على ألفة مع بعض الوجوه من المنشطين الثقافيين الذين يمهرون في التعامل مع هذه الفعاليات وأداء واجباتهم ومهام اللجان سنة إثر الأخرى، حيث أصبحت خبرتهم التنظيمية وقدراتهم التواصلية أكبر ضامن لنجاح هذه الفعاليات ورفد إمكانياتها اللوجستية على كل صعيد.
في مكتبة الإسكندرية مثلا تواجهك طاقات شابة من الفئات العمرية الواقعة بين العقد الثاني والعقد الثالث من العمر تتراكض هنا وهناك متناغمة ضمن ثقافة خدماتية متأنقة حتى راح المنظمون في اللجنة العليا يتفاخرون بطاقمهم الشاب في مفتتح كل فعالية أمام الضيوف.
أرى أن ربيع الثقافة ينطوي على إمكانية إعداد فرق من هذا النوع تكتسب خبرات تراكمية تتعامل مع الحدث وفق ثقافة (شيك) تعكس وجه البحرين الحضاري وتنقل للضيوف رسائلهم الضمنية عن هذا الشعب وضيافته وحدود احتفائه بالثقافة والإبداع. وهذا هو سر ''خلطة'' النجاح الثانية.
أما الخلطة الثالثة والتي تكتمل بها أركان النجاح، فهي القددرة على خلق معادلة متوازنة بين الإبداع واستثمارات رأس المال. وفي هذا الصدد لعل ربيع الثقافة هو أول فعالية كبيرة شاملة تنتهج نهج الصناعة الثقافية المتطورة، متكاملة الملامح، التي تدرج الفعل الثقافي في خريطة الاستراتيجية العليا للتنمية والتنشيط السياحي والترويج الاستثماري الناجح للبحرين، ولعلها الخطوة الموفقة التي يقدم عليها مجلس التنمية الاقتصادية بالتضافر مع شركة بتلكو للاتصالات باعتبارها واحدة من كبريات الشركات الرائدة في البحرين للتنسيق مع قطاع الثقافة بوزارة الإعلام، بل ومع العديد من المشاريع الثقافية- التجارية، كالجاليريهات والمراكز الفكرية في البحرين، أعني مشاركة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة ومجموعة المراكز الشقيقة له وبعض المعارض الفنية التي تديرها مديرات مثقفات بصرياً يعرفن كيفية التعامل مع التجارب التشكيلية ذات التميز والغنى في المشهد العربي والعالمي.
ربيع الثقافة علامة تميز باذخة في سماء البحرين مهمتنا الوطنية أن نسعى في إنجاحها وتكثيف رهاناتها والشد على أيدي القائمين عليها، ومن نجاح إلى نجاح كل ربيع ثقافة وأنتم جميعا بخير..

الوطن-

****

خصوصية الفن أقوى من الاعتبارات والايديولوجيات السياسية والدينية
إختلفوا لكنهم أجمعوا على خطورة الوضع ..تشكيليون و مسرحيون

ثقافة - المحرر الثقافي:

"أيّ صنف من المعرفة يسمح بتأمل الحقيقة الجوهرية للعالم؟ أيّ نوع من أنواع المعرفة تُتأمّل فيه المُثل للإرادة؟
هذه المعرفة الخاصّة هي الفنّ، عمل الإنسان العبقري".
عندما عبّر الفيلسوف الألماني آرتور شوبنهاور عن الفن كان تعبيره قريباً جداً من فكرتَي "الحقيقة" و"المُثل" ثم اتجه ليرصد هاتين الفكرتين لمسمى "العبقرية"، الفعل المعرفي الناتج عن التأمل في الحقيقة وفي المثل والقيم الخاضعة لقانون الإرادة.

أمّا حين يُلزم الفن وتُلزم العبقرية بقانون أو رقابة سيبدو الفن بتفرعاته صورة مستنسخة من تفكير مقيّد، تفكير بعقل آخر لا يمت للفنان بصلة، سيُفقده تذوقه لفنه، وسيفقد المتلقي متعة التعرف على ماهية الفن وقيمته وقدرته على اختراق الحواجز الظلامية للتفكير.
ماذا يمكن أن ينتج الفنان حينئذ؟ ماذا يمكن أن ينتج المسرحي؟ ماذا يمكن أن تنتج الثقافة في ظل رجعية سليطة على الأفكار والعقول؟
من أمام إحدى لوحاته في مرسم جمعية البحرين للفن المعاصر كان الفنان التشكيلي عبدالكريم العريض يتحدث عن مخاوفه من أن يمتد هذا الحشد الرجعي ضد الثقافة إلى كل ما له علاقة بالجمال والخير في هذا البلد، فيدعو لضرورة حشد الجهود لمواجهة كل خطر يحيق بالثقافة وكل مساع لهدم المشروع الثقافي الذي بدأه الروّاد كأفراد منذ خمسين عاماً أو أكثر قبل أن تتبناه الدولة. كيف يمكن صدّ هذه الهجمة وتفادي خطورة فرض القيود على الفنان التشكيلي خصوصاً والمثقف عموماً؟.
يقول العريض: "البيت الثقافي البحريني والتشكيلي خصوصاً بحاجة إلى لمّ الشمل والوقوف على أسباب القطيعة القائمة بين أفراده من أجل صد كل الهجمات التي يراد منها هدم هذا البيت فوق قاطنيه" ويضيف بحسرة الخائف على مشروع تشكيلي بدأه وثلة من رواّد الحركة التشكيلية قبل خمسين عاماً: "إذا كنا نختلف كأهل بيت واحد فيما بيننا، وتُخلق فيما بيننا الحساسيات والصراعات من خلال إقصاء وتهميش البعض على حساب مشاركات البعض الآخر في البرامج والفعاليات الرسمية والدعم الرسمي، سيكون من السهل جداً وضع رقابة جاهلة أو سلطة جاهلية فوق رؤوسنا جميعاً، وقديماً قيل: اليد الواحدة،، لاتصفق ".
ويكمل العريض: "المعنيون بربيع الثقافة وقعوا في أخطاء تنظيمية عدّة ومنها إقصاء جمعية البحرين للفن المعاصر رغم ثقلها الفني وتاريخها الكبير من المشاركة في ربيع الثقافة وكذلك التفرد بوضع برامج ربيع الثقافة للعام الثاني وتهميش المؤسسات الثقافية في البحرين وعدم الأخذ برأيها مما خلق مشكلات بدأت في الظهور ومنها مشكلة مسرح كركلا التي بدأت تفاصيلها تتكشف يوماً بعد يوم" يقول العريض ذلك مؤمناً أن هذه الأخطاء تنظيمية لا تنتمي لجهة التدخل في نوع العروض وتفاصيلها، في هذا الشأن للعريض رأي: "هذا التدخل سيرجعنا لنقطة الصفر بعد أن بدأنا خطواتنا منذ أكثر من 04 عاماً، ما قام به هؤلاء هي اجتهادات شخصية وتكتيك سياسي أقرب من كونه ديني، فهم لازالوا بعقلياتهم يسعون لجذب انتباه ناخبيهم اعتقاداً منهم بغفلة الجمهور البحريني الذي لازال يطالبهم بحل المشاكل التي تعصف به مثل مشكلة حقوق الإنسان والإسكان". ويستطرد كريم: "الفن أصبح أمراً عالمياً، لا يقتصر الفن على عرض لمارسيل أو لكركلا يقام في ربيع الثقافة، التلفزيون والأنترنت ووسائل الإتصال كلها تغذي الجمهور العربي والعالمي بشتى أنواع الفنون ومن يذهب لمشاهدة مثل هذه العروض هو بالطبع إنسان أوسع عمقاً من تفكير هؤلاء".
ويضيف: "طوال عمري الفني لم أر أحداً منهم يزور معرضاً تشكيلياً أو يشارك في توقيع كتاب أدبي أو يحضر عرضاً مسرحياً، كيف يمكن لمثل هؤلاء بجهلهم الفكري أن يضعوا نفسهم في محاكمة إزاء مشروع ثقافي لبلد بأكمله وهم لم يناقشوا يوماً قضية فكرية ولم يحضروا حتى ندوة؟".
مواصلاً يضيف: "الفن أكبر من مناقشة برلمان، يحتاج نقد الفن إلى أكاديميين وأصحاب مهنة، هم بذلك يضعون يدهم على فم الزجاجة، وبالتالي هي محاولة لخنق المثقف وعزله عن الثقافة بمفهومها العالمي".
وأكثر تعمقاً في التشكيل يقول كريم: "التشكيل كائن حي حر، هو كالطائر عندما تضعه في قفص، كنا نسمع من قبل ستين عاماً أنشودة الطائر الصغير حين يقال: (يا طائراً ما أجملك.. أنت على الغصن ملك) كيف يُصار اليوم إلى وضع هذا الطائر في قفص التشريعات الجاهلة والرجعية؟".
ويختم العريض حديثه بقوله: "إنّ الفن جاء من منطلق شعبي، حيث كان الناس منذ 05 سنة يقيمون المشاريع الفنية والثقافية قبل أن تتبناها الدولة حتى، لذلك أعتقد أنّ الإنسان البحريني الذي أنشأ هذا الانفتاح الثقافي والفني في البحرين، قادر على أن يحميه من عبث الجاهلين".
الفنان التشكيلي أنس الشيخ كان هناك أيضاً، ضمن مجموعة من الفنانين في مرسم الجمعية، بيد أنه بدا أكثر تحفظاً في حديثه رافضاً أن يُستخدم المثقف كأداة في حرب السياسة حسب تعبيره، أنس الذي بدا اكثر صراحةً فتح النار على الحكومة لعدم وقوفها بصف المثقفين وعدم إعطائهم فرصة إبداء الرأي وتهميش آرائهم المنفتحة، كما هاجم المثقفين كونهم سببا فيما يتعرضون له اليوم من حملة حسب قوله "لأنهم كانوا يبحثون عن مصالحهم الشخصية على حساب الكيان الثقافي للمملكة ولم يسعوا لتشكيل أرضية صلبة لهم من خلال دخولهم في صراعات ومهاترات طيلة الفترة الماضية على أمور ثانوية". واستنكر أنس من التجار الليبراليين الذين يدافعون اليوم عن الثقافة "وقوفهم موقف المتفرج منها ومن فعالياتها المدنية طيلة الفترة الطويلة من عمرها، واقتصار دعمهم على الأنشطة الثقافية الرسمية من أجل مصالحهم الشخصية"، وتساءل عن إمكانية أن يقف التجار مع الثقافة مادياً كوقوفهم معها من خلال التصريحات الصحفية "أم أنها مجرد جعجعة ستكون طارئة وتنتهي بعد فترة".
يواصل الشيخ مقترِحاً إنشاء مؤسسة ثقافية لدعم مشاريع الثقافة يقوم عليها مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال التقدميين وأصحاب الأفكار النيرة في المملكة بدل إلقاء اللوم على المتشددين ومهاجمتهم، ويضيف: "المثقف سلبي والجماعات الليبرالية أيضاً، بعضهم يعيش في برج عاجي بعيداً عن هموم المثقف وتطلعاته" مشيراً إلى "ضرورة نقد أنفسنا قبل مهاجمة الآخرين والتحرك الجدي لمواجهة مثل هذه الأمور".
في نهاية حديثه يؤكّد الفنان أنس الشيخ على ضرورة معرفة موقف الدولة مما يحدث ووقوفها إلى أي صف، متسائلاً عن إمكانية وقوفها مع المثقف في حال كانت له توجهات أخرى تخالف توجهاتها.
أما الفنان راشد العريفي فيؤكّد على ضرورة أن يقف المثقف للدفاع عن البحرين في وجه المتشددين وأصحاب الفكر الضيق، مشيراً إلى أنّ مثل هذه الأفكار تسعى لاجتزاز الروح الخيرة من المجتمع ومنها روح الفن التشكيلي ويضيف العريفي: "يسعون لاجتثاث هذه الروح عبر الشارع مستغلين غفلته المؤقتة، وإذا كان الشارع غافلا يوماً عنهم يجب أن يهب المثقفون للدفاع عن حريتهم لأنهم المعني الأول بها".
ويطالب العريفي الحكومة باستغلال ما يجري من أجل إعطاء دور قوي للمثقف ليبدي رأيه والذي هو رأي أغلب البحرينيين حسب قوله مستغرباً من الحكومة التي "تضم نخبة فكرية في تشكيلتها" عدم وقوفها ضد المتشددين وعدم إعلان رأيها حتى الآن مما يجري.
ل "رؤى" كانت هناك وقفة أخرى مع مسرحيين منهم الناقد المسرحي والكاتب البحريني يوسف الحمدان الذي صرّح حول هذا الموضوع بقوة، يقول يوسف إن القضية أساساً ليست قضية المسرح، وإن كان المسرح أحد المتضررين الكبار فعلاً، غير أنه يرى أن المتضرر هو كل إنسان تستنشق رئته أي هواء صحي ونقي في هذا الوطن، وأن كل من يريد أن ترى عيناه بصيصا من نور هو متضرر من هذه الهجمة الشرسة التي تشنّ ضد الفكر والوعي وضد أي رؤية متحررة ومتنورة، ويضيف "ذلك أن هؤلاء ليس ديدنهم الثقافة وحسب، وإن كانت الثقافة مدرجة ضمن أولولياتهم، إلا أنهم يخططون لإنهاء أي مشروع يطمح إلى نشر المحبة والمعرفة والتقدم في هذا الوطن، إنها سلسلة طويلة من الأشياء الجميلة التي هم يخططون ويمضون في الهجوم عليها من بينها قانون الأحوال الشخصية، وتحرر الفكر والعقل، ومشاريع التنوير، وكأنهم يريدون أن ينصبّوا أنفسم في منطقة حدود تمنع وتصادر وتلغي، وكأنهم يحملون ختم المرور لأي فكرة، فيسمحون لها أو يمنعونها من أن تمرّ إلى هذا الوطن".
الحمدان يرى أن الوصاية التي يريدون طرحها هي وصاية مدمّرة يطمحون إليها، وبرغم معارضتنا لكل الوصايات - يقول الحمدان - إلا أن هذه الوصاية فاقت التوقعات، ويضيف:"أنا لا ألوم هؤلاء فحسب، وإن أردنا أن نحاول استخلاص أسباب فإنني ألوم من انتخب هؤلاء للبرلمان، وكذلك ألوم المؤسسات التي تعطيهم الفرصة ليمرروا مشاريعهم السوداء، وألوم مؤسسات المجتمع المدني التي لم نسمع صوتها بعد".
وحول مؤدى مثل هذه الأفكار يقول الحمدان: "إن مثل هكذا مشاريع سوداء وجاهلة هي ما تقود أي مجتمع إلى اصطفاف طائفي، وإلى تشتت وتشرذم وتخلّف، وإن لم يُتصدّ لمثل هذه الأفكار فإن اليوم الذي توظّف فيه الثقافة ضد الثقافة سيأتي، واليوم الذي يوظف فيه المسرح ضد المسرح سيأتي، لأن من يفكر بمثل هذه الطريقة، ويتدخل في الثقافة بمثل هذه الطريقة السمجة لابد أن يفكر أن يتدخل في الثقافة ويهاجمها من داخلها وهذا هو الأمر الخطير الذي يمكن يحدث، والذي من المفترض بنا أن لا ندعه يحدث".
ويضيف: "الأمر الآخر أن هؤلاء يثيرون من خلال هذا الطرح أمراً في غاية الأهمية، إذ انهم بهكذا حصار يريدون فرضه على الثقافة، فإنهم يحاصرون كل شيء في هذا الوطن، وكل شيء يصير قابلاً للمصادرة، وقابلاً للتأويل المتخلّف، القيم الأخلاقية ليست حكراً عليهم، غير أنهم صاروا يتاجرون بها، ويتاجرون بالدين، من أجل مصالح شخصية، ونحن ضد أي متاجرة بالفكر، ونفترض التنوع والغنى لا الأحادية والفقر الفكري، والمؤلم في الأمر انهم ينطلقون بأفكارهم من مؤسسة ديموقراطية، من أجل وأد الديموقراطية والحرية، لأنهم بحسب أفكارهم المنغلقة ضد أي مشروع حوار، وأي مشروع حرّ وأي رؤية متقدمة ومتنورة، ويريدون أن يجرّون هذا البلد إلى عصور متخلفة، حتى أن كلمة الظلامية هي كلمة غير قادرة على توصيفهم، لأن الأفكار التي يحملونها هي أكثر وأشد ظلاماً".
ويدعو الناقد الحمدان كل من في البرلمان من القوى وخصوصاً تلك المثقفة والمتحررة، أن يكون لديهم وجهة نظر ضد مثل هذه الأفكار، مؤكداً على أهمية أن عمل المؤسسات الثقافية في فهم هكذا فكر من خلال التحاور الإيجابي معهم، ومن خلال اختبار جديّة الأفكار التي يتبنونها ويطرحونها، ويشدّد الحمدان على أن الدور الذي يجب أن يقوم به المثقف يجب أن يرتفع عن أن يكون رد فعل مؤقت للأحداث، ويدعو إلى أن يبني المثقف مواقفه على نوع من تراكم الذي يستطيع أن يوقف مثل هؤلاء عن التفكير في الثقافة بمثل هذا المستوى.
ويذهب الناقد الحمدان إلى أنه على المثقفين والمؤسسات الثقافية إن أرادت أن تشرح قضيتها أن تذهب إلى الأشخاص البسطاء الذين يقف هؤلاء الأشخاص خلفهم، وأن يقنعوهم بأهمية الثقافة، واستيعاب الإنسان البسيط هو الركن الأساس الذي يقوم عليه عمل المثقف لأن كلام هؤلاء الأشخاص دونما هذا الإنسان البسيط هو مجرد قبض ريح.
ويضيف الحمدان أنه على المثقف أن لا يعتمد أبداً على الفرقعات الإعلامية، وإصدار التصريحات المؤقتة ثم السكوت عن القضية كأن لم تكن.
الفنان عبدالله ملك قال ان المسرح قد وقّع على عريضة تطالب برفع مثل هذه الرقابة غير المبررة على العروض، غير أنه أكّد أنه يرى أن الأمر برمّته هو مجرّد تصفية حسابات شخصية بين أطراف محددة، وأن دخول القوى الدينية على الموضوع، زادَ الأمر سوءاً، ويرى ملك أن أحداً لا يمكنه أن يقف ضد ربيع الثقافة الذي خلق حالة من الحراك الثقافي في البحرين، ويؤكد ملك أن قانون الرقابة في ظل قانون أمن الدولة سابقاً كان متسلسلاً، حيث يعرض النص على لجنة بوزارة الإعلام، ثم ينتقل لوزارة العمل، ثم ينتقل لوزارة الداخلية، ثم يعود لوزارة العمل، وهكذا يدخل النص المسرحي في دوامة من الرقابات، بينما الرقابة الآن هي نابعة من ذات المبدع، لذا فينبغي على المبدع أن يحترم ثوابت الدين والمجتمع في مقابل أن يحترم المجتمع أيضاً خصوصية الفن، مؤكداً أنه إن كان التعبير الجسدي ممنوعاً فيمكن بعد ذلك أن تمنع فنون كثيرة وتحرم منها الساحة الثقافية في البحرين من بينها "الباليه" الذي هو فن حضاري محترم في العالم كله.

الايام- رؤى

****

تعليقا على جدل "مجنون ليلى" في البحرين
قاسم حداد ومارسيل خليفة: جئنا لنعلن الحب..ارفعوا أيديكم عن حناجرنا

سعدية مفرح:

أثار عرض 'مجنون ليلى' الذي افتتح به مهرجان ربيع الثقافة في البحرين اخيرا جدلا واسعا بين الإسلاميين الذين طالبوا بمنع العرض لاحتوائه على 'مشاهد جنسية'، من وجهة نظرهم، وبين الليبراليين الذين رأوا في ذلك تقييدا للحريات والابداع.
'مجنون ليلى' من تأليف الشاعر البحريني قاسم حداد، وموسيقى الفنان اللبناني مارسيل خليفة، وتعليقا على ذلك الجدل المحتدم والآخذ في الاتساع والحدة في البحرين أصدر حداد وخليفة بيانا قالا فيه: عندما ذهبنا إلى التراث العربي بحثا عما يضيء حاضرنا، ونستعيد به ما نسيناه وما افتقدناه في حياتنا الراهنة، نعني الحب، جلبنا درة الحب الخالدة، شعلة الوجد التي لا تخبو جذوتها ما دام هناك عاشق أو عاشقة يتنفسان الحب.
جلبنا حكاية من ذاب - وقيل من جن- حبا، وقمنا بصقل الحكاية بما تيسر لنا من شعر وموسيقى وغناء ورقص ودراما. وما كان لدينا غير مطمح واحد: أن نحرض الناس على الفرح لا الغياب، على الحياة لا العدم.
كانت غايتنا أن نعبر عن العاطفة الإنسانية في أبهى وأنقى تجلياتها، وأن نمجد الجدير بالتمجيد: الحب.
وأضاف حداد وخليفة في بيانهما المشترك الذي أصدراه صباح أمس قائلين: أبدا لم تكن غايتنا أن ندغدغ الغرائز الأدنى عند جمهور جاء، بكل براءته وثقته وفطنته، ليعرف ويستمتع ويفتح قلبه على سعته، بلا موقف مسبق، بلا ضغينة، ولا أحكام.
جمهور بيننا وبينه ميثاق من الاحترام المتبادل، لا يمكن أن نحط من قدره بتقديم ما هو فج ومسف ومبتذل.
لكن، أبدا لم يخطر ببالنا أن ما نقدمه من عرض نظيف وبريء، ومتجرد من النوايا السيئة والخبيثة، سوف يتم تأويله -غيابيا- بخلاف ما هو مقصود، وسوف يرى فيه حماة الدين والأخلاق والطهارة عملا فاحشا ومعيبا، وسوف يرون فيه خروجا على الشريعة الإسلامية والأخلاق العامة.
إرهاب فكري
واشار البيان الى ان محاولة نواب الكتل الإسلامية، وأتباعهم، التصدي لعمل 'مجنون ليلى'، ولجميع فعاليات 'ربيع الثقافة' في البحرين، وتشكيل لجنة تحقيق في ما يسمونه خروجا على الشريعة، مثل هذه المحاولة لا ننظر إليها بوصفها رغبة في تصفية حسابات سياسية أو شخصية، بقدر ما ننظر إليها، عمقيا، كمحاولة مقصودة، ومنظمة، لإرهاب أشكال الفكر والثقافة كافة، وقمع كل مسعى إبداعي. الثقافة الحرة، الرافضة للامتثال، هي المستهدفة.
إنه دفاع باطل، عقيم، مشكوك فيه، عن دين لا يستمد قوته وعظمته واستمراريته من العنف (اللفظي والبدني) الذي يمارسه فقهاء الظلام وتجار الفتاوى، بل مما يدعو إليه من تعايش وتسامح ومحبة. دين، في جوهره، قائم على الحوار والاجتهاد. دين لا يحتاج إلى دم شاعر أو صمت أغنية كي يحافظ على بقائه، لا يحتاج إلى صراخ وانفعال وتشنج في الدفاع عنه.
إنها دعوة صريحة ومباشرة للانغلاق، لمصادرة حق الآخر في التعبير، لإنكار تعددية الأصوات، والمفارقة أن تنطلق هذه الدعوة من موقع (برلمان) يفترض فيه أن يكون منبرا لمختلف الأصوات والاتجاهات.
المثقف متهم دوما
وأكد الشاعر والفنان أن مثل هذه الدعوة لا تحتقر الإنسان الحر، الراغب في المعرفة والمتعة، لكنها تحتقر أيضا بلدا متحضرا ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين لذا يحق لنا أن نتساءل:
هل يليق بوطن متحضر أن يمثل شعبه نواب يتوهمون امتلاك السلطة.. سلطة المنع والكبح والمصادرة؟ نواب ترتعد فرائصهم كلما لاحت في الأفق قصيدة أو أغنية لا تمتثل لشروطهم فيستنفرون الكراهية والتعصب؟ نواب يرون الشيطان الرجيم يسكن في كل أغنية أو رقصة أو مشهد أو نص؟ نواب يظنون أن الله يبسط، لهم وحدهم جناح الرحمة ويعادي الآخرين؟
نواب ليس من مهمات (مجلسهم) أن يعطي شعبا برمته درسا في الأخلاق، ولا لأحد منهم أن يعلمنا الوطنية.
ارفعوا أيديكم
لفت حداد وخليفة الى ان ما يحدث هنا( البحرين)، حدث ويحدث في أراض عربية متفرقة.. بشكل أو بآخر. المثقف العربي متهم دوما، أو عرضة للاتهام في أي وقت، ما دام يبدع. لذا فهو ليس مطالبا بأن يبدع فحسب، لكن أن يدافع أيضا عن إبداعه ضد قوى القمع المتربصة به عند كل منعطف.
وختما بيانهما قائلين: يحق لنا هنا أن نحيي ونعانق جميع القلوب العاشقة والعقول الحرة، التي عبرت عن تمسكها الجميل بالحب وبالحرية، مسألتان لا يمكن التفريط فيهما كلما تعلق الأمر بالحياة والإبداع، نريد أن نقدر الموقف الحضاري الواضح والجريء، مطمئنين بأن ثمة مستقبلا جميلا لا يمكن لأحد منعنا من الذهاب إليه أحرارا، وبمختلف اجتهاداتنا الفكرية والفنية.
نضم صوت شعرنا وموسيقانا إليكم، لنقول لهم معا:
ارفعوا أيديكم عن حناجرنا.

21/03/2007 القبس-

*****

نواب البحرين يسيسون الثقافة ويحاربونها

مهند سليمان من المنامة:

ينشغل الشارع البحريني السياسي والثقافي الذي يتابع مهرجان ربيع الثقافة بإهتمام، ما أعلن عنه مجلس النواب البحريني من تشكيل لجنة تحقيق برلمانية أمس بشأن العروض التي إعتبرها الإسلاميون "خليعة" وقدمت في المهرجان ، حيث إعتبرها أعضاء مجلس الشورى البحريني - المجلس المعين- وعدد كبير من المثقفين البحرينيين بأنها محاولات إسلامية لعودة "فترات تكميم الأفواه" و"كارثة ثقافية"، ورفض عدد من أعضاء مجلس الشورى تسييس الثقافة وطالبوا بابعاد النواب عن إشغال الساحة المحلية بقضايا ليست ذات أولوية، مؤكدين حاجة المملكة إلى نهضة ثقافية تتزاوج مع حضارات وثقافات الدول الأخرى.

إيلاف كانت قد إنفردت قبل أسبوعين بخبر تشكيل لجنة التحقيق على لسان عضو كتلة الإخوان المسلمين محمد خالد الذي شن المثقفون عليه هجومًا لاذعًا، بسبب تصريحاته ضد المهرجان ، وقال النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو إن مهرجان ربيع الثقافة يعد أكبر تظاهرة ثقافية في البحرين، مشيرًا إلى أن على النواب الذين شكلوا لجنة للتحقيق في هذا المهرجان أن يسألوا عن أسباب نجاحه وفشل مهرجانات أخرى.

صحيفة الأيام البحرينية المحسوبة على التيار الليبرالي شنت هي الأخرى اليوم هجومًا على الإسلاميين وقالت في إفتتاحية لرئيس تحريرها عيسى الشايجي: "لقد كانت لنا صدمة كبيرة وقاتلة لهذا الوطن الجميل إقرار مجلس النواب تشكيل لجنة تحقيق في ربيع الثقافة، هذه الثقافة التي يريد بعضهم أن يهدروا دمها على مذبح الحرية والديمقراطية، وباسم الدين والإسلام والأخلاق!!، وبالطبع سوف نتقبل القرار لو كان يتعلق بتشكيل لجنة تحقيق في فساد أو إختلاس أو رشاوى أو إهدار المال العام، لكن أن يتم التحقيق مع الثقافة فهذا أمر لا يستوعبه عقل الإنسان". وأضاف الشايجي: " إننا سنكون أضحوكة العالم عندما نبدأ بمحاكمة الفنان القدير مارسيل خليفة والشاعر المتميز قاسم الحداد وبتهمة ماذا؟ "الخلاعة"؟ أي مصيبة حلت علينا".

وعلى الصعيد ذاته دعا دعت عضو مجلس الشورى د. بهية الجشي إلى عدم تسييس الثقافة، مؤكدة أهمية بقاء القطاع قائم بذاته. وقالت: "بصراحة، فإن البحرين بحاجة إلى نهضة ثقافية يعززها تقديم فعاليات متنوعة، ويجب ألا نضع على الثقافة قيوداً، وننغلق على العالم، بل نحن بحاجة إلى الإنفتاح ثقافيًا وعلى التيارات الثقافية المختلفة في العالم". وأشار العضو فؤاد الحاجي إلى أهمية التلاقح الثقافي بين مختلف دول العالم، وذلك في الوقت الذي أكد فيه أهمية توائم العروض الثقافية مع ثقافة البلد، وإبتعادها عن الإبتذال، لتمثل فنونًا راقيةً. ونوه بأن البحرين في حاجة لنهضة ثقافية، خاصة وأنها كانت تمثل مركز إشعاع ثقافي وحضاري في المنطقة العربية بأسرها، وليس فقط في منطقة الخليج.

ودعا الحاجي إلى عدم إحباط القائمين على قطاع الثقافة، واصفًا "ربيع الثقافة" بالعنوان الجميل. ومؤكدًا ضرورة أن تأخذ البحرين دورها الريادي في الثقافة كما كانت في السابق، وذلك لإمتاع الناس وإستقطاب السياح.

الروائي أمين صالح قال: "كيف لنا أن نتعايش أو أن نتعامل كمبدعين مع جملة من القوى الظلامية تريد أن تفرض قرارات وأحكام تجاه قضايا إبداعية بناءً على ثقافة السامع - وفي هذا دلالة على عدم إحترافية ممثلي الشعب وجهلهم بأبجديات العمل البرلماني المتقن من حيث دقة استقاء المعلومات والتحري ومن ثم استخلاص الأحكام والقرارات، فهم بهذا يثبتون ودون شك في أنهم فاشلون بكل ما تحمله الكلمة من معنى . وأضاف بأن مجلس النواب أثبت عدم قدرته على ضبط مسار العمل البرلماني وآليته، التي تفتقد إلى الإستراتيجيات والخطط الواضحة في التعاطي مع قضايا الشعب، فهم يتركون القضايا الرئيسة المتعلقة بالبطالة وغلاء المعيشة والإسكان، ويقحمون أنفسهم في مناطق ليس بمقدورهم إلا التورط فيها ولا يسعهم إلا الخروج منها أكثر جهلاً، فالعمل الإبداعي عصي على أفهامهم.

وذكر الشاعر كريم رضي " كنت أظن بأنهم كانوا سيتعرضون للأخطاء التقنية في إدارة (ربيع الثقافة) من حيث مستوى الإخفاق الإداري والتنظيمي لقطاع الثقافة والتراث الوطني، لا أن تحاكم الفعاليات الثقافية للربيع محاكمة أخلاقية، فالبحرين بتاريخها الفكري والثقافي لا يمكنها أن تخضع لمثل هذا المنطق الذي أقل ما يمكن أن يوصف به هو الرجعية، وأنا هنا أستحضر مقولة كانت بمثابة نبوءة لمثل ما نحن بصدد الحديث عنه الآن، وهي للشاعر قاسم حداد والتي يقول فيها "أبشروا فالماضي قادم".

ويرى الفنان التشكيلي راشد العريفي أنّ خطوة هذه التيارات تهدف للرجوع بنا إلى فترات تكميم الأفواه ونتيجةً للعمى الذي أصابهم - يقول العريفي - يعتقدون أن المجتمع البحريني غير مدرك لما يحاولون المساس به من قيمه المتسامحة وقيمه التقدمية، معتقدين أنّ المجتمع يقف في صفهم، ولكني أؤكد أن المجتمع بكل فئاته يعرفهم جيدًا، ويرفضهم تمامًا، ويضيف أن المجتمع البحريني هو مجتمع متسامح، ومجتمع تقدمي وطوال تاريخه كان مؤمنًا بأن التقدم هو الصورة الصحيحة التي تسير من خلالها الحياة، ولم تكن للأفكار الظلامية موقعًا تتغلغل فيه داخل مجتمعنا البحريني.

وكان النائب محمد خالد قد طالب عبر إيلاف بالتحقيق في ما حصل في كونه ينافي العادات والتقاليد البحرينية والإٍسلامية، فيما إعتبر عدد من المثقفين أن ما حصل لقطات إستعراضية تعبر عن واقع الحب ولا تخدش الحياء.
وقال النائب محمد خالد عضو كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان ل"إيلاف"، إن هذا ربيع السخافة وليس ربيع الثقافة، وإن الثقافة بعيدة كل البعد عما يحدث في هذا المهرجان. وقال خالد: "تلقيت عددًا من الشكاوى تستنكر ما شاهدوه ليلة أمس من مناظر لا تليق بعاداتنا وتقاليدنا العربية الإسلامية الأصيلة، وأدعو وزير الإعلام إلى فتح تحقيق عاجل ومنصف حول هذه الشكاوى على ألاّ تتكرر في المرات القادمة وسنحاسبه والقائمين على المهرجان بعد التأكد مما حدث تمامًا".

ودعا خالد القائمين على المهرجان أن يجذبوا مهرجانات الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة كمهرجان الجنادرية الذي يجلب الآلاف من الزوار والسياح من الداخل والخارج، مضيفا أنه لا يعلم إلى متى يتعالى المسؤولون أو القائمون على هذا المهرجان على الجمهور البحريني المثقف، والذي يعلم كل العلم أن هذه المهرجانات هي بعيدة كل البعد عن الواقع، وللأسف يبدو أن القائمين على المشروع لا يسمعون ولا يرون وليست عندهم ثقافة عن واقعنا.

ايلاف- الخميس 15 مارس 2007

*****

جئنا لنعلن الحب

مرسيل خليفة- قاسم حداد

عندما ذهبنا إلى التراث العربي بحثاً عما يضيء حاضرنا، ونستعيد به ما نسيناه وما افتقدناه في حياتنا الراهنة، نعني الحب، جلبنا درّة الحب الخالدة، شعلة الوجد التي لا تخبو جذوتها ما دام هناك عاشق أو عاشقة يتنفسان الحب.
جلبنا حكاية من ذابَ وقيل من جُنّ حباً، وقمنا بصقل الحكاية بما تيسر لنا من شعر وموسيقى وغناء ورقص ودراما. وما كان لدينا غير مطمحٍ واحدٍ: أن نحرض الناس على الفرح لا الغياب، على الحياة لا العدم.
كانت غايتنا أن نعبّر عن العاطفة الإنسانية في أبهى وأنقى تجلياتها، وأن نمجّد الجدير بالتمجيد: الحب.
أبداً لم تكن غايتنا أن ندغدغ الغرائز الأدنى عند جمهور جاء، بكل براءته وثقته وفطنته، ليعرف ويستمتع ويفتح قلبه على سعته، بلا موقف مسبق، بلا ضغينة، ولا أحكام.
جمهورٌ بيننا وبينه ميثاقٌ من الاحترام المتبادل، لا يمكن أن نحط من قدره بتقديم ما هو فجّ ومسفّ ومبتذل.
لكن أبداً لم يخطر ببالنا أن ما نقدمه من عرض نظيف وبريء، ومتجرّد من النوايا السيئة والخبيثة، سوف يتم تأويله غيابياً بخلاف ما هو مقصود، وسوف يرى فيه حماة الدين والأخلاق والطهارة عملا فاحشاً ومعيباً، وسوف يرون فيه خروجاً على الشريعة الإسلامية والأخلاق العامة.
إن محاولة نواب الكتل الإسلامية، وأتباعهم، التصدي لعمل "مجنون ليلى"، ولكافة فعاليات "ربيع الثقافة" في البحرين، وتشكيل لجنة تحقيق في ما يسمونه خروجاً على الشريعة، مثل هذه المحاولة لا ننظر إليها بوصفها رغبةً في تصفية حسابات سياسية أو شخصية، بقدر ما ننظر إليها، عمقياً، كمحاولة مقصودة، ومنظمة، لإرهاب كافة أشكال الفكر والثقافة، وقمع كل مسعى إبداعي. الثقافة الحرّة، الرافضة للامتثال، هي المستهدفة.
إنه دفاعٌ باطلٌ، عقيمٌ، مشكوكٌ فيه، عن دينٍ لا يستمد قوته وعظمته واستمراريته من العنف (اللفظي والبدني) الذي يمارسه فقهاء الظلام وتجار الفتاوى، بل مما يدعو إليه من تعايش وتسامح ومحبة. دينٌ، في جوهره، قائمٌ على الحوار والاجتهاد. دينٌ لا يحتاج إلى دم شاعرٍ أو صمت أغنيةٍ كي يحافظ على بقائه، لا يحتاج إلى صراخ وانفعال وتشنج في الدفاع عنه.
إنها دعوة صريحة ومباشرة للانغلاق، لمصادرة حق الآخر في التعبير، لإنكار تعددية الأصوات، والمفارقة أن تنطلق هذه الدعوة من موقعٍ (برلمان) يُفترض فيه أن يكون منبراً لمختلف الأصوات والاتجاهات.
إن مثل هذه الدعوة لا تحتقر الإنسان الحر، الراغب في المعرفة والمتعة، لكنها تحتقر أيضاً بلداً متحضراً ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين.
لذا يحق لنا أن نتساءل:
هل يليق بوطن متحضر أن يمثّل شعبه نوّابٌ يتوهمون امتلاك السلطة.. سلطة المنع والكبح والمصادرة؟ نواب ترتعد فرائصهم كلما لاحتْ في الأفق قصيدة أو أغنية لا تمتثل لشروطهم فيستنفرون الكراهية والتعصب؟ نوابٌ يرون الشيطان الرجيم يسكن في كل أغنية أو رقصة أو مشهد أو نص؟ نوابٌ يظنون أن الله يبسط، لهم وحدهم، جناحَ الرحمة ويعادي الآخرين؟
نوابٌ ليس من مهمات (مجلسهم) أن يعطي شعباً برمته درساً في الأخلاق، ولا لأحدٍ منهم أن يعلمنا الوطنية.
ما يحدث هنا، حدث ويحدث في أراض عربية متفرقة.. بشكل أو بآخر. المثقف العربي متهم دوماً، أو عرضة للاتهام في أي وقت، ما دام يبدع. لذا فهو ليس مطالَباً بأن يبدع فحسب، لكن أن يدافع أيضاً عن إبداعه ضد قوى القمع المتربصة به عند كل منعطف.
يحق لنا هنا أن نحيي ونعانق جميع القلوب العاشقة والعقول الحرة، التي عبرت عن تمسكها الجميل بالحب وبالحرية. مسألتان لا يمكن التفريط فيهما كلما تعلق الأمر بالحياة والإبداع. نريد أن نقدر الموقف الحضاري الواضح والجريء، مطمئنين الى أن ثمة مستقبلاً جميلاً لا يمكن لأحدٍ منعنا من الذهاب إليه أحراراً، وبمختلف اجتهاداتنا الفكرية والفنية.
نضم صوت شعرنا وموسيقانا إليكم، لنقول لهم معاً:
ارفعوا أيديكم عن حناجرنا.
مرسيل خليفة قاسم حداد

السفير- بيروت

****

أسرة الأدباء تبحث مع المؤسسات الثقافية والفنية تشكيل كيان موحد

للدفاع عن المثقف والثقافة.. بوهندي:
على المؤسسات الثقافية أن تعي أن قوتها تكمن في التكامل

رؤى - المحرر الثقافي:

في تصريح خص به "رؤى" قال رئيس أسرة الأدباء والكتاب الشاعر إبراهيم بوهندي أن مجلس إدارة أسرة الأدباء يبحث الآن أمر استصدار بيان ثقافي باسم أسرة الأدباء والكتاب للوقوف ضد ما يتعرض له المبدع الشاعر قاسم حداد، مضيفاً بأنه لابد أن يكون لنا كشعراء وكتاب موقف ضد سن قانون أو إجراء تحقيق مع المبدعين، مشيراً في الوقت نفسه بأن الشاعر حداد هو من أبرز مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب بتاريخها الفكري والثقافي والإبداعي، كما انه الآن يعد علامة بارزة في المشهد الإبداعي العربي والعالمي، مما يجعله أيقونة إبداعية لابد لمملكة البحرين أن تفخر به كمبدع وكإنسان استثنائي قدم للبحرين الكثير في حقل الإبداع والشعر المعاصر.
ورداً على سؤال "رؤى" له عن أوان التفكير الجدي والتحرك السريع لتشكيل كيان مؤسساتي للدفاع عن حقوق المبدعين وقضاياهم في الشأن الثقافي والاجتماعي قال بو هندي أن أسرة الأدباء تبحث مع المؤسسات الثقافية والفنية تشكيل كيان موحد للدفاع عن المثقف والثقافة، لافتاً بالقول وداعياً في ذات الوقت إلى أنه على المؤسسات الثقافية الأهلية والرسمية خصوصاً قطاع الثقافة والتراث الوطني، أن تعي بأن قوة الفعل الثقافي بكياناته ومؤسساته وحصانته تكمن في تكامله وتضامنه لا في حالة القطيعة واختزال الوجودات الثقافية وتحويلها إلى كنتونات ثقافية مشتتة وضعيفة.

الايام

****

الحليبي: ليشكلوا لجان تحقيق في الفساد والبطالة والتمييز

الوقت:

طالب الأمين العام المساعد لجمعية المنبر التقدمي فاضل الحليبي، النواب الذين عمدوا إلى تشكيل لجنة تحقيق في فعاليات ربيع الثقافة ‘’تشكيل لجان تحقيق في البطالة والتجنيس وأزمة الإسكان والفساد المالي والإداري والتمييز بكافة أشكاله’’، منوها إلى أن ‘’عهد محاكم التفتيش قد ولى، عندما تم اغتيال المفكرين والمبدعين على المشانق باسم الدين’’. وقال الحليبي ‘’في الوقت الذي يجب فيه أن تتنفس البحرين الهواء النقي هناك من يعكر صفو ذلك الربيع الجميل في بلادنا باغتيال الحلم والأمل في نفوس الناس’’.
وأضاف ‘’على الذين يعملون على تكميم أفواه المبدعين من أبناء شعبنا من مفكرين وشعراء وفنانين وكتاب وغيرهم، التوقف عن تلك الأفعال التي تريد العودة بنا إلى قرون مضت’’. وتابع ‘’لم نعد نعيش في تلك القرون التي نصبت فيها المشانق لاغتيال المفكرين والمبدعين باسم الدين والعادات والتقاليد فذلك الزمن ولى من دون رجعة’’.

الوقت- 18 مارس

أقرأ أيضاً: